86ـ كلمات في مناسبات: درس يوم عرفة 1438هـ

86ـ كلمات في مناسبات: درس يوم عرفة 1438هـ

 

86ـ كلمات في مناسبات: درس يوم عرفة 1438هـ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا كَانَ العَالَمُ اليَوْمَ يَفْتَخِرُ بِأَنَّ لَهُ مُنَظَّمَاتٍ لِحُقُوقِ الإِنْسَانِ ـ وَقَدْ ثَبَتَ لَنَا في هَذِهِ الآوِنَةِ كَذِبُ هَذِهِ المُنَظَّمَاتِ ـ فَنَقُولُ للعَالَمِ أَجْمَعَ: لَقَدْ أَصْدَرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حَجَّةِ الوَدَاعِ وَثِيقَةَ حُرُمَاتِ الإِنْسَانِ.

لَقَدْ أَصْدَرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الوَثِيقَةَ، بَعْدَ أَنْ بَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ تَبَارَكَ وتعالى، وَبَنَى المُجْتَمَعَ الإِسْلَامِيَّ في المَدِينَةِ، حَيْثُ جَعَلَهُ نَمُوذَجَاً صَالِحَاً يُقْتَدَى بِهِ لِمَنْ أَرَادَ عِزَّ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، لَقَدْ أَصْدَرَ هَذِهِ الوَثِيقَةَ الهَامَّةَ لِأَنَّهُ شَعَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِدُنُوِّ أَجَلِهِ.

روى الإمام أحمد عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ خَرَجَ مَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُوصِيهِ، وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي تَحْتَ رَاحِلَتِهِ.

فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: «يَا مُعَاذُ، إِنَّكَ عَسَى أَنْ لَا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، وَلَعَلَّكَ أنَ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا، وَقَبْرِي».

فَبَكَى مُعَاذٌ جَشَعَاً لِفِرَاقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

ثُمَّ الْتَفَتَ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ نَحْوَ المَدِينَةِ فَقَالَ: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي المُتَّقُونَ مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا».

لَقَدْ شَعَرَ بِدُنُوِّ أَجَلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُدَارِسُهُ القُرْآنَ في كُلِّ سَنَةٍ في رَمَضَانَ مَرَّةً، وفي العَامِ الذي قُبِضَ فِيهِ دَارَسَهُ القُرْآنَ مَرَّتَيْنِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَهُ بِهِ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أُرَانِي إِلَّا قَدْ حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لُحُوقَاً بِي، وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ».

لَقَدْ شَعَرَ بِدُنُوِّ أَجَلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ للنَّاسِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

لَقَدْ شَعَرَ بِدُنُوِّ أَجَلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَمَا نَزَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينَاً﴾

روى ابن أبي شيبة عَنْ هَارُونَ بْنِ أَبِي وَكِيعٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾. يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ.

قَالَ: فَبَكَى عُمَرُ.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: مَا يُبْكِيكَ؟

قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَبْكَانِي أَنَّا كُنَّا فِي زِيَادَةٍ مِنْ دِينِنَا، فَأَمَّا إِذَا كَمُلَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ قَطُّ شَيْءٌ إِلَّا نَقَصَ.

قَالَ: صَدَقْتَ.

لَقَدْ شَعَرَ بِدُنُوِّ أَجَلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَمَا نَزَلَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجَاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَاً﴾. لِأَنَّ الاسْتِغْفَارَ خِتَامُ كُلِّ شَيْءٍ، فَكَأَنَّ الحَقَّ جَلَّ جَلَالُهُ أَمَرَهُ في خِتَامِ حَيَاتِهِ بِالاسْتِغْفَارِ.

روى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿إِذَا جَاءَ نَـصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ﴾. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي» بِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ فِي تِلْكَ السَّنَةِ.

لَقَدْ شَعَرَ بِدُنُوِّ أَجَلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ مُشِيرَاً لِذَلِكَ: «عَبْدٌ خَيَّرَهُ اللهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ زَهْرَةَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ».

فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَبَكَى، فَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا.

قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ المُخَيَّرُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ.

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذَاً خَلِيلَاً لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلَاً، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ، لَا تُبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خُطْبَةُ حَجَّةِ الوَدَاعِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عِنْدَمَا شَعَرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِدُنُوِّ أَجَلِهِ، وَقَفَ فَجْرَ يَوْمِ عَرَفَةَ في مِنَى، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالتَّوَجُّهِ إلى عَرَفَةَ، وَأَمَرَ بِخَيْمَتِهِ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، ثُمَّ بَعْدَ الزَّوَالِ قَامَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ في النَّاسِ.

روى الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حَجَّةِ الوَدَاعِ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعَاً فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبَاً أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدَاً تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبَاً غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابَ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟».

قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ.

فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

لَقَدْ سَمِعَ خُطْبَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِئَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَعِـشْرُونَ أَلْفَاً، روى الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ: فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي المَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ، نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَـصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ، مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ، وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ، وَالمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ» وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ.

مَكَانَةُ الدِّمَاءِ في الإِسْلَامِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِسْلَامُنَا جَاءَ بِحُرْمَةِ الدِّمَاءِ، وَلَمْ يَأْتِ لِسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَقَدْ أَرْسَى ذَلِكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في نُفُوسِ الصَّحَابَةِ خِلَالَ تَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمَاً، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ» رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَكُلُّ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمَاً في صَحِيفَةِ ذَاكَ ابْنِ آدَمَ، انْظُرُوا كَمِ امْتَلَأَتْ صَحِيفَتُهُ بِالمَقْتُولِينَ ظُلْمَاً؟ روى الإمام مسلم عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ».

أَرْسَى في نُفُوسِ صَحَابَتِهِ حُرْمَةَ الدِّمَاءِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ، لَقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ» رواه ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَرْسَى في نُفُوسِ صَحَابَتِهِ حُرْمَةَ الدِّمَاءِ، روى الإمام أحمد عَنْ سَالِمٍ، سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ رَجُلٍ قَتَلَ مُؤْمِنَاً، ثُمَّ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً، ثُمَّ اهْتَدَى.

قَالَ: وَيْحَكَ، وَأَنَّى لَهُ الْهُدَى، سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَجِيءُ المَقْتُولُ مُتَعَلِّقَاً بِالْقَاتِلِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟».

وَاللهِ لَقَدْ أَنْزَلَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا نَسَخَهَا بَعْدَ إِذْ أَنْزَلَهَا؛ قَالَ: وَيْحَكَ، وَأَنَّى لَهُ الْهُدَى؟!

وَخَتَمَ ذَلِكَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا».

وَأَبَتِ الأُمَّةُ اليَوْمَ إِلَّا أَنْ تَرْجِعَ إلى الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى بِسَفْكِ الدِّمَاءِ البَرِيئَةِ، وَبِكُلِّ أَسَفٍ أَنْ تَرَى هَذَا مِنَ المُسْلِمِينَ، وَمِمَّنْ يَدَّعِي أَنَّهُ مُبَلِّغٌ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمِمَّنْ يَدَّعِي مِنْ شَرْقٍ وَغَربٍ أَنَّهُمْ رُعَاةٌ لِحُقُوقِ الإِنْسَانِ، وَكُلُّهُمْ كَذَبُوا وَرَبِّ العِبَادِ.

إِبْطَالُ الرِّبَا وَتْحْرِيمُهُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِسْلَامُنَا جَاءَ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا، وَالتَّأْكِيدِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ مُوصِيَاً الأُمَّةَ: «وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبَاً أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ». أَنْهَى الرِّبَا جُمْلَةً وَتَفْصِيلَاً، وَبِجَمِيعِ صُوَرِهِ خِلَالَ فَتْرَةِ التَّبْلِيغِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى خَتَمَ ذَلِكَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ.

وَأَبَتِ الأُمَّةُ اليَوْمَ ـ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى ـ إِلَّا أَنْ تَنْبِشَ الرِّبَا، وَتَعُودَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَتْ في الجَاهِلِيَّةِ، بَلْ وَأَشَدَّ، حَتَّى تَهَاوَنَ الكَثِيرُ مِنْهُمْ في هَذَا المَوْضُوعِ مِمَّنْ يُصَلِّي وَيَصُومُ، مَعَ أَنَّ اللهَ تعالى قَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾. الرِّبَا يُخْرِبُ الدِّيَارَ، وَيُهْلِكُ العِبَادَ، وَيُسْخِطُ اللهَ تعالى.

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ الرِّبَا تَحْتَ قَدَمِهِ، وَالأُمَّةُ رَفَعَتْ شِعَارَ الرِّبَا، وَتَعَامَلَتْ بِهِ بِكَثِيرٍ مِنَ الصُّوَرِ وَالأَشْكَالِ، مَعَ أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا بِأَنَّ آكِلَ الرِّبَا سَيَسْبَحُ في بَحْرٍ مِنَ الدَّمِ.

روى الإمام البخاري عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَدِيثِ الرُّؤْيَا قَالَ: «قَالَا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ».

قَالَ: «فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الحِجَارَةَ، فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ (أَيْ: يَفْتَحُهُ) فَيُلْقِمُهُ حَجَرَاً فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرَاً».

ثُمَّ قَالَا لَهُ: «وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الحَجَرَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا».

احْذَرُوا الرِّبَا يَا عِبَادَ اللهِ، وَاسْمَعُوا إلى هَذَا الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلَاً عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُمْ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ (جَيِّدٍ).

فَقَالَ: «أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا».

فَقَالَ: إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ.

فَقَالَ: «لَا تَفْعَلْ، بِعِ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبَاً».

وَقَالَ فِي المِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ. أي: إِنَّ المَوْزُونَاتِ حُكْمُهَا في الرِّبَا حُكْمُ المَكِيلَاتِ.

وفي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ بِلَالٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ (نَوْعٌ مِنَ التَّمْرِ أَصْفَرُ مُدَوَّرٌ وَهُوَ مِنْ أَجْوَدِ التَّمْرِ).

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَيْنَ هَذَا؟».

قَالَ بِلَالٌ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: «أَوَّهْ أَوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا، لَا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعِ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِهِ».

«فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِسْلَامُنَا جَاءَ بِتَحْرِيمِ الظُّلْمِ، وَخَاصَّةً ظُلْمَ النِّسَاءِ وَاليَتَامَى، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أُحَرِّجُ  عَلَيْكُمْ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالمَرْأَةِ (أَيْ: أُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ في تَضْيِيعِ حَقِّهِمَا، وَأَشْدُدُ عَلَيْهِمْ في ذَلِكَ)» رواه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَأَبَتِ الأُمَّةُ اليَوْمَ إِلَّا ظُلْمَ المَرْأَةِ، وَرُبَّمَا أَنْ يَكُونَ هَذَا مِمَّنْ ظَاهِرُهُ التَّقْوَى وَالصَّلَاحُ، مَعَ أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ: «فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدَاً تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبَاً غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ».

هَلْ أَحَدٌ رَعَى المَرْأَةَ كَمَا رَعَاهَا الإِسْلَامُ؟ لَقَدْ رَعَاهَا بِنْتَاً، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ» وَضَمَّ أَصَابِعَهُ. رواه الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَرَعَاهَا أُمَّاً، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْزَمْ رِجْلَهَا، فَثَمَّ الْجَنَّةُ» رواه ابن ماجه عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَرَعَاهَا زَوْجَةً، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» رواه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ خَيْرُ أَيَّامِ الدُّنْيَا، يَوْمُ عَرَفَةَ يَنْزِلُ فِيهِ رَبُّنَا إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ.

روى ابن حبان عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا مِنْ يوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ، يَنْزِلُ اللهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الْأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثَاً غُبْرَاً ضَاحِينَ، جَاؤُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، يَرْجُونَ رَحْمَتِي، وَلَمْ يَرَوْا عَذَابِي، فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ أَكْثَرُ عِتْقَاً مِنَ النَّارِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ».

يَوْمُ عَرَفَةَ يُذَكِّرُ الأُمَّةَ بِالمَشْهَدِ العَظِيمِ، وَالحَشْرِ العَظِيمِ يَوْمَ القِيَامَةِ ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ﴾. حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَاً للعَرْضِ وَالحِسَابِ، فَيَا مَنْ يَعِيشُ يَوْمَ عَرَفَةَ، تَذَكَّرْ يوْمَ المَحْشَرِ، يَوْمَ القِيَامَةِ، يَوْمَ التَّغَابُنِ، وَأَنْتَ تَسْتَحْضِرُ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حَجَّةِ الوَدَاعِ: «أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا قَوْلِي وَاعْقِلُوهُ، تَعَلَّمُنَّ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَخٌ لِلْمُسْلِمِ، وَأَنَّ المُسْلِمِينَ إخْوَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لامْرِئِ مِنْ أَخِيهِ إلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، فَلَا تَظْلِمُنَّ أَنَفْسَكُمْ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟».

فَقَالَ النَّاسُ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ» كذا في سيرة ابن هشام.

وَاسْتَحْضِرْ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ قَسَمَ لِكُلِّ إِنْسَانٍ نَصِيبَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ، وَلَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، أَلَا وَمَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، وَالمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفَاً، وَلَا عَدْلَاً» رواه الإمام أحمد عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ قَالَ لِأَمْرِكَ وَلِأَمْرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ، وَالمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 9/ ذو الحجة /1438هـ، الموافق: 31/ آب / 2017م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمات في مناسبات

28-09-2023 636 مشاهدة
141ـ كلمات في مناسبات: عذرًا يا سيدي يا رسول الله

لقد كُنتَ حَرِيصَاً عَلَينَا أَشَدَّ الحِرْصِ، بِشَهَادَةِ مَولانَا عزَّ وجلَّ القَائِلِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. وبِشَهَادَتِكُم عِندَمَا ... المزيد

 28-09-2023
 
 636
07-03-2023 656 مشاهدة
140ـ كلمات في مناسبات: إجابة الدعاء معلقة بالاستجابة لله تعالى

عِنْدَمَا تَنْزِلُ المِحَنُ، وَتَشْتَدُّ الخُطُوبُ، وَتَتَوَالَى الكُرُوبُ، وَتَعْظُمُ الرَّزَايَا، وَتَتَابَعُ الشَّدَائِدُ، لَنْ يَكُونَ أَمَامَ المُسْلِمِ إِلَّا أَنْ يَلْجَأَ إلى اللهِ تعالى وَيَلُوذَ بِجَانِبِهِ، وَيَضْرَعَ إِلَيْهِ ... المزيد

 07-03-2023
 
 656
28-09-2022 627 مشاهدة
1- المحبة محبتان

مَعَ بِدَايَةِ شَهْر رَبِيعٍ الأَوَّلِ، أُهَنِّئُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَنْ جَعَلَنَا اللهُ تعالى حَظَّهُ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ، ... المزيد

 28-09-2022
 
 627
09-07-2022 523 مشاهدة
138ـ كلمات في مناسبات: درس فجر عيد الأضحى المبارك 1443 هـ شعيرة الأضحية

هَذَا اليَوْمُ هُوَ خِتَامُ الأَيَّامِ العَشْرِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد

 09-07-2022
 
 523
08-07-2022 455 مشاهدة
137ـ كلمات في مناسبات: يوم عرفة يوم الغفران

يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمٌ أَكْمَلَ اللهُ تعالى فِيهِ الدِّينَ، قَالَ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾. يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ الغُفْرَانِ، وَالعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، ... المزيد

 08-07-2022
 
 455
02-05-2022 541 مشاهدة
136ـ كلمات في مناسبات: درس فجر يوم عيد الفطر 1443هـ

اليَوْمَ هُوَ يَوْمُ الجَائِزَةِ، سَبَقَ فِيهِ أَقْوَامٌ فَفَازُوا، وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ فَخَابُوا، اليَوْمَ فَازَ المُحْسِنُونَ، وَخَسِرَ المُسِيئُونَ، وَغَدًا تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ، وَيَحْصُدُ الزَّارِعُونَ مَا زَرَعُوا، إِنْ ... المزيد

 02-05-2022
 
 541

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411978744
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :