191ـ مع الحبيب المصطفى: يطيل القنوت والسجود

191ـ مع الحبيب المصطفى: يطيل القنوت والسجود

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

191ـ يطيل القنوت والسجود

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ مَعرِفَةَ اللهِ تعالى هيَ أَعلَى المَنَازِلِ في الحَيَاةِ الدُّنيَا وأَرفَعُهَا، ولَن تَصلُحَ القُلُوبُ إلا بِذِكْرِ اللهِ تعالى وعِبَادَتِهِ، وإنَّ القُدْوَةَ للنَّاسِ جَمِيعَاً في ذلكَ هوَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾.

لقد تَغَلغَلَ حُبُّ العِبَادَةِ وذِكْرِ اللهِ تعالى ورَسَخَ في قَلبِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى مَدَىً لا يَعلَمُهُ إلا اللهُ تعالى، لأنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أنَّ العِزَّ في السُّجُودِ لِقَيُّومِ السَّمَاوَاتِ والأَرضِ، وتَحقِيقَ المُنَى في إِعلانِ العُبُودِيَّةِ للهِ عزَّ وجلَّ خَالِقِهِ، وسَعَادَةَ الدُّنيَا والفَلاحَ في الآخِرَةِ في التَّسْبِيحِ للهِ عزَّ وجلَّ آنَاءَ اللَّيلِ وأَطرَافَ النَّهَارِ، وهذا مَا أَمَرَ بِهِ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ حَبِيبَهُ ومُصطَفَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: من هذا المُنطَلَقِ تَوَجَّهَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى الأُمَّةِ بِقَولِهِ: «مَا أُوحِيَ إِلَيَّ أن أَجْمَعَ المَالَ وَأَكُونَ من التَّاجِرِينَ، ولكن أُوحِيَ إِلَيَّ أنْ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ» رواه ابن مردويه في التفسير من حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وروى الحاكم عَن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: جَاءَ جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، شَرَفُ المُؤمِنِ قِيَامُ اللَّيلِ، وَعِزُّهُ استِغْنَاؤُهُ عن النَّاسِ.

يُطِيلُ القُنُوتَ بَينَ يَدَيْ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ أَعظَمَ مَظْهَرٍ من مَظَاهِرِ عُبُودِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أنَّهُ كَانَ مُسْلِمَاً وَجْهَهُ للهِ تعالى في جَمِيعِ أَحوَالِهِ، يُطِيلُ القُنُوتَ بَينَ يَدَيْ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، ويَتَوَكَّلُ عَلَيهِ، ويُفَوِّضُ أَمرَهُ إِلَيهِ، ومَعَ ضَمَانَاتِ اللهِ تعالى لَهُ بِتَمَامِ المَغفِرَةِ والنُّزُلِ الكَرِيمِ، إلا أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَبَّدُ رَبَّهُ عزَّ وجلَّ، ويُطِيلُ القِيَامَ حَتَّى تَنتَفِخَ قَدَمَاهُ.

روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ مِن اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ.

فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟

قَالَ: «أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْداً شَكُوراً».

وروى الإمام مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ.

فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى.

فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى.

فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا.

ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ.

ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ» فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْواً مِنْ قِيَامِهِ.

ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ.

ثُمَّ قَامَ طَوِيلاً قَرِيباً مِمَّا رَكَعَ.

ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى» فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيباً مِنْ قِيَامِهِ.

أيُّها الإخوة الكرام: أَينَ نَحنُ من طُولِ القُنُوتِ بَينَ يَدَيِ اللهِ عزَّ وجلَّ؟

طُولُ السُّجُودِ بَينَ يَدَيْ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ:

أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ عَلَينَا أن نَعلَمَ جَمِيعَاً بأنَّ العِبَادَةَ للهِ عزَّ وجلَّ يَجِبُ أن تَكُونَ دَائِمَةً لِنِهَايَةِ الأَجَلِ، وهذا الأَمْرُ يَحتَاجُ إلى صَبْرٍ ومُصَابَرَةٍ، لذلكَ قَالَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾.

وعِندَمَا تَحَقَّقَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بالعِبَادَةِ، جَاءَ الأَمْرُ من اللهِ تعالى بِوُجُوبِ الاستِمْرَارِ والصَّبْرِ على ذلكَ، فقال تعالى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيَّاً﴾. وهذا مَا حَقَّقَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سُلُوكَاً وعَمَلاً، وأَعرَفُ النَّاسِ بالرَّجُلِ ِأَهلُهُ، وخَادِمُهُ.

روى الشيخان عَنْ عَلْقَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، كَيْفَ كَانَ عَمَلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئاً مِن الْأَيَّامِ؟

قَالَتْ: لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطِيعُ؟

وروى الإمام أحمد عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنْتُ أَخْدِمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَقُومُ لَهُ فِي حَوَائِجِهِ نَهَارِي أَجْمَعَ، حَتَّى يُصَلِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، فَأَجْلِسَ بِبَابِهِ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ، أَقُولُ: لَعَلَّهَا أَنْ تَحْدُثَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَاجَةٌ.

فَمَا أَزَالُ أَسْمَعُهُ يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سُبْحَانَ اللهِ، سُبْحَانَ اللهِ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ» حَتَّى أَمَلَّ فَأَرْجِعَ أَوْ تَغْلِبَنِي عَيْنِي فَأَرْقُدَ.

قَالَ: فَقَالَ لِي يَوْماً لِمَا يَرَى مِنْ خِفَّتِي لَهُ وَخِدْمَتِي إِيَّاهُ: «سَلْنِي يَا رَبِيعَةُ أُعْطِكَ».

قَالَ: فَقُلْتُ: أَنْظُرُ فِي أَمْرِي يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ أُعْلِمُكَ ذَلِكَ.

قَالَ: فَفَكَّرْتُ فِي نَفْسِي، فَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ زَائِلَةٌ، وَأَنَّ لِي فِيهَا رِزْقاً سَيَكْفِينِي وَيَأْتِينِي.

قَالَ: فَقُلْتُ: أَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِآخِرَتِي، فَإِنَّهُ مِن اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْمَنْزِلِ الَّذِي هُوَ بِهِ.

قَالَ: فَجِئْتُ.

فَقَالَ: «مَا فَعَلْتَ يَا رَبِيعَةُ؟».

قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَشْفَعَ لِي إِلَى رَبِّكَ فَيُعْتِقَنِي مِن النَّارِ.

قَالَ: فَقَالَ: «مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا يَا رَبِيعَةُ؟».

قَالَ: فَقُلْتُ: لَا واللهِ الَّذِي بَعَثَكِ بِالْحَقِّ، مَا أَمَرَنِي بِهِ أَحَدٌ، وَلَكِنَّكَ لَمَّا قُلْتَ: «سَلْنِي أُعْطِكَ». وَكُنْتَ مِن اللهِ بِالْمَنْزِلِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ، نَظَرْتُ فِي أَمْرِي، وَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ وَزَائِلَةٌ، وَأَنَّ لِي فِيهَا رِزْقاً سَيَأْتِينِي.

فَقُلْتُ: أَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِآخِرَتِي.

قَالَ: فَصَمَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَوِيلاً؛ ثُمَّ قَالَ لِي: «إِنِّي فَاعِلٌ، فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ».

أيُّها الإخوة الكرام: هَل نَسْتَغِلُّ هذهِ الأَزمَةَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ للهِ تعالى؟ هَل نَسْتَغِلُّ هذهِ الأَزمَةَ بِكَثْرَةِ القُرْبِ من اللهِ تعالى؟ الدُّنيَا مُنقَطِعَةٌ زَائِلَةٌ فَانِيَةٌ، والآخِرَةُ هيَ البَاقِيَةُ، فَأَينَ نَحنُ من طُلَّابِ الآخِرَةِ؟

«وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ»:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَت قُرَّةُ عَينِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في العُبُودِيَّةِ للهِ عزَّ وجلَّ، وخَاصَّةً في عِبَادَةِ الصَّلاةِ، التي هيَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَيهَا العَبدُ يَومَ القِيَامَةِ.

لقد استَجَابَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأَمْرِ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ أَيَّمَا استِجَابَةٍ، وخَاصَّةً في صَلاةِ اللَّيلِ، فَعِندَمَا قَالَ لَهُ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً﴾. اِستَجَابَ لهذا الأَمْرِ استِجَابَةً لا مَثِيلَ لَهَا، وجَلَّى لَنَا فَرَحَهُ وسُرُورَهُ العَمِيقَ بذلكَ عِندَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِن الدُّنْيَا النِّسَاءُ، وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: الصَّلاةُ عِلاجٌ رُوحِيٌّ لَنَا، وخَاصَّةً في هذهِ الأَزمَةِ، فإذا أَرَدْنَا أن نُنَفِّسَ عن مَشَاعِرِنَا، وأن يُفَرِّجَ اللهُ عَنَّا مَصَائِبَنَا، ونَبعَثَ في نُفُوسِنَا الطُّمَأنِينَةَ القَلبِيَّةَ، والرَّاحَةَ النَّفْسِيَّةَ، فَعَلَينَا بالصَّلاةِ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

وكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَفْزَعُ إلى الصَّلاةِ في الشَّدَائِدِ، روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى.

أيُّها الإخوة الكرام: الصَّلاةُ رَاحَةٌ من كُلِّ تَعَبٍ، وهُدُوءٌ من كُلِّ صَخَبٍ، وسَعَادَةٌ من كُلِّ شَقَاءٍ، إذا أَرَدْنَا أن نُزِيلَ الكَدَرَ والهَمَّ والغَمَّ، ونُطَهِّرَ الأَبدَانَ والأَروَاحَ فَعَلَينَا بالصَّلاةِ، فهذا حَبِيبُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي مُؤَذِّنَهُ بِلالاً رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَيَقُولُ لَهُ: «يَا بِلَالُ، أَقِمِ الصَّلَاةَ، أَرِحْنَا بِهَا» رواه أبو داود.

أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ عَلَينَا كُلَّمَا ادْلَهَمَّتِ الخُطُوبُ، وعَظُمَتِ الرَّزَايَا، أن نَفْعَلْ مَا كَانَ يَفعَلُهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عَلَينَا أن نَقِفَ على بَابِ مَولانَا في الصَّلاةِ، ونُلقِيَ عِندَهُ هُمُومَنَا، ونَطْرَحَ بَينَ يَدَيْ مَولانَا شَكوَانَا، ونَرفَعَ إِلَيهِ حَوَائِجَنَا، ونَضْرَعَ إِلَيهِ بِكُلِّ ذَرَّاتِنَا، فإنَّ ذلكَ يُحَقِّقُ لَنَا السَّكِينَةَ والطُّمَأنِينَةَ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَوَّامَاً باللَّيلِ، وخَاصَّةً عِندَ نَاشِئَةِ اللَّيلِ، التي هيَ أَشَدُّ وَطْئَاً وأَقوَمُ قِيلاً، روى الطَّبَرَانِيُّ عَن مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: رَأَيتُ عَمَّارَ بنَ يَاسِرٍ يُصَلِّي بَعدَ المَغرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ وَقَالَ: رَأَيتُ حَبِيبِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بَعدَ المَغرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ.

وَقَالَ: «مَن صَلَّى بَعدَ المَغرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ غُفِرَت لَهُ ذُنُوبُهُ، وإن كَانَت مِثلَ زَبَدِ البَحرِ».

وروى ابنُ ماجه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ عِشْرِينَ رَكْعَةً بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ».

أيُّها الإخوة الكرام: ومَا كَانَ نَهَارُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَختَلِفُ عن لَيلِهِ، بالرَّغمِ من كُلِّ أَعبَائِهِ.

روى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعاً، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللهُ.

وروى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللهُ لَهُ قَصْراً مِنْ ذَهَبٍ فِي الْجَنَّةِ».

أيُّها الإخوة الكرام: يَا مَن تَعِيشُونَ هذهِ الأَزمَةَ، كُونُوا على يَقِينٍ بأنَّ الصَّلاةَ طُمَأنِينَةٌ للقَلبِ، وزَوَالٌ للقَلَقِ، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾. وعلى رَأسِ الذِّكْرِ الصَّلاةُ: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾.

فَعَلَينَا أن نَتَأَسَّى بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في عِبَادَاتِهِ، وخَاصَّةً في الصَّلاةِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لذلكَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 27/ربيع الثاني/1435هـ، الموافق: 16/شباط / 2015م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2277 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2277
20-06-2019 1370 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1370
28-04-2019 1152 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1152
28-04-2019 1164 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1164
21-03-2019 1734 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1734
13-03-2019 1604 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1604

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412011779
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :