.
دروس رمضانية 1437هـ
7ـ اذكروا نعمة الله عليكم في الصيام
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَبَلَّغَنَا شهْرَ رَمَضَانَ، هَذَا الشَّهْرُ العَظِيمُ المُبَارَكُ الذي كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَمَنَّى لِقَاءَهُ، حَيْثُ كَانَ مِنْ دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ رَجَبٌ: «اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ، وَبَارِكْ لَنَا فِي رَمَضَانَ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في شَوْقٍ وَحَنِينٍ إلى لِقَائِهِ، لِأَنَّهُ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ، لِأَنَّهُ شَهْرُ الطَّاعَةِ، وَشَهْرُ الإِنَابَةِ، وَشَهْرُ الذِّكْرِ، وَشَهْرُ القُرْآنِ العَظِيمِ؛ وَالإِنْسَانُ المُؤْمِنُ الحَقُّ يَكُونُ على قَدَمِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الشَّوْقِ وَالحَنِينِ لِهَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ الذي اخْتَصَّهُ اللهُ تعالى بِمَزَايَا لَمْ تَكُنْ في غَيْرِهِ.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: المُؤْمِنُ الحَقُّ تَرَى قَلْبَهُ عِنْدَمَا يُوَدِّعُ شَهْرَ رَمَضَانَ يَحْتَرِقُ أَلَمَاً وَلَوْعَةً لِفِرَاقِهِ وَوَدَاعِهِ، كَيْفَ لَا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَوْ يَعْلَمُ الْعِبَادُ مَا رَمَضَانُ لَتَمَنَّتْ أُمَّتِي أَنْ تَكُونَ السَّنَةُ كُلُّهَا».
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، حَدِّثْنَا.
فقَالَ: «إِنَّ الْجَنَّةَ لَتُزَيَّنُ لِرَمَضَانَ مِنْ رَأْسِ الْحَوْلِ إِلَى الْحَوْلِ، فَإِذَا كَانَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ هَبَّتْ رِيحٌ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، فَصَفِقَتْ وَرَقَ الْجَنَّةِ فَتَنْظُرُ الْحُورُ الْعِينُ إِلَى ذَلِكَ، فَيَقُلْنَ: يَا رَبِّ اجْعَلْ لَنَا مِنْ عِبَادِكَ فِي هَذَا الشَّهْرِ أَزْوَاجَاً تَقَرُّ أَعْيُنُنَا بِهِمْ وَتَقَرُّ أَعْيُنُهُمْ بِنَا».
قَالَ: «فَمَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمَاً مِنْ رَمَضَانَ إِلَّا زُوِّجَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ فِي خَيْمَةٍ مِنْ دُرَّةٍ مِمَّا نَعَتَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ﴾ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ سَبْعُونَ حُلَّةً لَيْسَ مِنْهَا حُلَّةٌ عَلَى لَوْنِ أُخْرَى، وَيُعْطَى سَبْعِينَ لَوْنَاً مِنَ الطِّيبِ لَيْسَ مِنْهُ لَوْنٌ عَلَى رِيحِ الْآخَرِ، لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ سَبْعُونَ أَلْفَ وَصِيفَةٍ لِحَاجَتِهَا، وَسَبْعُونَ أَلْفَ وَصِيفَةٍ مَعَ كُلِّ وَصِيفَةٍ صَفحةٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا لَوْنُ طَعَامٍ يَجِدُ لَآخِرِ لُقْمَةٍ مِنْهَا لَذَّةً لَمْ يَجِدْهُ لِأَوَّلِهِ، لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ سَبْعُونَ سَرِيرَاً مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ سَبْعُونَ فِرَاشَاً، بَطَائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ فَوْقَ كُلِّ فِرَاشٍ سَبْعُونَ أَرِيكَةٍ، وَيُعْطَى زَوْجُهَا مِثْلَ ذَلِكَ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ مُوَشَّحَاً بالدُّرِّ، عَلَيْهِ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، هَذَا بِكُلِّ يَوْمٍ صَامَهُ مِنْ رَمَضَانَ سِوَى مَا عَمِلَ مِنَ الْحَسَنَاتِ»؟ رواه البيهقي عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
كَيْفَ لَا يَكُونُ حَالُ المُؤْمِنِ هَكَذَا، وَهَذَا الشَّهْرُ الذي فَتَحَ اللهُ تعالى فِيهِ أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ، فَكَمْ مِنْ بَعِيدٍ عَنِ اللهِ تعالى صَارَ في هَذَا الشَّهْرِ قَرِيبَاً مِنْهُ؟ وَكَمْ مِنْ مُسِيءٍ تَابَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ فِيهِ؟ وَكَمْ مِنْ مَحْرُومٍ أَعْطَاهُ اللهُ تعالى فِيهِ؟ شَهْرٌ مَا عَرَفَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَضْلَهُ.
اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ تعالى عَلَيْكُمْ في الصِّيَامِ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: للهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةُ أَنْ أَحْيَانَا اللهُ تَبَارَكَ وتعالى حَتَّى بَلَّغَنَا شَهْرَ رَمَضَانَ، وَوَقَفْنَا على أَعْتَابِهِ، وَدَخَلْنَا بَابَهُ، فَحَرِيٌّ بِنَا أَنْ نُقَدِّرَ نِعْمَةَ اللهِ تعالى عَلَيْنَا، لِأَنَّهُ كَمْ مِنْ قُلُوبٍ حَنَّتْ وَاشْتَاقَتْ لِرَمَضَانَ وَلَكِنْ جَاءَ أَجَلُهُمْ، وَانْقَطَعَ عَمَلُهُمْ، فَهُمْ تَحْتَ أَطْبَاقِ الثَّرَى وَالتُّرَابِ.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لِنَقُلْ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْ بَلَّغْتَنَا شَهْرَ رَمَضَانَ، لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، جَلَّ شَأْنُكَ، لَكَ الحَمْدُ يَا مَنْ شَرَحْتَ صُدُورَنَا للصِّيَامِ وَالقِيَامِ؛ فَكَمْ مِنْ عَبْدٍ ضَاقَ صَدْرُهُ مِنَ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ؟!
المَعَاصِي تَحْرِمُ العَبْدَ مِنَ الطَّاعَاتِ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى شُكرِ اللهِ تعالى الذي وَفَّقَنَا للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَحُرِمَ غَيْرُنَا مِنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ، أَلَا تَذْكُرُونَ أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَـشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾؟
أَلَا تَذْكُرُونَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾؟
أَلَا تَذْكُرُونَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيَاً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾؟ كَمْ هِيَ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا عَظِيمَةً؟
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: كَمْ مِنْ ذُنُوبٍ وَمَعَاصٍ مَنَعَتِ العَبْدَ مِنْ طَاعَةِ اللهِ تعالى؟ كَمْ مِنْ نَظْرَةٍ إلى حَرَامٍ مَنَعَتِ النَّاظِرَ مِنَ القِيَامِ؟ وَكَمْ مِنْ نَظْرَةٍ حَرَمَتْهُ مِنْ تِلَاوَةِ القُرْآنِ؟
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: أَمَا تَنْظُرُونَ إلى أَهْلِ الشَّقَاءِ الذينَ حُرِمُوا هَذِهِ الطَّاعَةَ بِسَبَبِ انْتِهَاكِ حُرُمَاتِ المُسْلِمِينَ، وَالصَّدِّ عَنْ دِينِ اللهِ تعالى؟ وَاللهِ إِنَّهُمْ لَفِي شَقَاءٍ، وَنَحْنُ في نِعَمٍ لَوْ عَلِمَهَا مُلُوكُ الأَرْضِ لَجَالَدُونَا عَلَيْهَا بِالسُّيُوفِ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَشْكُرِ اللهَ تعالى على نِعْمَةِ شَرْحِ صُدُورِنَا للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، لِأَنَّ هَذَا عُنْوَانُ الهِدَايَةِ مِنَ اللهِ تعالى لَنَا، وَللهِ الحَمْدُ بِأَنَّهُ مَا جَعَلَ صُدُورَنَا ضَيِّقَةً حَرِجَةً مَا انْشَرَحَتْ للطَّاعَاتِ ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقَاً حَرَجَاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.
يَا رَبُّ، لَا تَحْرِمْنَا نِعْمَةَ الطَّاعَاتِ، وَارْزُقْنَا الإِخْلَاصَ. آمين.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الخميس: 4/ رمضان /1437هـ، الموافق: 9/حزيران / 2016م
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد
فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد
غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد
مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد
يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد
الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد