أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

843 - نصيحة في التحذير من الدنيا

31-05-2008 59124 مشاهدة
 السؤال :
بعض الناس ينفِّرون الخلق من الدنيا، فما هي نظرة الإسلام في التعامل مع الدنيا؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 843
 2008-05-31

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الله تعالى حذَّر الخلق من أن يتعلَّقوا بالدنيا، وضرب لهم أمثلة بيَّن فيها حقيقتها من مثل قول الله عز وجل: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً} [الكهف: 45].

ومثل قوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرَّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد: 20].

والنبي صلى الله عليه وسلم بيَّن لهم كذلك حقيقة هذه الحياة الدنيا فقال: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شَربة ماء» رواه الترمذي عن سهل بن سعد رضي الله عنه.

وعن المُستورِد بن شداد قال: كنت مع الركب الذين وقفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السَّخْلَةِ الميِّتة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أترون هذه هانت على أهلها حين ألقَوْها؟» قالوا: من هوانها ألقَوْها يا رسول الله، قال: «فالدنيا أهون على الله من هذه على أهلها» رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليَمِّ فلينظر بماذا يرجِع» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

وقال صلى الله عليه وسلم: «والله لا الفَقْرَ أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبسَط عليكم الدنيا كما بُسطَت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتُهلِكَكم كما أهلكتهم» رواه ابن ماجه.

ثم قال صلى الله عليه وسلم: «ما لي وما للدنيا! ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها» رواه الترمذي.

ولكن بجانب هذا البيان لحقيقة الدنيا يبيِّن الله المهمة التي خلقنا من أجلها بقوله: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105]. وبقوله تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود: 61]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الدنيا حلوة خَضِرَة، وإن الله مُستخلِفُكُم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» رواه مسلم.

وبناء على ذلك:

فيجب علينا أن نعمر هذه الدنيا، وأن نتعامل معها بظاهرنا دون أن تتعلق قلوبنا بها، وهذا ما كان عليه سلفنا الصالح ·، عمروا الدنيا على أحسن حال من الإتقان، امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» رواه أبو يعلى والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان.

وبجانب هذه العمارة والإتقان كانت قلوبهم متعلَّقة بالله عز وجل كما قال الله تعالى فيهم: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 37]. فكانوا في التجارة ظاهراً، وباطناً كانوا مع الله، جعلوا الدنيا بأيديهم ولم يدخلوها إلى قلوبهم.

لذلك من تكلَّم عن الدنيا والزهد فيها يجب عليه أن يعلِّم الناس بأن الزهد مكانه القلب وليس الظاهر، ورحم الله من قال: الزهد لمن وجد وليس لمن فقد، فلتكن الدنيا عندك ثم ازهد فيها. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
59124 مشاهدة