323ـ خطبة الجمعة: صفة الغدر ميزة الجبناء

323ـ خطبة الجمعة: صفة الغدر ميزة الجبناء

 

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: أصبَحنا نَعيشُ في زَمَنٍ تَطَبَّعَ فيه أناسٌ كثيرونَ على الخُلُقِ الذَّميمِ خُلُقِ الغَدرِ.

مَع أنَّنَا جَمِيعَاً نَعلَمُ بِأنَّ سَيِّدَنَا رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي آمنَّا بِهِ أنَّهُ نَبِيُّنَا مَا عُرِفَ عنهُ الغَدرُ حتَّى مَعَ أعدَائِهِ، وبِذَلِكَ شَهِدَ أبو سُفيان أَمامَ هِرَقل عندَما سَأَلَهُ: هَل يَغدِرُ؟ فقَالَ: لا.

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: الغَدرُ مِيزَةُ الجُبَناءِ.

مِيزَةُ المَغرورينَ.

مِيزَةُ الذينَ غابَت عنهُمُ الآخِرَةُ.

مِيزَةُ الذينَ نَسوا يومَ الحسابِ.

مِيزَةُ الذينَ نَسوا اليومَ الذي تَتَكَلَّمُ فيه الأيدي والأرجُلُ والجَوارِحُ.

مِيزَةُ الذينَ آثَروا الحياةَ الدُّنيا على الآخِرَةِ.

مِيزَةُ الذينَ طَغَوا في البِلادِ فأكثَروا فيها الفَسادَ.

مِيزَةُ الذينَ يَحسَبونَ أنَّهُم يُحسِنونَ صُنعاً

مِيزَةُ الذينَ يُخادِعونَ اللهَ والذينَ آمنوا.

مِيزَةُ الذينَ في قُلوبِهِم مَرَضٌ.

مِيزَةُ الذينَ إذا قيلَ لهم لا تُفسِدوا في الأرضِ قالوا إنَّما نحنُ مُصلِحونَ.

مِيزَةُ الذينَ اشتَرَوُا الضَّلالَةَ بالهُدى.

مِيزَةُ الذينَ يُشهِدونَ اللهَ على ما في قُلوبِهِم وهُم ألدُّ الخِصامِ.

مِيزَةُ الذينَ إذا تَوَلَّوا سَعَوا في الأرضِ لِيُفسِدوا فيها ويُهلِكوا الحَرثَ والنَّسلَ.

مِيزَةُ الذينَ إذا رَأيتَهُم تُعجِبُكَ أجسامُهُم، وإن يَقولوا تَسمَع لِقَولِهِم.

صِفَةُ الغَدرِ الصِّفَةُ المَشينَةُ، التي يَنغَمِسُ فيها الإنسانُ تَدريجِيَّاً، غَدرَةٌ صَغيرةٌ، فَغَدرَةٌ كبيرةٌ، فَغَدرَةٌ أَكبرُ مِنهَا، غَدرَةٌ يَعلَمُ فِيهَا الغَادِرُ بِأنَّهُ غَدَرَ مَن كانَ سَبَباً في نِعمَتِهِ.

فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّر:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» رواه الإمامُ أحمد عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ. ودِينُنَا النَّصِيحة، مِن خِلالِ قولِهِ تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾. ومن مُنطَلَقِ قولِ الله عزَّ وجلَّ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّر * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِر * إِلا مَن تَوَلَّى وَكَفَر * فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذَابَ الأَكْبَر * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُم * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم﴾. أقولُ لكلِّ غَادِرٍ غَدَرَ بهذا الوَطَنِ فَدَمَّرَهُ، وغَدَرَ بالأبرِياءِ فَسَفَكَ دِماءَهُم، وغَدَرَ بالنَّاسِ فَسَلَبَ أموالَهُم، وغَدَرَ بالآمنينَ فَرَوَّعَهُم، أقولُ لَهُ:

أولاً: أنفاسُكَ مَعدودةٌ:

اِعلَم أيُّها الغادِرُ: بأنَّ أيَّامَكَ مَعدودةٌ، وأنفاسَكَ مَحصِيَّةٌ عَليكَ، ومَا من نَفَسٍ تُبديهِ إلا وهوَ يُقَرِّبُكَ من النِّهايَةِ حتَّى تَصِلَ إلى النَّفَسِ الأخيرِ، فَتَخرُجَ من هذهِ الدُّنيا رَغماً عن أنفِكَ، أيُّهَا الغَادِرُ أنتَ مُغَادِرٌ الحياةَ الدُّنيَا، أَلَم تَسمَع قولَ اللهِ تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾. وقولَ اللهِ تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان﴾. وقولَ اللهِ تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ﴾. وقولَ اللهِ تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ﴾. والحديثَ الشَّرِيفَ الذي رواهُ الحاكم: «عِشْ ما شِئتَ فَإنَّكَ مَيِّتٍ». وما ذَهَبَ من عُمُرِكَ أكثرُ ممَّا بَقِيَ.

أيُّها الغادِرُ أنتَ مُغادِرٌ هذهِ الحياةَ الدُّنيا طَالَ الزَّمَنُ أم قَصُرَ، أيُّها الغادِرُ أَنتَ راحِلٌ من دار الفَناءِ إلى دارِ البَقاءِ بِدُونِ اختِيَارٍ مِنكَ، ولا تَدرِي بأيِّ زَمَنٍ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُون * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُون﴾. وقال تعالى: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير﴾. فاستَعِدَّ لهذهِ المُغادَرَةِ بالزَّادِ الذِي تُريدُ.

ثانياً: لا تَغتَرَّ بما آتاكَ اللهُ تعالى:

أيُّها الغادِرُ: لا تَغتَرَّ بما آتاكَ اللهُ تعالى، فما أنتَ فيه هوَ امتِحانٌ لكَ ﴿لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾. فَغَدرُكَ كُفرٌ بِنِعمَةِ الله تعالى، لا تَغتَرَّ بما آتاكَ اللهُ تعالى، فأنتَ مُبتَلى ﴿فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَن * كَلاَّ﴾. ليسَ هذا بِصَادِقٍ، ولا ذَاكَ، فإن أَعطَاكَ فَأنتَ في ابتِلاءٍ، وإن مَنَعَكَ فَأنتَ في ابتِلاءٍ، تَنَبَّه لِهَذا، وكُن على حَذَرٍ في الحَالَتَينِ.

لا تَغتَرَّ بما آتاكَ اللهُ تعالى في هذهِ الحياةِ الدُّنيا واذكُر قولَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُون * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُون * وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِين﴾. واذكُرِ الحَديثَ الشَّريفَ الذي رواه الحاكم والترمذي عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ»

ثالثاً: أنتَ في خُسرانٍ مُبينٍ:

أيُّها الغادِرُ: واللهِ أنتَ في خُسرانٍ مُبينٍ، بِقَسَمِ الله تعالى في القُرآنِ العظيمِ: ﴿وَالْعَصْر * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبْر﴾. فَغَدرُكَ دليلٌ على قِلَّةِ إيمانِكَ، وغَدرُكَ ليسَ من العَمَلِ الصَّالِحِ، ومن الذي أوصاكَ وأفتاكَ بالغَدرِ؟! ومن الذي أوصاكَ وأفتاكَ بالصَّبرِ على الغَدرِ؟!

الوَصِيَّةُ بالحَقِّ هيَ وَصِيَّةٌ بِالوَفَاءِ لِمَن أحسَنَ إليكَ، وبِعَدَمِ الغَدرِ في حقِّ مَن غَدَرَ بِكَ، كَمَا أنَّ الوَصِيَّةَ بِالصَبرِ، هيَ وَصِيَّةُ الصَّبرِ على الطَّاعَةِ التي مِن جُملتِهَا الوَفاءُ، وَوَصِيَّةُ الصبرِ عن المَعصِيَةِ التي من جُملَتِهَا الغَدرُ.

الإيمانُ يُحَذِّرُ من الغَدرِ، والعَمَلُ الصَّالِحُ يُجانِبُ الغَدرَ، والوصِيَّةُ بالحقِّ تُنَفِّرُ من الغَدرِ، والوصِيَّةُ بالصَّبرِ هيَ وصِيَّةُ الصَّبرِ على الوَفاءِ، والصَّبرِ عَنِ الغَدرِ.

فيا من غَدَرتَ: لقد تَرجَمْتَ عن قِلَّةِ إيمانِكَ، وتَرجَمْتَ عن بُعدِكَ عن العَمَلِ الصَّالِحِ، وتَرجَمْتَ عن بُعدِكَ عن مُصاحَبَةِ العُلَماءِ الرَّبَّانِيِّينَ العارِفينَ بالله تعالى، فأنتَ في خُسرانٍ مُبينٍ إن مِتَّ على ذلكَ، لأنَّكَ ما رَكِبتَ سَفينَةَ النَّجاةِ، التي أركانُها أربعةٌ، كما يقولُ الإمامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: أركانُ النَّجاةِ أربَعَةٌ، أن تُؤمِنَ بالله، وأن تَعمَلَ صالِحاً، وأن تَتَواصى بالحقِّ، وأنت تَتَواصى بالصَّبرِ.

يا أَيُّهَا الغَادِرُ، لَقَد رَكِبتَ سَفِينَةَ الهَلاكِ، وسَوفَ تَندَمُ ولا يَنفَعُكَ النَّدَمُ.

رابعاً: عاقِبَتُكَ وَخيمةٌ:

أيُّها الغادِرُ: عاقِبَتُكَ وَخيمةٌ، لأنَّ الغَدرَ ظُلمٌ، والظُّلمُ ظَلُمَاتٌ، واللهُ تعالى يَقُول: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَار﴾.

أيُّها الغادِرُ: سوفَ تَعلَمُ كَيفَ حَالُكَ وحالُ الأمَّةِ التي غَدَرتَ بها، سوفَ تَعلَمُ كَيفَ حَالُكَ وحالُ الأبرِياءِ الذينَ سَفَكتَ دِماءَهُم، سوفَ تَعلَمُ كَيفَ حَالُكَ وحالُ النِّساءِ اللواتي رَمَّلتَهُنَّ، سوفَ تَعلَمُ كَيفَ حَالُكَ وحالُ الأطفالِ الذينَ يَتَّمتَهُم، سوفَ تَعلَمُ كَيفَ حَالُكَ وحالُ المشرَّدينَ الذينَ شَرَّدتَهُم، سوفَ تَعلَمُ كَيفَ حَالُكَ وحالُ الذينَ سَلَبتَ أموالَهُم، سوفَ تَعلَمُ كَيفَ حَالُكَ وحالُ الذينَ رَوَّعتَهُم، إذا وَضَعَ اللهُ تعالى الكرسِيِّ، وجَمَعَ الأوَّلينَ والآخِرينَ، ونَطَقَتِ الأيدي والأرجُلُ، وناداكَ على رُؤوسِ الأشهادِ: يا غُدَرُ لم غَدَرتَ بكلِّ صُوَرِ الغَدرِ؟

أيُّها الغَادِرُ: اِعلَم بأنَّ رَبَّنَا عزَّ وجلَّ يُمهِلُ ولا يُهمِلُ، يُمهِلُكَ لَعَلَّكَ تَتُوبُ لَعَلَّكَ تَرجِعُ، لَعَلَّكَ تَصطَلِحُ مَعَ اللهِ تعالى، فإِذا ما مِتَّ على غَدرِكَ وأنتَ مُستَحِلٌ لهُ، فاسمَع قَولَ اللهِ تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَة * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه * خُذُوهُ فَغُلُّوه * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوه * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوه * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بالله الْعَظِيم * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِين * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيم * وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِين * لا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِؤُون﴾؟

أيُّها الغَادِرُ: سوفَ يَتَمَزَّقُ قلبُكَ يومَ القيامةِ حيثُ يَفُوتُكَ النَّعِيمُ الذِي أعَدَّهُ اللهُ تعالى للمتَّقينَ الذينَ أخَذوا صَحائِفَهُم بأيمانِهِم، ونادَوا على رُؤوسِ الأشهادِ: ﴿هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيه * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيه * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَة * فِي جَنَّةٍ عَالِيَة * قُطُوفُهَا دَانِيَة * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَة﴾. وحيثُ ترى ما أعَدَّ اللهُ لكَ من العَذابِ المقيمِ.

أيُّها الغَادِرُ: الرُجولَةُ أَن تَضحَكَ آخِراً لا أَوَّلاً، الرُجولَةُ أَن تَضحَكَ يومَ القِيامَةِ في دارِ البَقاءِ، ولَيستِ الرُجولَةُ أَن تَضحَكَ في الدُّنيَا الفَانِيَةِ، وإِن ضَحِكتَ فِيهَا وأنتَ غَادِرٌ، فَسَوفَ يَضحَكُ مِنكَ مَن ظَلمتَهُ يومَ القِيامَةِ، تَذَكَّر قولَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُون﴾. وقَولَهُ تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُون﴾.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يا غُدَرُ: اِسمعْ منِّي كلامَ ربِّكَ عزَّ وجلَّ لعلَّكَ تَتَّعِظُ: ﴿الْقَارِعَة * مَا الْقَارِعَة * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَة * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوث * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوش * فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُه * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَة * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُه * فَأُمُّهُ هَاوِيَة * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَه * نَارٌ حَامِيَة﴾ ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر﴾.

لقد ألهاكَ التَّكاثُرُ بالنِّعَمِ عن هذهِ الحَقيقَةِ التي تَنتَظِرُكَ ﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُه * فَأُمُّهُ هَاوِيَة * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَه * نَارٌ حَامِيَة﴾.

يا غُدَرُ: أنتَ راجِعٌ إلى ربِّكَ رَغماً عن أنفِكَ، فقد سَبَقَكَ إلى الله تعالى من قَتَلتَهُ، وأنتَ لاحِقٌ به، وسوفَ يَلحَقُكَ من غَدَرتَ به دونَ القَتلِ، فَمَظلومٌ أمَامَكَ يَنتَظِرُكَ، ومَظلومٌ وراءَكَ يَلحَقُكَ، وسَتَلقى اللهَ تعالى بينَ مَظلومَينِ، فما أنتَ قائِلٌ لِرَبِّكَ؟!

يَا غُدَرُ يا غَادِرُ: الدِّينُ النَّصيحَة، ولَا نَملِكُ لَكَ سِوَاهَا، فإِن بَقِيَت في قَلبِكَ بَقِيَّةُ إِيمانٍ تُبْ إلى اللهِ مِن غَدرِكََ، لَقَد هَلَكَ الحَرثُ والنَّسلُ، فَهَل أنتَ تَائِبٌ قَبلَ مَوتِكَ؟

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 2/جمادى الثانية /1434هـ، الموافق:12/نيسان / 2013م

 2013-04-12
 8982
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

12-04-2024 202 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 202
09-04-2024 377 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 377
04-04-2024 645 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 645
28-03-2024 531 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 531
21-03-2024 937 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 937
14-03-2024 1599 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 1599

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412402566
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :