68ـ نحو أسرة مسلمة: حتى تكون ربَّ أسرة ناجحاً كن عادلاً

68ـ نحو أسرة مسلمة: حتى تكون ربَّ أسرة ناجحاً كن عادلاً

 

مقدمة الدرس:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد ذكرنا في الدروس الماضية بأنَّ كل عاقل حريصٌ على أن يكون ربَّ أسرة ناجحاً في تربية أسرته، وحتى تكون ربَّ أسرة ناجحاً كن حليماً وكن رفيقاً هيِّناً ليِّناً، وكن عادلاً بين أفراد أسرتك.

لأن صلاح الأسرة لا يكون إلا بالعدل، والعدل يَدْعُو إلى الأُلفة، ويبعث على الطاعة، وتعمر به البلاد، وليس شيءٌ أسرعَ في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق، ولا أقطع لأواصر المودة والمحبة والأُلفة بين الأبناء من الجور والظلم.

ولستَ تجدُ فساداً بين الأبناء وتقطيعاً لأواصر المودة والرحمة بينهم إلا بسبب الخروج عن دائرة العدل إلى دائرة الجَور والظلم، فلا شيء أنفع من العدل كما أنه لا شيء أضرُّ من الجور.

فبالعدل قامت السموات والأرض، كما روى الإمام أحمد عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ ابْنَ رَوَاحَةَ إِلَى خَيْبَرَ يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ ـ يقدِّر عليهم ثمارهم ـ ثُمَّ خَيَّرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا أَوْ يَرُدُّوا، فَقَالُوا: هَذَا الْحَقُّ، بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ.

دعوة الله تعالى خلقَه للعدل والمساواة:

أيها الإخوة: من خلال هذه المقدمة نعلمُ حرصَ الإسلام على مسألة العدل والمساواة، ولهذا نجد الحقَّ تبارك وتعالى يأمرنا بنصِّ القرآن الكريم بالعدل والإحسان:

أولاً: يقول الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون}.

ثانياً: يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.

ثالثاً: يقول الله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِير}.

دعوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للعدل والمساواة:

أما دعوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للعدل والمساواة فقد ورد في ذلك أحاديثُ كثيرةٌ، من هذه الأحاديث الشريفة:

أولاً: روى الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ ـ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا).

ثانياً: روى أبو داود في سننه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْخَيْرِ سَبْعِينَ سَنَةً، فَإِذَا أَوْصَى حَافَ فِي وَصِيَّتِهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ، فَيَدْخُلُ النَّارَ. وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الشَّرِّ سَبْعِينَ سَنَةً، فَيَعْدِلُ فِي وَصِيَّتِهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرِ عَمَلِهِ، فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ). قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: وَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ عَذَابٌ مُهِينٌ}.

ثالثاً: روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالْمَرْأَةَ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً، ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ، ثُمَّ قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

أثر العدل في نفوس الأبناء:

أيها الإخوة الكرام: العدل والمساواة بين أفراد الأسرة يطالبُ الوالدان بالالتزام به ليستطيعا تحقيق ما يريدان من الولد، لأن لهما الأثر الكبير في مسارعة الأبناء إلى البر والطاعة.

ويكفي أن يَعلمَ الواحدُ منا بأن شعور الولد بأن أحدَ والديه يميلُ إلى أخيه ويكرُمه ويُدَلِّله أكثر منه، إن مجرَّد هذا الشعور سيجعل في هذا الولد شراسة وعناداً وكراهية لأخيه لا يقوى الوالدان على الصمود أمامها، بل وسيجعل حقداً وحسداً في قلبه لا يستطيع الوالدان على ردِّهما.

هؤلاء إخوة سيدنا يوسف عليه السلام:

أيها الإخوة: هؤلاء هم إخوة سيدنا يوسف عليه السلام فعلوا الأعاجيب، عندما شعروا بميل قلب سيدنا يعقوب عليه السلام إلى سيدنا يوسف عليه السلام مع عدله بينهما في الأمور الظاهرة:

أولاً: رموا أباهم بالخطأ، قال تعالى حكاية عنهم: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.

ثانياً: إقدامهم على عمل مشين غير لائق في حق الأُخُوَّة وحقِّ الأُبُوَّة، أقدموا على قتله أو طرحه أرضاً لا قرار فيها، قال تعالى مخبراً عن عملهم الذي عزموا عليه: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}.

ثالثاً: دَفَعَهم هذا إلى الكذب الذي هو شرُّ الخصال، فكذبوا على أبيهم قولاً وعملاً وحالاً، قال تعالى مخبراً عن كذبهم: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}.

أيها الإخوة: مهما قدَّم الآباء والأمهات النصحَ للأبناء من أجل التوادِّ والتراحم فيما بين بعضهم البعض، وتركِ الحسد والكيد والكراهية فيما بينهم، وأن يكونوا كالجسد الواحد، ومهما رغَّبوا ورهَّبوا، فإن تلك النصائحَ وذاك الترغيب والترهيب لن يكون له أيُّ جدوى إذا لم يلتزم الوالدان بالعدل والمساواة بين الأبناء جميعاً، ذكوراً وإناثاً، وأن لا يظهرا الميلَ القلبي أمام أبنائهم.

وهذه أوامر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب:

أولاً: روى الشيخان عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلامًا كَانَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ لا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَارْجِعْهُ). وفِي رِوَايَةٍ: (أَيَسُرُّك أَنْ يَكُونُوا لَك فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَلا إذْنَ).

ثانياً: في رواية مسلم: (أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟ قَالَ: لا، قَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلادِكُمْ، فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ).

ثالثاً: روى الدارقطني عَنِ النُّعْمَانِ رضي الله عنه: (أَنَّ أُمَّهُ أَرَادَتْ بَشِيرًا أَبَاهُ عَلَى أَنْ يُعْطِىَ النُّعْمَانَ ابْنَهُ حَائِطًا مِنْ نَخْلٍ، فَفَعَلَ، فَقَالَ: مَنْ أُشْهِدُ لَكِ؟ فَقَالَتِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَكَ وَلَدٌ غَيْرُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَعْطَيْتَهُمْ كَمَا أَعْطَيْتَهُ. قَالَ: لاَ. قَالَ: لَيْسَ مِثْلِي يَشْهَدُ عَلَى مِثْلِ هَذَا، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ أَنْفُسِكُمْ).

رابعاً: روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ، اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ، اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ).

خامساً: روى ابن أبي الدنيا عَنِ النُّعْمَانِ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ فِي النَّحْلِ كَمَا تُحِبُّونَ أَنْ يَعْدِلُوا بَيْنَكُمْ فِي الْبِرِّ واللُّطفِ).

سادساً: روى البيهقي عن أنس رضي الله عنه: (أن رجلاً كان جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء بُنَيٌّ له، فأخذه فقبَّله وأجلسه في حجره، ثم جاءت بُنَيَّة له، فأخذها وأجلسها إلى جنبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فما عدلت بينهما).

المثال العملي في عدله صلى الله عليه وسلم في بيته:

أيها الإخوة الكرام: انظروا إلى عدله صلى الله عليه وسلم في بيته حيث جسَّده بكلمات رائعة، عندما قال صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلا أَمْلِكُ) رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها.

وكان صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قُبِضَ فيه يعدل بين نسائه. قالت عائشة رضي الله عنها: لما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يدور بين نسائه و يتحامل، فقال يوماً لهنَّ وهنَّ مجتمعات عنده: قد ترين ما قد أصابني من الشكوى، وهو يشتد عليَّ أن أدور بينكنَّ، فلو أذنتنَّ لي فكنت في بيت إحداكنَّ حتى أعلم ما يصنع الله بي، فقالت إحداهنَّ: أي نبيَّ الله قد أَذِنَّا لك وعرفنا البيت الذي تريد، فتحوَّلْ إليه فالزمه، فإنا لو قدرنا أن نفديك بأنفسنا فديناك وسررناك، قال: فأي بيت هو؟ قالت: بيت عائشة لا تعدل به، قال: صدقت.

أيهما أنفع لك الذكر أم الأنثى:

أيها الإخوة: هناك من يجور ويظلم بين أبنائه ظناً منه بأن الذَّكَر ينفعه أكثر من الأنثى، أو الأنثى تنفعه أكثر من الذكر، وكذلك هناك كثير من الأمهات يظنون مثل هذا الظنِّ، وبناء على هذا الظن ِّيفضِّلون الذكر أو الأنثى، والحقيقة، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ}. فأنت لا تدري أيهما أنفع لك، الذَّكَر أم الأنثى؟

وهذا ما أكَّده الله تعالى لنا في نص القرآن الكريم: قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}. ثم ختم الآية بقوله تعالى: {آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا}.

فاعدل بين الأبناء واترك علمَك لعلم الله تعالى، وانجُ بنفسك يوم القيامة من بين يدي الله عز وجل، لا تكن سبباً في غرس الشقاق والتحاسد والتباغض في نفوس أبنائك، لأنَّ شرعَ الله تعالى ما جاء إلا ليجعل من الأمة ـ فضلاً عن الأسرة ـ كالجسد الواحد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَداعَى لهُ سائِرُ الْجسدِ بالسهَرِ والْحُمَّى) متفقٌ عليه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه. فهل الجور والظلم يورث التوادَّ والتراحم والتعاطف أم العدل؟

خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:

أيها الإخوة الكرام: إذا أردنا أن نكون ناجحين في تربية أبنائنا فعلينا بالعدل بينهم فيما نملك من الظاهر، ولا يجوز أن نبرِّر لأنفسنا الجور والظلم بحجج واهية، فإذا كنا نخشى على ذريَّتنا من بعد موتنا فعلينا بالتقوى والقول السديد، كما قال تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا}. فمن التقوى العدل، ومن القول السديد أن لا نجور ولا نحيف في الوصية.

ومن التزم شرع الله تعالى في الرضا وفي الغضب انتفى عنه الخوف والحزن، فيا من يخاف على أولاده بعد موته، ويحزن عليهم عند فراقه لهم، اتَّبِعِ الهدى الذي جاءك من الله حتى تنفي عنك هذا الخوف والحزن، قال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون}.

أسأل الله تعالى أن يوفِّقني وإياكم للالتزام بكتاب الله وهدي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن نلتزم العدل في بيوتنا حتى نلقى الله تعالى وهو عنا راض. آمين. آمين. آمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

**     **     **

 

 2009-12-30
 3757
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  نحو أسرة مسلمة

28-01-2018 4035 مشاهدة
200ـ نحو أسرة مسلمة: اللَّهُمَّ فهمنيها

لِتَحْقِيقِ السَّعَادَةِ في حَيَاتِنَا الأُسَرِيَّةِ لَا بُدَّ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ القُرْآنِ العَظِيمِ تَعَامُلَاً صَحِيحَاً، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتِّلَاوَةِ مَعَ التَّدَبُّرِ، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ... المزيد

 28-01-2018
 
 4035
21-01-2018 4866 مشاهدة
199ـ نحو أسرة مسلمة :مفتاح سعادتنا بأيدينا

كُلَّمَا تَذَكَّرْنَا يَوْمَ الحِسَابِ، يَوْمَ العَرْضِ عَلَى اللهِ تعالى، يَوْمَ نَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَاً، وَكُلَّمَا تَذَكَّرْنَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَنَعِيمَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَعَذَابَ أَهْلِ النَّارِ، ... المزيد

 21-01-2018
 
 4866
14-01-2018 3481 مشاهدة
198ـنحو أسرة مسلمة : بعد كل امتحان ستعلن النتائج

صَلَاحُ أُسَرِنَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا عَرَفَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الغَايَةَ مِنْ وُجُودِهِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ الكَثِيرُ مِنَ الأَزْوَاجِ مِمَّنْ دَخَلَ الدُّنْيَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي وَلَا يَعْلَمُ لِمَاذَا ... المزيد

 14-01-2018
 
 3481
08-01-2018 4074 مشاهدة
197ـنحو أسرة مسلمة: وصية الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لنا

القُرْآنُ العَظِيمُ الذي أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَاصْطَفَانَا لِوِرَاثَتِهِ هُوَ مَصْدَرُ سَعَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَعَلَيْهِ ... المزيد

 08-01-2018
 
 4074
31-12-2017 4085 مشاهدة
196ـ نحو أسرة مسلمة :دمار الأسر بسبب الفسق والفجور

إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ شَقَاءِ البُيُوتِ، وَكَثْرَةِ الخِلَافَاتِ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، المَعَاصِيَ وَالمُنْكَرَاتِ، التي تُنَكِّسُ الرُّؤُوسَ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، وَالتي تُسْلِمُ إلى مُقَاسَاةِ العَذَابِ الأَلِيمِ في الدُّنْيَا قَبْلَ ... المزيد

 31-12-2017
 
 4085
24-12-2017 3862 مشاهدة
195ـنحو أسرة مسلمة : أين بيوتنا من تلاوة القرآن؟

سِرُّ سَعَادَتِنَا في حَيَاتِنَا الزَّوْجِيَّةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَحَوُّلِنَا مِنَ الشَّقَاءِ إلى السَّعَادَةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ هِدَايَتِنَا مِنَ الضَّلَالِ إلى الهُدَى القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَمَاسُكِ أُسَرِنَا ... المزيد

 24-12-2017
 
 3862

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411929923
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :