277ـ مع الحبيب المصطفى :المتحقق بالعبودية لا تزيده القوة إلا تواضعاً

277ـ مع الحبيب المصطفى :المتحقق بالعبودية لا تزيده القوة إلا تواضعاً

 

مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

277ـ المتحقق بالعبودية لا تزيده القوة إلا تواضعاً

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ أَعْلَى مَقَامَاتِ وَعَلَامَاتِ الحُبِّ قَاطِبَةً هِيَ العُبُودِيَّةُ، وَهَذَا دَارِجٌ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ شِدَّةِ حُبِّهِ للآخَرِ، يَقُولُ لَهُ: أَنَا عَبْدُكَ.

فَالعُبُودِيَّةُ تَعْنِي كَمَالَ وَأَتَمَّ الحُبِّ، وَلَا حُبَّ إِلَّا بِذُلٍّ، وَلَا ذُلَّ إِلَّا بِحُبٍّ، وَهَلْ هُنَاكَ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّ هَذَا الحُبَّ إِلَّا اللهُ تعالى؟ وَهَلْ هُنَاكَ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّ العُبُودِيَّةَ لَهُ غَيْرُ اللهِ تعالى؟

فَاللهُ تعالى وَحْدَهُ هُوَ الذي يُحَبُّ لِذَاتِهِ، وَمَا عَدَاهُ يُحَبُّ بِحَسَبِ قُرْبِهِ مِنَ اللهِ تعالى، فَالمُؤْمِنُ لَا يُحِبُّ إِلَّا مَنْ أَحَبَّ اللهَ تعالى، وَتَحَقَّقَ بِالعُبُودِيَّةِ لَهُ، وَكُلَّمَا عَظُمَتْ عُبُودِيَّتُهُ للهِ تعالى كُلَّمَا عَظُمَ حُبُّهُ في قَلْبِهِ، وَلِذَا تَرَى أَعْظَمَ وَأَكْبَرَ مَحْبُوبٍ عِنْدَ المُؤْمِنِ هُوَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: السَّعِيدُ هُوَ مَنْ تَحَقَّقَ بِالعُبُودِيَّةِ للهِ تعالى، لِأَنَّهُ بِهَا يَنَالُ عِزَّ الدُّنْيَا وَعِزَّ الآخِرَةِ؛ وَأَمَّا الشَّقِيُّ وَالأَحْمَقُ فَهُوَ الذي تَفَلَّتَ  مِنْ عُبُودِيَّةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ التي هِيَ حَقٌّ، إلى عُبُودِيَّةِ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ، وَإلى عُبُودِيَّتِهِ للدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَسْعَدُ النَّاسِ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَأَعْلَى النَّاسِ قِيمَةً عِنْدَ اللهِ تعالى هُوَ الإِنْسَانُ المُتَحَقِّقُ بِالعُبُودِيَّةِ للهِ تعالى، وَالخَاضِعُ للهِ تعالى خُضُوعَاً تَامَّاً؛ والذي لَا يُـشَرَّفُ بِهَذِهِ العُبُودِيَّةِ سَيَبْقَى ضَالَّاً مُضِلَّاً في الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَسَيُحْشَرُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى.

«صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ تَحَقَّقَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالعُبُودِيَّةِ الحَقَّةِ للهِ تعالى، فَوَقَفَ على أَعْتَابِهَا في سَائِرِ أَحْوَالِهِ حَتَّى أَتَاهُ اليَقِينُ، وَكَانَ يَعْتَزُّ بِهَذِهِ العُبُودِيَّةِ؛ فَهَا هُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ فَاتِحَاً، وَمَعَهُ لِوَاءٌ أَبْيَضُ، وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الفَتْحِ، وَهُوَ رَاكِبٌ على نَاقَتِهِ، وَكَانَ يُرَجِّعُ فِيهَا مُسْتَطْيِبَاً أَلْفَاظَهَا وَمَعَانِيهَا ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحَاً قَرِيبَاً﴾. وَقَدْ خَفَضَ رَأْسَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَوَاضُعَاً للهِ تعالى، حِينَ رَأَى مَا أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِهِ مِنَ الفَتْحِ، حَتَّى إِنَّ عُثْنُونَهُ- العُثْنُونُ :اللِّحْيَةُ- كَادَ أَنْ يَمَسَّ وَاسِطَةَ رَحْلِهِ.

المُتَحَقِّقُ بِالعُبُودِيَّةِ للهِ تعالى لَا تَزِيدُهُ القُوَّةُ إِلَّا تَوَاضُعَاً، وَلَا تُنْسِيْهِ ذُلَّ العُبُودِيَّةِ للهِ تعالى، فَهَا هُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ فَاتِحَاً، وَيَتَوَجَّهُ إلى المَسْجِدِ الحَرَامِ، حَتَّى دَخَلَ المَسْجِدَ، فَأَقْبَلَ إلى الحَجَرِ الأَسْوَدِ، فَاسْتَلَمَهُ، ثمَّ طَافَ بِالبَيْتِ، وَفِي يَدِهِ قَوْسٌ، وَحَوْلَ البَيْتِ وَعَلَيْهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ صَنَمَاً، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِالقَوْسِ، وَيَقُولُ: ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقَاً﴾. ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾. وَالأَصْنَامُ تَتَسَاقَطُ عَلَى وُجُوهِهَا.

وَكَانَ طَوَافُهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمَاً يَوْمَئِذٍ، فَاقْتَصَرَ عَلَى الطَّوَافِ، فَلَمَّا أَكْمَلَهُ دَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ، فَأَخَذَ مِنْهُ مِفْتَاحَ الكَعْبَةِ، فَأَمَرَ بِهَا فَفُتِحَتْ، فَدَخَلَهَا، فَرَأَى فِيهَا الصُّوَرَ، وَرَأَى فِيهَا صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ يَسْتَقْسِمَانَ بِالأَزْلَامِ، فَقَالَ:

«قَاتَلَهُمُ اللهُ، وَاللهِ إِنِ اسْتَقْسَمَا بِالأَزْلاَمِ قَطُّ» وَرَأَى في الكَعْبَةِ حَمَامَةً مِنْ عِيدَانٍ، فَـكَسَرَهَا بِيَدِهِ، وَأَمَرَ بَالصُّوَرِ فَمُحِيَتْ.

ثُمَّ أُغْلِقَ عَلَيْهِ البَابُ، وَعَلَى أُسَامَةَ وَبِلَالٍ، فَاسْتَقْبَلَ الجِدَارَ الذي يُقَابِلُ البَابَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ وَقَفَ، وَجَعَلَ عَمُودَاً عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُودَاً عَنْ يَمِينِهِ، وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ ـ  وَكَانَ البَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ ـ ثُمَّ صَلَّى هُنَاكَ، ثُمَّ دَارَ في البَيْتِ، وَكَبَّرَ في نَوَاحِيهِ، وَوَحَّدَ اللهَ، ثُمَّ فَتَحَ البَابَ، وَقُرَيْشٌ قَدْ مَلَأَتِ المَسْجِدَ صُفُوفَاً يَنْتَظِرُونَ مَاذَا يَصْنَعُ؟ فَأَخَذَ بِعَضَادَتَيِ البَابِ، وَهُمْ تَحْتَهُ، فَقَالَ:

«لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأْثَرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُعَدُّ، وَتُدَّعَى، وَكُلَّ دَمٍ أَوْ دَعْوَى مَوْضُوعَةٌ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، إِلَّا سِدَانَةَ الْبَيْتِ، وَسِقَايَةَ الْحَاجِّ، أَلَا وَقَتِيلُ الخَطَأِ شِبْهُ العَمْدِ ـ السَّوْطُ وَالعَصَا ـ فَفِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ، مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ، أَرْبَعُونَ مِنْهَا في بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا».

«يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الجَاهِلِيَّةِ وَتَعَظُّمَهَا بِالآبَاءِ، النَّاسُ مِنْ آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ؛ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الآيَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبَاً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾».

ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تَرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ بِكُمْ؟».

قَالُوا: خَيْرَاً، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ.

قَالَ: «فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ كَمَا قَالَ يُوسُفُ لِإِخْوَتِهِ: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ» /كَذَا في الرَّحِيقِ المَخْتُومِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا المَوْقِفُ العَظِيمُ مَا أَنْسَى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذُلَّ عُبُودِيَّتِهِ للهِ تعالى، كَمَا أَنَّ شِدَّةَ البَلَاءِ مَا أَنْسَتْهُ ذُلَّ عُبُودِيَّتِهِ للهِ تعالى. صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

«اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلُّنَا يَذْكُرُ مَوْقِفَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خُرُوجِهِ مِنَ الطَّائِفِ بَعْدَ أَنْ فَعَلَ أَهْلُ الطَّائِفِ مَا فَعَلَوا، عِنْدَمَا دَخَلَ بسْتَانَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ، أَظْهَرَ ذُلَّ عُبُودِيَّتِهِ للهِ تعالى، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ المُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي، أَمْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَكَ أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سَخَطُكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ»/كَذَا في الرَّحِيقِ المَخْتُومِ.

«أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَنْسَى عُبُودِيَّتَهُ للهِ تعالى في سَائِرِ أَحْوَالِهِ، فَإِذَا ظَهَرَتْ مُعْجِزَةٌ مِنَ المُعْجِزَاتِ، وَكَرَامَةٌ مِنَ الكَرَامَاتِ، ذَكَرَ عُبُودِيَّتَهُ للهِ تعالى، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنَاً، فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الإِسْلَامَ: «هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ».

فَلَمَّا حَضَرَ القِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ قِتَالَاً شَدِيدَاً، فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، الَّذِي قُلْتَ لَهُ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَاتَلَ اليَوْمَ قِتَالَاً شَدِيدَاً وَقَدْ مَاتَ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِلَى النَّارِ».

قَالَ: فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَرْتَابَ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، إِذْ قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَلَكِنَّ بِهِ جِرَاحَاً شَدِيدَاً، فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الجِرَاحِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ.

فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ».

ثُمَّ أَمَرَ بِلَالَاً فَنَادَى بِالنَّاسِ: «إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَإِنَّ اللهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الفَاجِرِ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ لَا نَكُونَ مِنَ الذينَ نَسُوا اللهَ تعالى فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ؛ أَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ لَا نَنْسى قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدَاً﴾.

أَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ لَا نَنْسى الوُقُوفَ على أَعْتَابِ العُبُودِيَّةِ للهِ تعالى، وَأَنْ نَسْأَلَهُ أَنْ يُوَفِّقَنَا للتَّحَقُّقِ بِذُلِّ العُبُودِيَّةِ لَهُ تَبَارَكَ وتعالى.

وَفِي الخِتَامِ أَقُولُ: العُبُودِيَّةُ للهِ تعالى على ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ:

أَدْنَاهَا: أَنْ يَعْبُدَ العَبْدُ رَبَّهُ طَمَعَاً في ثَوَابِهِ، وَهَرَبَاً مِنْ عِقَابِهِ.

وَأَوْسَطُهَا: أَنْ يَعْبُدَ العَبْدُ رَبَّهُ لِكَيْ يَشْرُفَ بِعِبَادَتِهِ.

وَأَعْلَاهَا: أَنْ يَعْبُدَ العَبْدُ رَبَّهُ لِكَوْنِهِ إِلَهَاً وَخَالِقَاً وَسَيِّدَاً، وَلِكَوْنِ العَبْدِ عَبْدَاً لَهُ، وَالأُلُوهِيَّةُ تَسْتَوْجِبُ الهَيْبَةَ وَالعِزَّةَ، وَالعُبُودِيَّةُ تَسْتَوْجِبُ الخُضُوعَ وَالذِّلَّةَ.

اللَّهُمَّ حَقِّقْنَا بِذُلِّ العُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 18/ ربيع الثاني /1438هـ، الموافق: 16/ كانون الثاني / 2017م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2275 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2275
20-06-2019 1370 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1370
28-04-2019 1151 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1151
28-04-2019 1164 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1164
21-03-2019 1732 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1732
13-03-2019 1603 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1603

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411925637
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :