أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

8262 - التوفيق بين أحاديث النبيذ

08-08-2017 4209 مشاهدة
 السؤال :
كيف نوفق بين الأحاديث التالية: الأول: رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَسْقَى. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَسْقِيكَ نَبِيذَاً؟ فَقَالَ: «بَلَى». قَالَ: فَخَرَجَ الرَّجُلُ يَسْعَى، فَجَاءَ بِقَدَحٍ فِيهِ نَبِيذٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَّا خَمَّرْتَهُ وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ عُودَاً». قَالَ: فَشَرِبَ. الثَّانِي: كذلك رواه الإمام مسلم عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ جَالِسَاً مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَأَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَا لِي أَرَى بَنِي عَمِّكُمْ يَسْقُونَ الْعَسَلَ وَاللَّبَنَ وَأَنْتُمْ تَسْقُونَ النَّبِيذَ؟ أَمِنْ حَاجَةٍ بِكُمْ أَمْ مِنْ بُخْلٍ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْحَمْدُ للهِ، مَا بِنَا مِنْ حَاجَةٍ وَلَا بُخْلٍ، قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ، فَاسْتَسْقَى فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ فَـشَرِبَ، وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ، وَقَالَ: «أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ، كَذَا فَاصْنَعُوا». فَلَا نُرِيدُ تَغْيِيرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. الثالث: رواه ابن أبي شيبة عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بِنَبِيذِ زَبِيبٍ مِنْ نَبِيذِ زَبِيبِ الطَّائِفِ، قَالَ: فَلَمَّا ذَاقَهُ قَطَّبَ فَقَالَ: إِنَّ لِنَبِيذِ زَبِيبِ الطَّائِفِ لَعُرَامَاً، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ فَـشَرِبَ، وَقَالَ: إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْكُمْ فَصُبُّوا عَلَيْهِ المَاءَ وَاشْرَبُوا. هل يستفاد بأن سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شرب الخمر، وكذلك سيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، كما يزعم البعض؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8262
 2017-08-08

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَالحَدِيثُ الأَوَّلُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ الخَمْرَ ـ حَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ ـ وَإِذَا كَانَ الإِنْسَانُ يَظُنُّ أَنَّ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَّا خَمَّرْتَهُ» الخَمْرُ فَقَدْ أَخْطَأَ خَطَأً فَاحِشَاً، لِأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَّا خَمَّرْتَهُ» يَعْنِي: أَلَا غَطَّيْتَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ عُودَاً». (وَمَعْنَاهُ تَمُدُّ عَلَيْهِ عَرْضَاً، أَيْ خِلَافَ الطُّولِ، وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ مَا يُغَطِّيهِ بِهِ؛ وَمَعْنَاهُ: تَجْعَلُهُ عَلَيْهِ بِالعَرْضِ لِيُصَانَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَالهَوَاءِ وَالأَقْذَارِ).

أَمَّا الحَدِيثُ الثَّانِي: فَفِيهِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى جَوَازِ شُرْبِ النَّبِيذِ، كَمَا جَاءَ في صَحِيحِ الإمام مسلم حَيْثُ عَنْوَنَ لَهُ عُنْوَانَاً: بَابُ إِبَاحَةِ النَّبِيذِ الَّذِي لَمْ يَشْتَدَّ وَلَمْ يَصِرْ مُسْكِرَاً.

مِنْ جُمْلَةِ الأَحَادِيثِ التي ذَكَرَهَا الإمام، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُنْتَبَذُ لَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَيَشْرَبُهُ إِذَا أَصْبَحَ يَوْمَهُ ذَلِكَ، وَاللَّيْلَةَ الَّتِي تَجِيءُ، وَالْغَدَ وَاللَّيْلَةَ الْأُخْرَى، وَالْغَدَ إِلَى الْعَصْرِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ سَقَاهُ الْخَادِمَ، أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ.

يَقُولُ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَاز الِانْتِبَاذِ، وَجَوَازِ شُرْبِ النَّبِيذِ مَا دَامَ حُلْوَاً لَمْ يَتَغَيَّر وَلَمْ يَغْلِ، وَهَذَا جَائِزٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَأَمَّا سَقْيهُ الْخَادِمَ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَصَبُّهُ، فَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ بَعْدَ الثَّلَاثِ تَغَيُّرُهُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَنَزَّهُ عَنْهُ بَعْدَ الثَّلَاثِ؛ وَقَوْلُهُ: سَقَاهُ الْخَادِم أَوْ صَبَّهُ: مَعْنَاهُ تَارَةً: يَسْقِيهِ الْخَادِمَ، وَتَارَةً يَصُبُّهُ، وَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ لِاخْتِلَافِ حَالِ النَّبِيذِ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ تَغَيُّرٌ وَنَحْوُهُ مِنْ مَبَادِئِ الإِسْكَارِ سَقَاهُ الْخَادِمَ وَلَا يُرِيقُهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ تَحْرُمُ إِضَاعَتُهُ، وَيَتْرُكُ شُرْبَهُ تَنَزُّهَاً، وَإِنْ كَانَ قَدْ ظَهَرَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَبَادِئِ الإِسْكَارِ وَالتَّغَيُّرِ أَرَاقَهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَسْكَرَ صَارَ حَرَامَاً وَنَجِسَاً فَيُرَاقُ وَلَا يَسْقِيهِ الْخَادِمَ؛ لِأَنَّ المُسْكِرَ لَا يَجُوزُ سَقْيُهُ الْخَادِمَ كَمَا لَا يَجُوزُ شُرْبُهُ، وَأَمَّا شُرْبُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الثَّلَاثِ فَكَانَ حَيْثُ لَا تَغَيُّرَ، وَلَا مَبَادِئَ تَغَيُّرٍ وَلَا شَكَّ أَصْلَاً. وَاللهُ أَعْلَم. اهـ.

أَمَّا الحَدِيثُ الثَّالِثُ: أَنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أُتِيَ بِنَبِيذِ زَبِيبٍ مِنْ نَبِيذِ زَبِيبِ الطَّائِفِ، قَالَ: فَلَمَّا ذَاقَهُ قَطَّبَ فَقَالَ: إِنَّ لِنَبِيذِ زَبِيبِ الطَّائِفِ لَعُرَامَاً، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ فَـشَرِبَ، وَقَالَ: إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْكُمْ فَصُبُّوا عَلَيْهِ المَاءَ وَاشْرَبُوا. فَهُوَ خَبَرٌ صَحِيحٌ.

وَلَكِنْ لَا حُجَّةَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ النَّبِيذَ كَانَ مُسْكِرَاً، وَلَكِنْ فِيهِ إِخْبَارٌ بِأَنَّ نَبِيذَ الطَّائِفِ لَهُ عُرَامٌ وَشِدَّةٌ، وَأَنَّهُ كَسَرَ هَذَا بِالمَاءِ ثُمَّ شَرِبَهُ، فَسَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خَشِيَ أَنْ يَعْرُمَ وَيَشْتَدَّ فَتَعْجَّلَ كَسْرَهُ بِالمَاءِ.

وبناء على ذلك:

فَلِلَّهِ الحَمْدُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الأَحَادِيثِ، فَالأَوَّلُ: المَقْصُودُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَّا خَمَّرْتَهُ» يَعْنِي: أَلَا غَطَّيْتَهُ.

وَالثَّانِي: شُرْبُ النَّبِيذِ جَائِزٌ شَرْعَاً بِشُرُوطِهِ؛ أَمَّا النَّبِيذُ فِي عَصرِنَا هَذا فَلا يَجُوزُ شُربُهُ لأنَّهُ لَا يَخلُو مِنَ الكُحُولِ.

وَالثَّالِثُ: سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَضَافَ عَلَى النَّبِيذِ مَاءً خَشْيَةَ أَنْ يَشْتَدَّ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
4209 مشاهدة