20ـ أخلاق وآداب:أسباب الغضب

20ـ أخلاق وآداب:أسباب الغضب

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد أخرج الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي، قَالَ: لا تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: لا تَغْضَبْ).

وصية من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم جامعة مانعة، تدل على أنَّ الغضب جِماع الشر كلَّه، وضبط النفس جِماع الخير كلَّه، وفي رواية ثانية للإمام أحمد  عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَمٍّ لَهُ يُقَالُ لَهُ: جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ (أَنَّ رَجُلاً قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْ لِي قَوْلاً وَأَقْلِلْ عَلَيَّ لَعَلِّي أَعْقِلُهُ، قَالَ: لا تَغْضَبْ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ مِرَارًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: لا تَغْضَبْ). وفي رواية أخرى للإمام أحمد عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي، قَالَ: لا تَغْضَبْ، قَالَ: قَالَ الرَّجُلُ: فَفَكَّرْتُ حِينَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ، فَإِذَا الْغَضَبُ يَجْمَعُ الشَّرَّ كُلَّهُ).

أيها الإخوة الكرام: الغضب جِماع الشر كلِّه، ومصدرُ الهلاك، وعنوانُ الدَّمار، الغضب خُلُقٌ أحمق، وتصرُّف أهوج، وشيطانٌ أخرس، الغضب نارٌ في الفؤاد، وحجرةٌ في القلب، وشَرارٌ في العين، وحمرةٌ في الوجه، وتوتُّرٌ في الأعصاب، وانتفاخٌ في الأوداج، وحُمقٌ في التصرُّف، ومسارعةٌ للانتقام.

آثار الغضب وخيمة وأليمة، به قد يخرج العبد من الإيمان، وبه قد يسفك الدماء، وبه قد يهدم الأسرة، وبه قد يفرق بين الأحبة، وبه قد تُقْطَع الأرحام، وبه تشعل نار الفتن، وبه قد ترمَّل النساء، وبه قد يُيَتَّم الأطفال، وبه قد يقع الطلاق، وبه قد يدخل الإنسان السجن، وبسببه يغضب الرحمن ـ والعياذ بالله تعالى ـ

توجيه الله تعالى لعباده:

أيها الإخوة الكرام: لقد وجه الله تعالى عباده المؤمنين لضبط النفس في ساعة الغضب، ووعدهم على ذلك بالأجر العظيم.

قال تعالى: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُون}. هذا وصف المؤمنين الذين على ربهم يتوكَّلون، والذين استجابوا لربهم، وكانوا من أولي العزم من العباد.

وقال تبارك وتعالى في وصف عباده المتقين من أهل الجنة: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين}.

وقال تعالى مرغِّباً بالعفو أثناء الغضب رجاء أن يغفر الله تعالى لمن غفر: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}؟

توجيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:

أيها الإخوة الكرام: وهذا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يوجِّهنا إلى الكمال في الأخلاق، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ ).

يوجِّهنا إلى الاحتماء بالله تعالى، والتعوذِ من الشيطان الرجيم، وخاصة في ساعة الغضب، روى الإمام البخاري عن سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ رضي الله عنه قَالَ: (اسْتَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدْ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لأعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).

يوجِّهنا إلى الوضوء في ساعة الغضب، عن عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيِّ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الغَضَبَ مِن الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِن النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ).

يوجِّهنا إلى الدعاء من خلال دعائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، (اللَّهُمَّ إني أَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الحَقِّ فِي اْغَضَبِ وَالرِّضَا) رواه الإمام أحمد عن عمار بن ياسر رضي الله عنه.

توجيه السلف الصالح:

أيها الإخوة الكرام: جاء في كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي رحمه الله تعالى: عن ذي القرنين أنه لقي ملكاً من الملائكة فقال: علمني علماً أزداد به إيماناً ويقيناً، قال: لا تغضب فإن الشيطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب، فرُدَّ الغضبَ بالكظم، وسَكِّنْهُ بالتُّؤَدَةِ، وإيَّاك والعَجَلَةَ، فإنك إذا عَجِلْتَ أخطأتَ حظَّك، وكنْ سهلاً ليِّناً للقريبِ والبعيدِ، ولا تكن جبّاراً عنيداً.

ويقول عروة بن الزبير: مكتوب في الحكم: يا داود إيَّاك وشدَّةَ الغضبِ، فإنَّ شدَّةَ الغضب مَفْسَدَةٌ لفؤاد الحكيم.

ويقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:

يخاطبني السفيهُ بكلِّ قُبْحٍ *** وأكرهُ أنْ أكونَ له مجيباً

يزيدُ سفاهةً فأزيدُ حِلماً *** كعودٍ زادَهُ الإحراقُ طيباً

أسباب الغضب:

أيها الإخوة الكرام: الغضب له أسباب كثيرة، ولكن من أهمها:

أولاً: عدم الصلة مع القرآن العظيم، لأنَّ تاليَ القرآن يزيد الله في إيمانه، ومن زاد إيمانه قويَ على نفسه، وبتلاوة القرآن العظيم يعرف التالي ما هي صفات المتَّقين، وما هيَ فضائل كظم الغيظ.

ثانياً: عدم الصلة بسيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الذي مدحه الله تعالى بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم}. ومن قرأ سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عشق الحبيب وسار على سيرته، فإن في سيرة الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أروع الأمثلة لكظم الغيظ.

ثالثاً: جهل الإنسان بحقيقة نفسه التي وصفها الله تعالى في القرآن العظيم بقوله: {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}. وجهله بما أمره الله تعالى به من خلال قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين}.

رابعاً: جهل العبد بنتائج الغضب على دينه وعلى جسده، وعلى أسرته، وعلى مَنْ حوله، وجهله بنتائجه يوم القيامة إذ يقف العبد بين يدي الله تعالى.

خامساً: بسبب الاستكبار الذي يتَّصف به العبد بسبب غفلته عن الله تعالى.

سادساً: شعور الإنسان بالنقص، لأنَّ الفاشل في حياته، وضعيف الشخصية في تعامله، يريد أن يكمل نقصه بالغضب.

سابعاً: وهذا خاصٌّ بالنساء ذوات الغيرة المفرطة.

نسأل الله تعالى أن يُخلِّقنا بأخلاق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وأن يرزقنا خلق كظم الغيظ والعفو عن الإساءة، وأن يحشرنا مع عباده المتَّقين. آمين.

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دعوة صالحة

**    **    **

تاريخ المقال:

الخميس: 1 / صفر /1433 هـ الموافق: 27 / كانون الأول / 2011م

 

 2011-12-26
 36528
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  أخلاق و آداب

08-10-2020 961 مشاهدة
59ـ آداب المريض (4)

لَقَدْ ذَكَرْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ أَنَّ مِنْ آدَابِ المَرِيضِ: 1ـ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ المَرَضَ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. 2ـ أَنْ يَأْخُذَ الدَّوَاءَ. 3ـ أَنْ يَرْقِيَ نَفْسَهُ بِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى ... المزيد

 08-10-2020
 
 961
08-10-2020 618 مشاهدة
58ـ آداب المريض (3)

لَقَدْ ذَكَرْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ أَنَّ مِنْ آدَابِ المَرِيضِ: 1ـ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ المَرَضَ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. 2ـ أَنْ يَأْخُذَ الدَّوَاءَ. 3ـ أَنْ يَرْقِيَ نَفْسَهُ بِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى ... المزيد

 08-10-2020
 
 618
11-03-2020 1046 مشاهدة
57ـ آداب المريض (2)

مِنَ الوَاجِبِ عَلَى العَبْدِ المُؤْمِنِ أَنْ يَرُدَّ المَظَالِمَ إلى أَهْلِهَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا وَذِمَّتُهُ بَرِيئَةٌ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حُقُوقِ العِبَادِ، لِأَنَّ حُقُوقَ ... المزيد

 11-03-2020
 
 1046
05-03-2020 1092 مشاهدة
56ـ آداب المريض (1)

ا يُقَدِّرُ نِعْمَةَ اللهِ تعالى إِلَّا مَنْ فَقَدَهَا، فَالصِّحَّةُ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَيْنَا، لَا يُقَدِّرُهَا إِلَّا المَرْضَى، فَكَمْ مِنْ نِعْمَةٍ قَدْ غَفَلْنَا عَنْهَا؟ وَكَمْ مِنَ النِّعَمِ قَدْ قَصَّرْنَا بِوَاجِبِ شُكْرِهَا، ... المزيد

 05-03-2020
 
 1092
16-01-2020 1639 مشاهدة
55ـ أبشر أيها المريض

لَقَدْ جَعَلَنَا اللهُ تعالى عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَبَيَّنَ لَنَا الغَايَةَ مِنْ خَلْقِنَا، فَقَالَ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. وَمِنَ العِبَادَةِ الصَّبْرُ عَلَى الابْتِلَاءَاتِ ... المزيد

 16-01-2020
 
 1639
08-01-2020 1465 مشاهدة
54ـ آداب النظر (2)

إِسْلَامُنَا لَا يَرْضَى لَنَا أَنْ نَأْتِيَ الفَوَاحِشَ، بَلْ يَنْهَى عَنْ قُرْبَانِهَا فَضْلَاً عَنْ إِتْيَانِهَا، وَهُوَ يُحَرِّمُ الوَسَائِلَ، وَيَسُدُّ الأَبْوَابَ التي تُؤَدِّي إِلَيْهَا، لِهَذَا جَاءَتْ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ، وَنُصُوصٌ ... المزيد

 08-01-2020
 
 1465

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411955192
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :