364ـ خطبة الجمعة: اعرفوا قدر هذه النعم الثلاث

364ـ خطبة الجمعة: اعرفوا قدر هذه النعم الثلاث

 

 364ـ خطبة الجمعة: اعرفوا قدر هذه النعم الثلاث

 مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عباد الله،  هذا شَهرُ رَبيعٍ الأنوَر، قد أطَلَّ على أُمَّةِ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وهوَ يَحمِلُ في طَيَّاتِهِ ذِكرى مَولِدِ الحَبيبِ الأعظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي بِمَولِدِهِ وُلِدَتِ الإنسانِيَّةُ من جَديدٍ، وأكرَمَ اللهُ عزَّ وجلَّ الأُمَّةَ بأن نَقَلَها مِنَ الضَّلالِ إلى الهُدى، ومِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ، ومن التَّشَرذُمِ إلى جَمْعِ الكَلِمَةِ، ورَفَعَ هذِهِ الأُمَّةَ بعدَ أن كانَت آخِرَ شَعرَةٍ في ذَنَبِ الأُمَمِ، فَصَارَت خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت للنَّاسِ، قال تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بالله﴾.

يا عبادَ الله، لَقَد أَطَلَّ هذا الشَّهرُ العَظِيمُ المُبارَكُ على الأُمَّةِ وهيَ مَجروحَةٌ مَكلومَةٌ مَنكوبَةٌ تَشكُو أَمرَها إلى الله عزَّ وجلَّ، تَشكُو إلى الله تعالى البَلاءَ والضِّيقَ والكَربَ العَظِيمَ الذي ألَمَّ بها جَمِيعاً، حَيثُ شَمِلَ رِجالَها ونِساءَها، وصَالِحِيها وطَالِحيها، وكِبارَها وصِغارَها، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله العَلِيِّ العَظيمِ.

لا يَضِقْ صَدْرُكُم في هذهِ الأزمَةِ:

يا عبادَ الله، أطَلَّ هذا الشَّهرُ العَظيمُ المُبارَكُ، وهُناكَ من الأُمَّةِ من ضَاقَ صَدْرُهُ في هذهِ الأزمَةِ، وكَادَت خُيوطُ الفِتنَةِ في وَسَطِ هذهِ الأزمَةِ تَصِلُ إلى قَلبِهِ لِتُفسِدَ عَلَيه دِينَهُ وإيمانَهُ.

يا عبادَ الله، إنِّي أتَوَجَّهُ إلى كُلِّ مَجروحِ الفُؤادِ والقَلبِ في هذا البَلَدِ الحَبيبِ، وأقولُ لهُم: لا يَضِقْ صَدْرُكُم في هذهِ الأزمَةِ مهما اشتَدَّت وتَعاظَمَ أمرُها، قابِلوها بالرِّضَا عن الله عزَّ وجلَّ ما دُمتُم تَشعُرونَ بالنِّعَمِ التَّالِيَةِ:

أولاً: بِنِعمَةِ ارتِباطِكُم بالقُرآنِ العَظيمِ:

يا عبادَ الله، لا يَضِقْ صَدْرُكُم في هذهِ الأزمَةِ ما دُمتُم تَشعُرونَ بارتِباطِكُم بِنِعمَةِ القُرآنِ العَظيمِ، فإذا كانَ الواحِدُ منَّا لهُ ارتِباطٌ بالقُرآنِ العَظيمِ تِلاوَةً وتَدَبُّراً وعَمَلاً، وهوَ يُحِلُّ حَلالَهُ، ويُحَرِّمُ حَرامَهُ، ويَقِفُ عِندَ حُدودِهِ، فلا يَضِقْ صَدْرُهُ في هذهِ الأزمَةِ، لأَنَّ فَضْلَ الله عزَّ وجلَّ عَلَيهِ كَبيرٌ، وتَدَبَّروا قَولَ الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ الله ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِير﴾.

كَيفَ يَضيقُ صَدْرُكُم وأنتُم تَشعُرونَ بهذهِ النِّعمَةِ التي قالَ اللهُ تعالى فيها: ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير﴾؟ كيفَ يَضيقُ صَدْرُكُم وأنتُم تَتَقَلَّبونَ في هذهِ النِّعمَةِ، وغَيرُكُم قد هَجَرَ القُرآنَ تِلاوَةً وتَدَبُّراً وسُلوكاً وعَمَلاً، وحُرِمَ هذهِ النِّعمَةَ؟

ثانياً: بِنِعمَةِ ارتِباطِكُم بالإيمانِ:

يا عبادَ الله، لا يَضِقْ صَدْرُكُم في هذهِ الأزمَةِ ما دُمتُم تَشعُرونَ بارتِباطِكُم بِنِعمَةِ الإيمانِ بالله وبِرَسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، التي هيَ أعظَمُ النِّعَمِ على الإطلاقِ، والتي مَنَّ اللهُ تعالى بها عَلَيكُم، قال تعالى: ﴿بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ﴾.

يا عباد الله، لقد كُنَّا نَتَقَلَّبُ في نِعَمٍ عَظيمَةٍ لا تُعَدُّ ولا تُحصى، ثمَّ ابتَلانا اللهُ تعالى ﴿بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾ فلا يَسَعُنا إلا الصَّبرُ والرِّضا عنِ الله تعالى ما دَامَت نِعمَةُ الإيمانِ في قُلوبِنا، هذهِ النِّعمَةُ التي لا تُوازِيها نِعمَةٌ سابِقَةٌ ولا لاحِقَةٌ.

يا عبادَ الله، جَميعُ النِّعَمِ المادِّيَّةِ قد تَتَحَوَّلُ عنَّا ـ لا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ ونَحنُ على قَيدِ الحَياةِ، وإذا لم تَتَحَوَّلْ عنَّا بِفَضْلِ الله تعالى عَلَينا فَسَوفَ نَتَحَوَّلُ عنها بِمُفارَقَتِها، إلا نِعمَةَ الإيمانِ التي تَبقى معَ المُؤمِنِ إلى عالَمِ البَرزَخِ، ومن عالَمِ البَرزَخِ إلى عالَمِ يَومِ القِيامَةِ، ثمَّ إلى عالَمِ الجَنَّةِ حتَّى يَسمَعَ النِّداءَ: «يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وحتَّى يُتَوَّجَ بأعظَمِ نِعمَةٍ يُسبِغُها اللهُ تعالى على أهلِ الجَنَّةِ، وذلكَ من خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾.

يا عباد الله، لِنُقَدِّرْ نِعمَةَ الإيمانِ ولنَعرِفْ قَدْرَها ولو ابتُلينا بِشَيءٍ من الابتِلاءاتِ، لِنَعرِفْ قَدْرَ هذهِ النِّعمَةِ التي قالَ اللهُ تعالى عنها: ﴿وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُون﴾.

ألا تَكفِيكُم هذهِ النِّعمَةُ وأنتُم تَعيشونَ هذهِ الأزمَةَ، وأنتُم تَرَونَ غَيرَكُم قد حُرِمَ هذهِ النِّعمَةَ؟ فلا يَضِقْ صَدْرُكُم ما دُمتُم تَشعُرونَ بهذهِ النِّعمَةِ.

ثالثاً: بِنِعمَةِ ارتِباطِكُم بالإسلامِ:

يا عباد الله، لا يَضِقْ صَدْرُكُم في هذهِ الأزمَةِ ما دُمتُم تَشعُرونَ بارتِباطِكُم بِنِعمَةِ الإسلامِ سُلوكاً وعَمَلاً، وتَذَكَّروا قَولَ الله تعالى: ﴿فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقَاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُون﴾.

هل تَشعُرونَ بهذهِ النِّعمَةِ العُظمى ـ نِعمَةِ شَرْحِ الصَّدْرِ للإسلامِ ـ؟ فمن شَعَرَ بارتِباطِهِ بهذهِ النِّعمَةِ فَليَعلَمْ بأنَّ اللهَ تعالى أرادَ أن يَهدِيَهُ.

أما تَرى نِعمَةَ الله عَلَيكَ عَظيمَةً بِشَرْحِ صَدْرِكَ للإسلامِ، وغَيرُكَ قد حُرِمَ هذهِ النِّعمَةَ، بل ضَاقَ صَدْرُهُ إذا سَمِعَ بهذهِ النِّعمَةِ، وما ذاكَ إلا لأنَّهُ حَكَمَ على الإسلامِ من خِلالِ تَصَرُّفاتِ بَعضِ المُسلِمينَ التي جَانَبَت كِتابَ الله تعالى وسُنَّةَ رَسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

اِعرِفوا قَدْرَ هذهِ النِّعَمِ الثَّلاثِ:

يا عبادَ الله، كَيفَ تَضيقُ صُدورُكُم ما دُمتُم تَشعُرونَ بارتِباطِكُم بهذهِ النِّعَمِ الثَّلاثِ، نِعمَةِ الارتِباطِ بالقُرآنِ، ونِعمَةِ الإيمانِ، ونِعمَةِ الإسلامِ؟

يا عباد الله، نَحنُ في نِعمَةٍ ونَسألُ اللهَ تعالى أن لا يَسلُبَها منَّا وخاصَّةً عِندَ النَّزعِ، سَوفَ يَتَمَنَّاها العَبدُ الكافِرُ يَومَ القِيامَةِ ـ ورَبِّ الكَعبَةِ ـ سَوفَ يَتَمَنَّاها العَبدُ الذي أُعطِيَ جَميعَ النِّعَمِ في الحَياةِ الدُّنيا وحُرِمَ منها، أَلَا وَهِيَ نِعمَةُ الإيمانِ.

اِسمَعوا قَولَ الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً * وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوَّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً﴾.

اُنظُروا إلى فِرعَونَ وقَومِهِ، لقد آتاهُ اللهُ المُلكَ والجَاهَ والسِّيادَةَ والرِّيادَةَ، وجَعَلَ الأَنهارَ تَجري من تَحتِهِ، وآتَى قَومَهُ ما لا يَخطُرُ بِبَالٍ من نِعَمٍ، قال تعالى: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُون * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيم * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِين﴾. ولكِنَّهُم حُرِموا نِعمَةَ الإيمانِ، وعِندَما أدرَكَ الغَرَقُ فِرعَونَ وقَومَهُ، ماذا قالَ فِرعَونُ؟ قال: ﴿آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِين﴾.

ولكن هل نَفَعَهُ ذلكَ؟ قال تعالى رَدَّاً عَلَيهِ: ﴿آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِين * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾.

وكأنَّ لِسانَ حَالِهِ يَقولُ: ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَة * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه * خُذُوهُ فَغُلُّوه * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوه * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوه * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بالله الْعَظِيم﴾.

وهذا ما قالَهُ اللهُ تعالى في حَقِّ فِرعَونَ وقَومِهِ: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوَّاً وَعَشِيَّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب﴾.

يا عبادَ الله، هَوِّنوا عل أنفُسِكُم باستِحضارِكُم يَومَ القِيامَةِ، تَصَوَّروا يَومَ البَعْثِ، وتَصَوَّروا مَن تَقَلَّبَ في جَميعِ النِّعَمِ وحُرِمَ نِعمَةَ الإيمانِ، وتَصَوَّروا من أكرَمَهُ اللهُ تعالى بِنِعمَةِ الإيمانِ ولو حُرِمَ بَعضَ النِّعَمِ الأُخرى، وذلكَ من خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى﴾. ومن خِلالِ قَولِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ.

تَصَوَّروا يا عباد الله هذينِ الفَريقَينِ، وذلكَ من خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفَّاً صَفَّاً * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَد * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَد * يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾.

فَريقٌ انشَغَلَ بالنِّعَمِ عن المُنعِمِ، وحُرِمَ نِعمَةَ الإيمانِ، ونَسِيَ الآخِرَةَ، فَيَتَمَنَّى لو كانَ من المُسلِمينَ، قال تعالى: ﴿الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِين * رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِين﴾. ويَقولُ الواحِدُ منهُم: ﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾. ولكنَّ النَّتيجَةَ: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَد * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَد﴾.

وفَريقٌ قَدَّمَ لآخِرَتِهِ، حافَظَ على نِعمَةِ الإسلامِ والإيمانِ، وعَبَدَ اللهَ تعالى في الشَّدائِدِ كما كانَ يَعبُدُهُ في الرَّخاءِ، عَبَدَهُ في الخَوفِ كما كانَ يَعبُدُهُ في الأمنِ، عَبَدَهُ في الخَفضِ كما كانَ يَعبُدُهُ في الرَّفعِ، هذا الفَريقُ من العِبادِ سَوفَ يَندَرِجُ إن شاءَ اللهُ تعالى تَحتَ قَولِهِ تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾. أرجو اللهَ تعالى أن نَكونَ مِمَّن اندَرَجَ تَحتَ هذهِ الآيَةِ الكَريمَةِ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يا عباد الله، لا يَضِقُ صَدْرُكُم في هذهِ الأزَمَةِ ما دُمتُم تَشعُرونَ بارتِباطِكُم بِنِعمَةِ القُرآنِ العَظيمِ، وبِنِعمَةِ الإيمانِ، وبِنِعمَةِ الإسلامِ، لأنَّ هذهِ النِّعَمَ تُغني عن سائِرِ النِّعَمِ في الدُّنيا والآخِرَةِ.

يا عباد الله، أكثِروا من هذا الدُّعاءِ: اللَّهُمَّ يا مُقَلِّبَ القُلوبِ والأبصارِ ثَبِّتْ قُلوبَنا على دِينِكَ، وعَجِّلْ بالفَرَجِ يا أرحَمَ الرَّاحِمينَ، وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين. آمين.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 9/ربيع الأول/1435هـ، الموافق: 10/كانون الثاني/ 2014م
 2014-01-10
 18991
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

12-04-2024 194 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 194
09-04-2024 377 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 377
04-04-2024 645 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 645
28-03-2024 531 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 531
21-03-2024 936 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 936
14-03-2024 1599 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 1599

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412391891
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :