4ـ أشراط الساعة: يسألون عن الفتن استعداداً للإيمان والعمل الصالح

4ـ أشراط الساعة: يسألون عن الفتن استعداداً للإيمان والعمل الصالح

 

 أشراط الساعة

4ـ يسألون عن الفتن استعداداً للإيمان والعمل الصالح

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ مَوعِدَ السَّاعَةِ غَيبٌ لا يَعلَمُهُ أَحَدٌ من البَشَرِ بِحَالٍ من الأَحوَالِ، فَعِلْمُهُ عِندَ اللهِ تعالى وَحْدَهُ، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾.

وكَثِيرٌ من النَّاسِ يَسأَلُ عن السَّاعَةِ مَتَى هيَ؟ وهذا السُّؤَالُ كَانَ في زَمَنِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وكَانَ أَكثَرُهُ من الأَعرَابِ وأَهلِ البَادِيَةِ، أمَّا الخَوَاصُّ من أَصحَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَد كَانُوا يَعمَلُونَ للسَّاعَةِ، ولا يَسأَلُونَ عن مَوعِدِهَا، لأنَّهُم على يَقِينٍ بِقَولِهِ تعالى: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ﴾. وكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ، لذلكَ انشَغَلُوا بالعَمَلِ لَهَا، أمَّا أَهلُ البَادِيَةِ والأَعرَابُ فَيَسأَلُونَ عن وَقتِهَا دُونَ عَمَلٍ.

روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟

فَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ.

فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ، فَكَرِهَ مَا قَالَ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ.

حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: «أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَن السَّاعَةِ؟».

قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «فَإِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ، فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ».

قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟

قَالَ: «إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ».

أُحِبُّ اللهَ ورَسُولَهُ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد سُئِلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عن السَّاعَةِ كَثِيرَاً، وكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُجِيبُ السَّائِلَ بِمَا يَنفَعُهُ، لا بِمَا تَطلُبُهُ نَفْسُهُ.

روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ؟

قَالَ: «وَيْلَكَ، وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟».

قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ.

قَالَ: «إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ».

فَقُلْنَا: وَنَحْنُ كَذَلِكَ؟

قَالَ: «نَعَمْ». فَفَرِحْنَا يَوْمَئِذٍ فَرَحاً شَدِيداً.

كَانُوا يَخَافُونَ القِيَامَةَ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ أَصحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخَافُونَ قِيَامَ السَّاعَةِ، وكَانُوا يَتَوَقَّعُونَ قِيَامَهَا في حَيَاتِهِم رَضِيَ اللهُ عَنهُم، ولا يَقُولُونَ كَمَا نَقُولُ اليَومَ: هُنَاكَ مِئَاتُ السِّنِينَ لِقِيَامِهَا، وهُنَاكَ عَلامَاتٌ صُغرَى وكُبرَى؛ بل كَانُوا يَستَعِدُّونَ لَهَا.

روى الحاكم وأبو داود عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ النَّضْرِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى عَهْدِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ؛ فَأَتَيْتُ أَنَساً فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، هَلْ كَانَ يُصِيبُكُمْ مِثْلُ هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

قَالَ: «مَعَاذَ اللهِ، إِنْ كَانَتِ الرِّيحُ لَتَشْتَدُّ فَنُبَادِرُ الْمَسْجِدَ مَخَافَةَ الْقِيَامَةِ».

يَسأَلُونَ عن الفِتَنِ استِعدَادَاً للإيمَانِ والعَمَلِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ الصَّحَابَةُ الأَخيَارُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم يَسأَلُونَ عن الفِتَنِ التي سَتَقَعُ، لَيسَ للتَّسلِيَةِ ولِسَمَاعِ الأَحَادِيثِ الغَرِيبَةِ، بل كَانُوا يَسأَلُونَ عَنهَا للاستِعدَادِ للإيمَانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ، وبِمَاذا يَأمُرُهُم سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إذا وَقَعَت.

روى الشيخان عن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَن الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَن الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي.

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟

قَالَ: «نَعَمْ».

قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟

قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ».

قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟

قَالَ: «قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ».

قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟

قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا».

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا.

قَالَ: «هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا».

قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟

قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ».

قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟

قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ».

وفي رِوَايَةِ الإمام أحمد «فَاهْرُبْ فِي الْأَرْضِ، وَلَوْ أَنْ تَمُوتَ وَأَنْتَ عَاضٌّ بِجِذْلِ شَجَرَةٍ».

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَذَّرَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من كُلِّ شَرٍّ يَأخُذُ بِنَا عن جَادَّةِ الصَّوَابِ، كَمَا أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا تَرَكَ بَابَاً من أَبوَابِ الخَيرِ إلا دَلَّنَا عَلَيهِ، ولا بَابَاً من أَبوَابِ الشَّرِّ إلا وَحَذَّرَنَا مِنهُ.

جَزَى اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَيرَ الجَزَاءِ، فقد فَصَّلَ لَنَا القَولَ في كُلِّ مَا يُبعِدُ عن اللهِ تعالى ويَقُودُ إلى مَهَاوِي الرَّدَى، وأَرشَدَنَا إلى سَبِيلِ السَّلامَةِ من جَمِيعِ الفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنهَا ومَا بَطَنَ، وذلكَ من أَجلِ سَلامَةِ دِينِنَا ودُنيَانَا وآخِرَتِنَا؛ فَهَل من مُطِيعٍ لِهَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

اللَّهُمَّ وَفِّقنَا للاتِّبَاعِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

 

الأربعاء: 12/محرم /1435هـ، الموافق: 5/تشرين الثاني/ 2014م

 2014-11-05
 1611
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  أشراط الساعة

23-12-2015 12589 مشاهدة
51ـ أشراط الساعة: تقارب الزمان

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ التي حَدَّثَنَا عَنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَلَمَّا تَظْهَرْ بَعْدُ، تَقَارُبُ الزَّمَانِ، وَقَد وَقَعَ مَبَادِيهِ وَلَمْ يَسْتَحْكِمْ. ... المزيد

 23-12-2015
 
 12589
09-12-2015 17568 مشاهدة
50ـ أشراط الساعة: قلة الرجال, وكثرة النساء

من عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ التي تَحَدَّثَ عَنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ذَهَابُ الرِّجَالِ، وَكَثْرَةُ النِّسَاءِ، بِحَيْثُ يَكُونُ لِكُلِّ خَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ. ... المزيد

 09-12-2015
 
 17568
02-12-2015 6158 مشاهدة
49ـ أشراط الساعة: مرور الرجل بقبر, يتمنى لو كان مكانه

من عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ التي أَخْبَرَ عَنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، والتي لَمْ تَقَعْ بَعْدُ بِشَكْلٍ عَامٍّ؛ أَنْ يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرٍ من القُبُورِ، فَيَتَمَرَّغَ عَلَيْهِ، ... المزيد

 02-12-2015
 
 6158
25-11-2015 27735 مشاهدة
48ـ أشراط الساعة: الريح الطيبة التي تأخذ أرواح المؤمنين

من عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ التي أَخْبَرَ عَنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: إِرْسَالُ رِيحٍ لَطِيفَةٍ بَارِدَةٍ تَقْبِضُ أَرْوَاحَ المُؤْمِنِينَ، ... المزيد

 25-11-2015
 
 27735
17-11-2015 5579 مشاهدة
47ـ أشراط الساعة: شمول الإسلام أرجاء المعمورة

مِن عَلَامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ: اِنْتِشَارُ الإِسْلَامِ في أَرْجَاءِ المَعْمُورَةِ، حَتَّى يَشْمَلَ جَمِيعَ مَا على سَطْحِ الأَرْضِ، بِحَيْثُ لا يَبْقَى بَيْتُ حَجَرٍ، ولا وَبَرٍ، ولا مَدَرٍ، إلا وَيَدْخُلُهُ هذا الدِّينُ، بِعِزِّ عَزِيزٍ، ... المزيد

 17-11-2015
 
 5579
11-11-2015 10607 مشاهدة
46ـ أشراط الساعة: نُزُولُ الخِلَافَةِ فِي أَرْضِ الشَّامِ

مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا سَيُّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نُزُولُ الخِلَافَةِ فِي أَرْضِ الشَّامِ. ... المزيد

 11-11-2015
 
 10607

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412044797
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :