أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

8789 - ﴿وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعَاً إِلَى الحَوْلِ﴾

01-04-2018 3510 مشاهدة
 السؤال :
آيتان من كتاب الله تعالى ظاهرهما التعارض، الأولى: قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجَاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَاً﴾. وهي في سورة البقرة كذلك الآية (234). والثانية: قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجَاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعَاً إِلَى الحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾. وهي في سورة البقرة الآية (240). فالآية الأولى هي قبل الثانية في ترتيب المصحف، فكيف نوفق بين الآيتين؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8789
 2018-04-01

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجَاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَاً﴾. الآيَةُ (234) مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجَاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعَاً إِلَى الحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾. الآيَةُ (240) مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ، وَإِنْ جَاءَتِ الآيَةُ النَّاسِخَةُ في القُرْآنِ العَظِيمِ قَبْلَ المَنْسُوخَةِ في تَرْتِيبِ المُصْحَفِ الشَّرِيفِ.

وَهُنَاكَ مَوْضِعٌ آخَرُ مِثْلُ هَذَا في القُرْآنِ العَظِيمِ، قَوْلُهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَحِيمَاً﴾. وَهَذِهِ الآيَةُ (50) مِنْ سُورَةِ الأَحْزَابِ، هِيَ الأُولَى في تَرْتِيبِ المُصْحَفِ الشَّرِيفِ، وَلَكِنَّهَا نَاسِخَةٌ للآيَةِ التي جَاءَتْ بَعْدَهَا في تَرْتِيبِ المُصْحَفِ الـشَّرِيفِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبَاً﴾. وَهَذِهِ الآيَةُ (52) مِنْ سُورَةِ الأَحْزَابِ، هِيَ في تَرْتِيبِ المُصْحَفِ الشَّرِيفِ بَعْدَ الآيَةِ النَّاسِخَةِ.

وَيَجْدُرُ الذِّكْرُ هُنَا ـ وَالعِلْمُ عِنْدَ اللهِ تعالى ـ إلى أَنَّ اللهَ تعالى مَنَعَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّزَوُّجِ عَلَى نِسَائِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ أَوَّلَاً بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبَاً﴾. الآيَةُ (52) مِنْ سُورَةِ الأَحْزَابِ. إِكْرَامَاً لِنِسَائِهِ؛ لِأَنَّهُنَّ اخْتَرْنَ اللهَ وَرُسُلَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، عِنْدَمَا خَيَّرَهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

ثُمَّ نُسِخَ هَذَا الحُكْمُ المَانِعُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَحِيمَاً﴾. فَأَبَاحَ اللهُ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ التَّزَوُّجَ بِغَيْرِهِنَّ؛ وَذَلِكَ إِكْرَامَاً للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

ثُمَّ أَكْرَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهِنَّ؛ فَكَانَتِ المِنَّةُ لَهُ عَلَيْهِنَّ بِذَلِكَ.

وبناء على ذلك:

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجَاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَاً﴾. نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجَاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعَاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾. فَالأُولَى وَإِنْ كَانَتْ في تَرْتِيبِ المُصْحَفِ الـشَّرِيفِ قَبْلَ الثَّانِيَةِ، إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً في النُّزُولِ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
3510 مشاهدة