426ـ خطبة الجمعة: حولوا المصائب إلى نعم

426ـ خطبة الجمعة: حولوا المصائب إلى نعم

 

 426ـ خطبة الجمعة: حولوا المصائب إلى نعم

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيَا عِبَادَ اللهِ، الإِيمَانُ باللهِ تعالى واليَومِ الآخِرِ ضَرُورِيٌّ للإِنسَانِ، بَل هوَ أَعظَمُ من ضَرُورَةِ المَاءِ والطَّعَامِ والهَوَاءِ، وأَعظَمُ من الصِّحَّةِ.

الإِنسَانُ إذا عَاشَ على الإِيمَانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ ومَاتَ على ذلكَ، لا يَضُرُّهُ مَا فَقَدَ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنيَا من طَعَامٍ وشَرَابٍ وصِحَّةٍ وعَافِيَةٍ، لأنَّ مآلَهُ إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ والأَرضُ، نَعِيمُهَا مَا لا عَينٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ على قَلبِ بَشَرٍ، وأَعظَمُ النَّعِيمِ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾.

أمَّا إذا عَاشَ بِدُونِ إِيمَانٍ وعَمَلٍ صَالِحٍ ومَاتَ على ذلكَ ـ والعِيَاذُ باللهِ تعالى ـ وكَانَ قَد تَنَعَّمَ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنيَا بالطَّعَامِ والشَّرَابِ والصِّحَّةِ ومَا أَرَادَ، فَقَد خَسِرَ الدُّنيَا والآخِرَةَ، لأنَّهُ سَيَتَمَنَّى العَودَةَ للدُّنيَا من أَجلِ الإِيمَانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ، وسَيَقُولُ: ﴿يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾. ولكن سَوفَ يَسْمَعُ قَولَ اللهِ تعالى للمَلائِكَةِ الكِرَامِ: ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ﴾.

حَوِّلُوا المَصَائِبَ إلى نِعَمٍ:

يَا عِبَادَ اللهِ، حَوِّلُوا بِنِعمَةِ اللهِ تعالى المَصَائِبَ إلى نِعَمٍ، وذلكَ من خِلالِ إِيمَانِكُم باللهِ تعالى واليَومِ الآخِرِ، فإذا مَا وَقَعَتْ عَلَيكُم مُصِيبَةٌ من المَصَائِبِ، ورَأَيتُمُوهَا كَبِيرَةً وعَظِيمَةً، تَذَكَّرُوا مَا قَالَ اللهُ تعالى، وهوَ أَصْدَقُ القَائِلِينَ، وتَذَكَّرُوا مَا قَالَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى.

يَا عِبَادَ اللهِ، كُونُوا على يَقِينٍ بأنَّ الذي يَذْكُرُ مَا قَالَهُ اللهُ تعالى، ومَا قَالَهُ نَبِيُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِندَ المَصَائِبِ ـ مَهمَا عَظُمَتْ ـ فَإِنَّهَا سَوفَ تَتَحَوَّلُ بِفَضْلِ اللهِ عزَّ وجلَّ عَلَيهِ إلى مِنَحٍ، وسَوفَ يَتَلَقَّى تِلكَ المَصَائِبَ بِصَدْرٍ رَحْبٍ وَاسِعٍ.

يَا عِبَادَ اللهِ، ونَحنُ نَعِيشُ هذهِ الأَزمَةَ التي عَمَّتْ وطَمَّتْ، ِيَذْكُرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا مَا أَحَبَّ بِمَا قَالَهُ تعالى، وبِمَا قَالَهُ الحَبِيبُ المُصطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَعَلَّهَا أن تَتَحَوَّلَ هذهِ المِحَنُ والمَصَائِبُ إلى مِنَحٍ.

أولاً: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ، تَذَكَّرُوا وذَكِّرُوا قَولَ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾. إذا كَانَ بَعدَ المُصِيبَةِ والصَّبْرِ عَلَيهَا الصَّلَوَاتُ والرَّحمَةُ والهِدَايَةُ من اللهِ تعالى، أَمَا تَرَونَ بأنَّ المِحْنَةَ كَانَتْ مِنْحَةً؟

ثانياً: «ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ»:

يَا عِبَادَ اللهِ، تَذَكَّرُوا وذَكِّرُوا قَولَ اللهِ عزَّ وجلَّ للمَلائِكَةِ إذا قَبَضُوا رُوحَ وَلَدِ عَبدٍ: «ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ».

روى الترمذي عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟

فَيَقُولُونَ: نَعَمْ.

فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟

فَيَقُولُونَ: نَعَمْ.

فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟

فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ.

فَيَقُولُ اللهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ».

إذا كَانَ بَعدَ المُصِيبَةِ والصَّبْرِ عَلَيهَا بَيتٌ في الجَنَّةِ، أَمَا تَرَونَ أنَّ المِحْنَةَ كَانَتْ مِنْحَةً؟

يَا عِبَادَ اللهِ، إنَّ كَلِمَةَ: الحَمْدُ للهِ، إِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ، بَعدَ المُصِيبَةِ مَهمَا كَانَتْ عَظِيمَةً، تَكُونُ على القَلبِ مِثْلَ الثَّلْجِ على النَّارِ.

ثالثاً: «إِذَا سَبَقَتْ لِلْعَبْدِ مِن اللهِ مَنْزِلَةٌ»:

يَا عِبَادَ اللهِ، تَذَكَّرُوا وذَكِّرُوا حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَبَقَتْ لِلْعَبْدِ مِن اللهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ، ابْتَلَاهُ اللهُ فِي جَسَدِهِ، أَوْ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْهُ» رواه الإمام أحمد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

إذا كَانَ بَعدَ المُصِيبَةِ مَنزِلَةٌ عَالِيَةٌ عِندَ اللهِ تعالى، مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، أَمَا تَرَونَ أنَّ المِحْنَةَ كَانَتْ مِنْحَةً؟

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ، بِنِعمَةِ الإِيمَانِ باللهِ تعالى واليَومِ الآخِرِ تَتَحَوَّلُ المِحَنُ إلى مِنَحٍ، والنِّقَمُ إلى نِعَمٍ، وتَجعَلُ الإِنسَانَ مُتَفَائِلاً لا مُتَشَائِمَاً، بِنِعمَةِ الإِيمَانِ باللهِ تعالى واليَومِ الآخِرِ لَن تَكُونَ من النَّادِمِينَ عِندَ سَكَرَاتِ المَوتِ، ولا في أَرضِ المَحْشَرِ، وإلا كَانَ العَبدُ نَادِمَاً عِندَ سَكَرَاتِ المَوتِ، وفي القَبْرِ، وفي أَرضِ المَحْشَرِ.

اللَّهُمَّ زِدْ في إِيمَانِنَا يَا رَبَّ العَالَمِينَ. آمين.

أقُولُ هَذا القَولَ، وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 15/جمادى الأولى/1435هـ، الموافق: 6/آذار / 2015م

 2015-03-06
 4658
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 27 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 27
12-04-2024 656 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 656
09-04-2024 558 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 558
04-04-2024 679 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 679
28-03-2024 569 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 569
21-03-2024 1000 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1000

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412766443
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :