أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

8308 - قضاء الدين القديم

11-09-2017 3375 مشاهدة
 السؤال :
إذا كان على الإنسان دَين قديم كيف يقضيه، وخاصة إذا تغيرت قيمة العملة تغيراً فاحشاً؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8308
 2017-09-11

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

 أولاً: يَجِبُ عَلَى المَدِينِ أَنْ يَعْلَمَ قَوْلَ اللّٰهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّٰهَ رَبَّهُ﴾. فَإِذَا حَلَّ الأَجَلُ وَجَبَ وَفَاءُ الدَّيْنِ عَلَى الفَوْرِ عِنْدَ الطَّلَبِ، إِنْ كَانَ قَادِرَاً عَلَى الوَفَاءِ، وَإِلَّا انْدَرَجَ تَحْتَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ.

وَتَحْتَ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَيُّ الوَاجِدِ (مَطْلُ القَادِرِ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ) يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وَعِرْضَهُ». قَالَ سُفْيَانُ: عِرْضُهُ يَقُولُ: مَطَلْتَنِي؛ وَعُقُوبَتُهُ الحَبْسُ. رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ.

وَتَحْتَ قَوْلِهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللّٰهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللّٰهُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ.

ثانياً: يَجِبُ عَلَى الدَّائِنِ أَنْ يَعْلَمَ قَوْلَ اللّٰهِ تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُـسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَـيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.

وَقَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَنْظَرَ مُـعْسِرَاً أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللّٰهُ فِي ظِلِّهِ» رواه الإمام مسلم عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ.

وَقَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرَاً قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ اللّٰهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللّٰهُ عَنْهُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ.

وَقَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرَاً، فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ، قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ، فَأَنْظَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ صَدَقَةً» رواه الحاكم عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ.

ثالثاً: ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ وَالمَالِكِيَّةِ وَالإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ إلى أَنَّ الوَاجِبَ عَلَى المَدِينِ أَدَاءُ عَيْنِ الدَّيْنِ، يَعْنِي نَفْسَ النَّقْدِ المُحَدَّدِ في العَقْدِ، وَالثَّابِتِ دَيْنَاً في الذِّمَّةِ، دُونَ زِيَادَةٍ أَو نُقْصَانٍ، وَلَيْسَ للدَّائِنِ سِوَاهُ.

وَقَدْ أَضَافَ أُسْتاذُنا الدُّكتور أَحْمد الحَجّي الكُردي حَفِظَهُ اللّٰهُ تَعَالى عَلى الجَوابِ ما يَلِي:

[أَوْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الوَفَاءِ بِأَيِّ عُمْلَةٍ كَانَ إِذَا رَضِيَ الدَّائِنُ بِذَلِكَ].

وَكَانَ الإِمَامُ أَبُو يُوسُفُ يَذْهَبُ إلى هَذَا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ؛ وَقَالَ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى المَدِينِ أَنْ يُؤَدِّيَ قِيمَةَ النَّقْدِ الذي طَرَأَ عَلَيْهِ الغَلَاءُ أَو الرُّخْصُ يَوْمَ ثُبُوتِهِ في الذِّمَّةِ مِنْ نَقْدٍ رَائِجٍ، فَفِي البَيْعِ تَجِبُ القِيمَةُ يَوْمَ العَقْدِ، وَفِي العَرْضِ يَوْمَ القَبْضِ.

وبناء على ذلك:

فَعِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ يَجِبُ عَلَى المَدِينِ أَنْ يُسَدِّدَ عَيْنَ الدَّيْنِ، وَبِنَفْسِ النَّقْدِ المُحَدَّدِ في ذِمَّتِهِ؛ وَهَذَا الذي أُفْتِي بِهِ.

وَلَكِنْ لِيَعْلَمِ المَدِينُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ قَادِرَاً عَلَى الوَفَاءِ وَلَمْ يَفِ فَهُوَ ظَالِمٌ، وَالظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، حَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ لِمَنْ ظَلَمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرَاً عَلَى الوَفَاءِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللّٰهُ تعالى. هذا أولاً.

ثانياً: لِيَعْلَمِ المَدِينُ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ.

فَلْيَضَعِ المَدِينُ نَفْسَهُ مَكَانَ الدَّائِنِ، وَلْيُعَامِلْهُ مِنْ خِلَالِ هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ.

وَمِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ. هذا، واللّٰه تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
3375 مشاهدة