108ـ كلمة شهر صفر 1437: الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي

108ـ كلمة شهر صفر 1437: الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي

 

 108ـ كلمة شهر صفر 1437: الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد حَذَّرَ اللهُ تعالى أَصْحَابَ النِّعَمِ من تَرْكِ صِنَاعَةِ المَعْرُوفِ، فَقَالَ تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ﴾.

أَفْضَلُ الصَّدَقَاتِ سَقْيُ المَاءِ:

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: أَفْضَلُ الصَّدَقَاتِ الجَارِيَةِ سَقْيُ المَاءِ، روى الإمام أحمد عَن أَبِي جُرَيٍّ الْهُجَيْمِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَعَلِّمْنَا شَيْئَاً يَنْفَعُنَا اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ.

قَالَ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِن الْمَعْرُوفِ شَيْئَاً، وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي، وَلَوْ أَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَوَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْبَسِطٌ، وَإِيَّاكَ وَتَسْبِيلَ الْإِزَارِ، فَإِنَّهُ مِن الْخُيَلَاءِ، وَالْخُيَلَاءُ لَا يُحِبُّهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِن امْرُؤٌ سَبَّكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ فَلَا تَسُبَّهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ، فَإِنَّ أَجْرَهُ لَكَ، وَوَبَالَهُ عَلَى مَنْ قَالَهُ».

وروى أَيْضَاً عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ أُمَّهُ مَاتَتْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ، فَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟

قَالَ: «نَعَمْ».

قَالَ: فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟

قَالَ: «سَقْيُ الْمَاءِ».

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: هَلْ تَعْلَمُونَ بِأَنَّ سَقْيَ الْمَاءِ مِمَّا يُسْتَشْفَى بِهِ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، روى البيهقي عَن عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَرْحَةٌ خَرَجَتْ فِي رُكْبَتِي مُنْذُ سَبْعِ سِنِينَ، وَقَدْ عَالَجْتُ بِأَنْواعِ الْعِلَاجِ، وَسَأَلْتُ الْأَطِبَّاءَ فَلَمْ أَنْتَفِعُ بِهِ.

قَالَ: اذْهَبْ  فَانْظُرْ مَوْضِعَاً يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى الْمَاءِ، فاحْفِرْ هُنَاكَ بِئْرَاً، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَنْبُعَ هُنَاكَ عَيْنٌ، وَيُمْسِكُ عَنْكَ الدَّمُ.

فَفَعَلَ الرَّجُلُ فَبَرِئَ.

إِعَانَةُ الضَّعِيفِ خُلُقٌ عَظِيمٌ:

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: إِنَّا نَعِيشُ في أَزْمَةٍ قَاسِيَةٍ، ولَكِنَّ لَهَا فَوَائِدَ لا يَعْلَمُهَا إلا اللهُ تعالى، من جُمْلَةِ فَوَائِدِهَا أَنَّهَا أَظْهَرَتْ مَعَادِنَ النَّاسِ وطَبَائِعَهُمْ، لِذَلِكَ وَرَدَ في الأَثَرِ: لَا تَكْرَهُوا الْفِتَنَ، فَإِنَّ فِيهَا حَصَادَ الْمُنَافِقِينَ.

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: إِنَّ إِعَانَةَ الضُّعَفَاءِ ومُسَاعَدَتَهُمْ في قَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ لَهُوَ خُلُقٌ عَظِيمٌ، حَثَّ عَلَيْهِ شَرْعُنَا الحَنِيفُ، فهذا سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ بَادَرَ إلى فِعْلِ الخَيْرَاتِ، وسَاعَدَ المُحْتَاجَ، وأَعَانَ الضَّعِيفَ على قَضَاءِ حَاجَتِهِ، وخَاصَّةً في سَقْيِ المَاءِ.

قَالَ تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾.

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: أَيْنَ الذينَ يَقْتَدُونَ بالرُّسُلِ الكِرَامِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ السَّلامُ؟ أَيْنَ الذينَ يَنْتَهِجُونَ نَهْجَهُمْ، ويَسِيرُونَ على طَرِيقَتِهِمْ؟

إِذَا مَنَحَكَ اللهُ القُوَّةَ والمَالَ والنِّعَمَ التي لا يُحْصِيهَا إلا اللهُ تعالى، فَمَا أَنْتَ صَانِعٌ بهذهِ النِّعَمِ، وخَاصَّةً وَأَنْتَ تَعِيشُ هذهِ الأَزْمَةَ؟

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: صَنَائِعُ المَعْرُوفِ هِيَ صَنْعَةُ الأَنْبِيَاءِ والمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، روى البيهقي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا جِبْرِيلُ، لِمَ اتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَاً؟».

قَالَ: لِإِطْعَامِهِ الطَّعَامَ يَا مُحَمَّدُ.

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: هذا سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَاعِدَاً بِسَبَبِ خِدْمَةِ النَّاسِ، روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ قَاعِدٌ؟

قَالَتْ: نَعَمْ، بَعْدَ مَا حَطَمَهُ النَّاسُ. أَي: بِكَثْرَةِ حَوَائِجِهِمْ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: قُولُوا لِمَنْ يَبْخَلُ بِمَا آتَاهُ اللهُ تعالى من نِعَمٍ، وخَاصَّةً في هذهِ الأَزْمَةِ، ما رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا ـ يَعْنِي: المُسَاوِمَ ـ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى ـ يَعْنِي: المُسَاوِمَ الثَّانِي ـ وَهُوَ كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ، فَيَقُولُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ».

وما رواه الترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ رَجُلٌ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَوَلَا تَدْرِي، فَلَعَلَّهُ تَكَلَّمَ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، أَوْ بَخِلَ بِمَا لَا يَنْقُصُهُ».

وذَكِّرُوهُمْ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لا يَنْزِعَ الرَّحْمَةَ من قُلُوبِنَا. آمين.

**        **     **

تاريخ المقال:

الجمعة: 1/صفر /1437هـ، الموافق: 13/تشرين الثاني / 2015م

 2015-11-13
 2378
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

09-04-2024 90 مشاهدة
212ـ كيف تستقبل العيد أنت؟

هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد

 09-04-2024
 
 90
13-03-2024 255 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 255
09-02-2024 503 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 503
13-01-2024 304 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 304
14-12-2023 443 مشاهدة
208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد

 14-12-2023
 
 443
16-11-2023 545 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 545

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413042868
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :