أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

4116 - امرأة تتمنى الموت

30-07-2011 20055 مشاهدة
 السؤال :
امرأة ابتلاها الله عز وجل بزوج سيئ الأخلاق، وهي تدعو الله عز وجل على نفسها بالموت حتى تستريح من هذا الرجل، فهل يجوز لها هذا الدعاء؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 4116
 2011-07-30

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: علينا أن نعلم بأن الله تعالى خلقنا في هذه الحياة الدنيا للاختبار والابتلاء، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك: 2]، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان: 20]، ويقول الله تعالى مرشداً للعبد المبتلى بمثل هذا: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين} [الأعراف: 199]، ويقول: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون} [البقرة: 216]. ويقول تعالى: {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم} [فصلت: 34].

ثانياً: ربنا عز وجل طلب منا الدعاء بقوله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وحذَّر من الدعاء بالشر فقال: {وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً} [الإسراء: 11]، ولما كان الإنسان محجوباً عن الغيب، وكان عجولاً، أرشده النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن لا يدعو على نفسه بالموت، فقال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (وَلَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ) رواه البخاري.

فالعبد واحد من اثنين، إن كان محسناً فطول العمر ينفعه بزيادة الإحسان، وإن كان مسيئاً فلعله يجد فرصة ويتوب إلى الله تعالى، ويستغفر الله، ويعيد الحقوق لأصحابها إذا كانت إساءته للآخرين.

ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في حديث آخر: (لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي) رواه البخاري ومسلم. فليترك العبد اختياره لاختيار الله تعالى به، لأنه جاء في الحديث: (خَيْرُ النَّاسِ مَن طالَ عمُرُه وَحَسُنَ عملُه) رواه الترمذي.

وبناء على ذلك:

فأنا أنصح هذه المرأة بالصبر على زوجها والدعاء له ولنفسها بالصبر، فإن خافت ألا تقيم حدود الله تعالى معه فلتفتدي نفسها بطلب الخلع من زوجها، لأن الله تعالى يقول: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} ثم يقول: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ}. ويقول سبحانه وتعالى أيضاً: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}.

وإن كانت داعية بالموت ولا بدَّ، فلتدع كما علَّمها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي).

ولتعلم هذه المرأة أن السعادة في الرضا بالقضاء والقدر، وأن الشقاء والغم والحزن في السخط على قدر الله تعالى، فطوبى لعبد تأدَّب مع الله تعالى، ورضي بالقضاء والقدر ولو كان مرّاً. جاء في بعض الآثار: إن الله جعل بقسطه الفرح والروح في الرضا واليقين، وجعل الغم والحزن في السخط والشك.

أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الشاكرين عند الرخاء، ومن الصابرين عند البلاء، ومن الراضين بمرِّ القضاء؛ كما أسأل الله تعالى أن يوفِّق جميع الرجال لحسن الأخلاق مع نسائهم، وأن لا يكونوا سبباً في نفور المرأة من دين الله عز وجل، وخاصة إن لم تكن المرأة سبباً في المشاكل، وليذكر الرجال قول الله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير} [المجادلة: 1]. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
20055 مشاهدة