أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

1521 - رؤية النبي    في المنام

15-11-2008 14739 مشاهدة
 السؤال :
أريد أن أستفسر عن موضوع (رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام)، فهناك من يقول إن الشيطان يمكنه أن يظهر بصورة إنسان ويدعي أنه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يقول إن هذا الأمر محال لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الشيطان لا يتمثل به، بأي صورة كانت سواء كان رآه صغيراً أو كبيراً أو مخالفاً للصفة التي كان عليها صلى الله عليه وسلم في حياته الدنيا. فأرجو منك توضيح الأمر لي، وإن كان هناك فعلاً اختلاف فأرجو بيان ما هو أرجح عند علماء أهل السنة والجماعة؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 1521
 2008-11-15

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الرؤيا الصالحة حالة شريفة ومنزلة رفيعة، كما ذكر الإمام القرطبي في تفسيره عند قول الله عز وجل: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا}. ويقول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إلا الرُّؤْيَا يَرَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ) رواه مسلم. وعن عطاء بن يسار قال: سألت أبا الدرداء رضي الله عنه، عن قول الله عز وجل: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا}. قال: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ مُنْذُ أُنْزِلَتْ، هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرؤيا الصالحة: (رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ) رواه مسلم.

وطبعاً هي جزء من أجزاء النبوة على سبيل المجاز لا على سبيل الحقيقة، لأنَّ النبوة انقطعت بخروج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من الدنيا. هذا أولاً.

ثانياً: من أعظم نعم الله تعالى على العبد المؤمن المستقيم رؤيةُ النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب في الرؤيا، يقول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى أَنْ يُدْعَى الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ فِي الْمَنَامِ مَا لَمْ تَرَيَا، أَوْ يَقُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ) رواه الإمام أحمد.

ويقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَحَلَّمَ كَاذِبًا كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَعْقِدَ بَيْنَهُمَا) رواه الترمذي.

ثالثاً: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حقّ، وهذا مما خصَّ الله تعالى به النبي صلى الله عليه وسلم، فمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقد رآه حقاً، والشيطان لا يتمثَّل بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يظهر بمظهره صلى الله عليه وسلم، بل أكرم الله تعالى من رآه صلى الله عليه وسلم في المنام بأنه سيراه في اليقظة أيضاً، وكل هذا من فضل الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الرائي.

وقد جاء في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ بِي) رواه مسلم. وجاء في حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ) رواه مسلم. وجاء أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ أَوْ لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ، لا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي) رواه مسلم.

رابعاً: ذكر الحافظ في الفتح، والنووي في شرح صحيح مسلم أقوالاً مختلفة في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ).

والصحيح منها أن مقصوده صلى الله عليه وسلم أن رؤيته في كل حالة ليست باطلة ولا أضغاث أحلام، بل هي حقٌّ في نفسها، ولو رُؤي على غير صورته صلى الله عليه وسلم التي كان عليها في حياته صلى الله عليه وسلم، فتلك الصورة ليس من الشيطان بل هي من قِبل الله تعالى.

ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ). أي رأى الحقَّ الذي قُصد إعلام الرائي به، فإن كانت على ظاهرها وإلا سعى إلى تأويلها ولا يهمل أمرها، لأنَّها إما بشرى بخير، أو إنذار من شر، إما ليخيف الرائي، وإما لينزجر عنه، وإما لينبه على حكم يقع له في دينه أو دنياه.

وذكر القرافي في الفروق:

لا ينافي ما تقرر أن الرائي يراه صلى الله عليه وسلم شيخاً وشاباً وأسود، وذاهب العينين، وذاهب اليدين، وعلى أنواع شتى من المثل التي ليست مثاله عليه الصلاة والسلام، لأنَّ هذه الصفات صفات الرائين وأحوالهم تظهر فيه صلى الله عليه وسلم وهو كالمرآة لهم. اهـ.

وبناء عليه:

فالشيطان لا يتمثل بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يراه الرائي على غير صفته الواردة في الشمائل، وتكون تلك الصفات صفات الرائي وأحواله.

نسأل الله تعالى أن يكرمنا برؤية النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا وشفاعته في الآخرة آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
14739 مشاهدة