أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

8357 - لعن المتبرجات

14-10-2017 6835 مشاهدة
 السؤال :
هل يجوز للإنسان أن يلعن النساء المتبرجات؟ لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْعَنُوهُنَّ، فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ»؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8357
 2017-10-14

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَإِنَّ اللَّعْنَ المَذْكُورَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ يَشْمَلُ المَرْأَةَ التي اتَّصَفَتْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَيْسَ المُرَادُ بِاللَّعْنِ هُنَا الطَّرْدَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى كُلِّيَّاً، كَمَا هُوَ الحَالُ في لَعْنِ الكَافِرِينَ، لِأَنَّ المُسْلِمَ العَاصِيَ  إِذَا ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مِنَ الكَبَائِرِ لَا يَخْرُجُ عَنْ دَائِرَةِ الإِسْلَامِ، فَهُوَ مُسْلِمٌ عَاصٍ، إِلَّا إِذَا اسْتَحَلَّ الكَبِيرَةَ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ دَائِرَةِ الإِسْلَامِ. هذا أولاً.

ثانياً: لَعْنُ مَنْ لَعَنَهُمُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ العَزِيزِ، وَمَنْ لَعَنَهُمْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بِشَكْلٍ عَامٍّ لَا حَرَجَ فِيهِ شَرْعَاً.

كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾. وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾.

وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالمُتَنَمِّصَاتِ، وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنِ اللهُ الْخَمْرَ، وَلَعَنَ سَاقِيَها، وَشَارِبَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَبَايِعِهَا وَمُبْتَاعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا» رواه الحاكم عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

ثالثاً: أَمَّا لَعْنَةُ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ، سَوَاءٌ كَانَ كَافِرَاً أَو عَاصِيَاً فَاسِقَاً، فَعِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ لَا يَجُوزُ، لِمَا رَوَاهُ الإمام البخاري عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الفَجْرِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ العَنْ فُلَانَاً وَفُلَانَاً وَفُلانَاً، بَعْدَ مَا يَقُولُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ».

فَأَنْزَلَ اللهُ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾.

وروى كَذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلَاً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارَاً، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمَاً فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ.

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُمَّ العَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ».

وبناء على ذلك:

فَلَا حَرَجَ مِنْ لَعْنِ المُتَبَرِّجَاتِ بِشَكْلٍ عَامٍّ، دُونَ تَخْصِيصِ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا، لِأَنَّ الإِنْسَانَ لَا يَدْرِي عَلَى أَيَّةِ حَالَةٍ تَمُوتُ، فَقَدْ تَتُوبُ إلى اللهِ تعالى، وَيُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهَا حَسَنَاتٍ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
6835 مشاهدة