أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

9554 - متى حرم نكاح المتعة؟

18-03-2019 471 مشاهدة
 السؤال :
هل صحيح أن الذي حرم نكاح المتعة هو سيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؟ ومما يؤكد هذا ما رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ.
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9554
 2019-03-18

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ الحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالمَالِكِيَّةُ وَالحَنَابِلَةُ إلى حُرْمَةِ نِكَاحِ المُتْعَةِ، وَبُطْلَانِ عَقْدِهِ، لِمَا رواه الإمام مسلم عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الجُهَنِيِّ، أَنَّ أَبَاهُ، حَدَّثَهُ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئَاً».

وروى البيهقي والدارقطني عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ المُتْعَةِ، قَالَ: «وَإِنَّمَا كَانَتْ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلَمَّا أُنْزِلَ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ وَالْمِيرَاثُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ نُسِخَتْ»

ثانياً: أَمَّا حَدِيثُ سَيِّدِنَا جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ.

فَيَقُولُ الإِمَامُ الجَصَّاصُ: قَدْ عُلِمَ أَنَّ المُتْعَةَ قَدْ كَانَتْ مُبَاحَةً فِي وَقْتٍ، فَلَوْ كَانَتِ الإِبَاحَةُ بَاقِيَةً لَوَرَدَ النَّقْلُ بِهَا مُسْتَفِيضَاً مُتَوَاتِرَاً لِعُمُومِ الحَاجَةِ إِلَيْهِ وَلَعَرَفَتْهَا الكَافَّةُ، وَلَمَا اجْتَمَعَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى تَحْرِيمِهَا لَوْ كَانَتِ الإِبَاحَةُ بَاقِيَةً، فَلَمَّا وَجَدْنَا الصَّحَابَةَ مُنْكِرِينَ لإِبَاحَتِهَا مُوجِبِينَ لِحَظْرِهَا مَعَ عِلْمِهِمْ بَدْيَاً بِإِبَاحَتِهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى حَظْرِهَا بَعْدَ الإِبَاحَةِ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدَاً مِنَ الصَّحَابَةِ رُوِيَ عَنْهُ تَجْرِيدُ الْقَوْل فِي إِبَاحَةِ المُتْعَةِ غَيْرَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ رَجَعَ عَنْهُ حِينَ اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ تَحْرِيمُهَا بِتَوَاتُرِ الأَخْبَارِ مِنْ جِهَةِ الصَّحَابَةِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ فِي الصَّرْفِ وَإِبَاحَتِهِ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ يَدَاً بِيَدٍ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ تَحْرِيمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ وَتَوَاتَرَتْ عِنْدَهُ الأَخْبَارُ فِيهِ مِنْ كُل نَاحِيَةٍ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ وَصَارَ إِلَى قَوْل الجَمَاعَةِ، فَكَذَلِكَ كَانَ سَبِيلُهُ فِي المُتْعَةِ.

وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ عَرَفَتْ نَسْخَ إِبَاحَةِ المُتْعَةِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَال فِي خُطْبَتِهِ: مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَنْهَى عَنْهُمَا وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا.

وَقَال فِي خَبَرٍ آخَرَ: لَوْ تَقَدَّمْتُ فِيهَا لَرَجَمْتُ.

فَلَمْ يُنْكِرْ هَذَا الْقَوْلَ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ، لَا سِيَّمَا فِي شَيْءٍ قَدْ عَلِمُوا إِبَاحَتَهُ؛ وَإِخْبَارُهُ بِأَنَّهُمَا كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونُوا قَدْ عَلِمُوا بَقَاءَ إِبَاحَتِهِ فَاتَّفَقُوا مَعَهُ عَلَى حَظْرِهَا وَحَاشَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونُوا مُخَالِفِينَ لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِيَانَاً وَقَدْ وَصَفَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ مِنْهُمُ التَّوَاطُؤُ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى الْكُفْرِ وَإِلَى الانْسِلَاخِ مِنَ الإِسْلَامِ، لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ إِبَاحَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتْعَةِ ثُمَّ قَال هِيَ مَحْظُورَةٌ مِنْ غَيْرِ نَسْخِ لَهَا فَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمِلَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا حَظْرَهَا بَعْدَ الإِبَاحَةِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرُوهُ، وَلَوْ كَانَ مَا قَال عُمَرُ مُنْكَرَاً وَلَمْ يَكُنِ النَّسْخُ عِنْدَهُمْ ثَابِتَاً لَمَا جَازَ أَنْ يُقَارُّوهُ عَلَى تَرْكِ النَّكِيرِ عَلَيْهِ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى إِجْمَاعِهِمْ عَلَى نَسْخِ المُتْعَةِ، إِذْ غَيْرُ جَائِزٍ حَظْرُ مَا أَبَاحَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ النَّسْخِ. اهـ. كذا في الموسوعة الفقهية الكويتية.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَنِكَاحُ المُتْعَةِ حَرَامٌ، وَالذي حَرَمَهُ هُوَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ».

وَهَذَا مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الإِجْمَاعُ في زَمَنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَحَاشَا أَنْ يَجْتَمِعُوا في زَمَنِهِ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ، فَلَو كَانَ تَحْرِيمُهُ مِنْ قِبَلِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، لَكَانَ مُحَرِّمَاً مَا أَحَلَّهُ اللهُ تعالى، وَحَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَهُوَ الوَقَّافُ عِنْدَ حُدُودِ اللهِ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
471 مشاهدة