أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

9031 - نعيم القبر وعذابه

13-07-2018 19568 مشاهدة
 السؤال :
سمعت من إنسان يتحدث عن عذاب القبر، ويقول: دعوكم من هذه الخرافات، لأنه لا عذاب إلا بعد الحساب، والحساب لا يكون إلا يوم القيامة، فما صحة هذا القول؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9031
 2018-07-13

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: إيمَانُنَا بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِيمَانٌ مُطْلَقٌ، فَمَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ حَقٌّ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾. وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ، أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾؟

وَيَقُولُ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَوَالَّذِي نَـفْسِي بِيَدِهِ، مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ» رواه الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ الخَلقِ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَأَنَا وَاللهِ أَعْلَمُكُمْ بِاللهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ» رواه الحاكم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

فَالمُؤْمِنُ الحَقُّ يَنْطَلِقُ مِنْ مُنْطَلَقِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَئِنْ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ.

ثانياً: الإِنْسَانُ يَمُرُّ في ثَلَاثَةِ عَوَالِمَ بَعْدَ عَالَمِ الأَصْلَابِ وَالأَرْحَامِ.

العَالَمُ الأَوَلُ عَالَمُ الدُّنْيَا، وَالذي يَنْتَهِي بِالمَوْتِ.

وَعَالَمُ البَرْزَخِ، وَالذي يَنْتَهِي بِقِيَامِ السَّاعَةِ.

وَعَالَمُ الآخِرَةِ، وَالذي لَهُ بِدَايَةٌ وَلَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ.

وَكُلُّ عَالَمٍ مِنْ هَذِهِ العَوَالِمِ لَهُ أَحْكَامٌ وَقَانُونٌ يَخْتَلِفُ عَنِ الآخَرِ، فَقَانُونُ وَأَحْكَامُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا عَرَفْنَاهَا، وَأَمَّا قَانُونُ وَأَحْكَامُ الحَيَاةِ في عَالَمِ البَرْزَخِ فَهِيَ غَيْبٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ تعالى، وَنَحْنُ نَعْلَمُ عَنْهَا شَيْئَاً عَنْ طَرِيقِ الخَبَرِ الصَّادِقِ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ للحَيَاةِ الأُخْرَوِيَّةِ.

ثالثاً: عَالَمُ البَرْزَخِ هُوَ العَالَمُ الذي يَكُونُ بَيْنَ عَالَمِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَهُوَ الحَاجِزُ بَيْنَهُمَا، زَمَانُهُ مِنْ حِينِ المَوْتِ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَهُوَ عالَمٌ غَيْبِيٌّ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ إِلَّا اللهُ تعالى، وَيُسَمَّى عَالَمُ البَرْزَخِ بِعَالَمِ القَبْرِ، لِأَنَّ جُلَّ النَّاسِ يُدْفَنُونَ في قُبُورِهِمْ.

رابعاً: إِذَا دَخَلَ العَبْدُ عَالَمَ البَرْزَخِ، فَإِنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ رَبِّهِ وَعَنْ دِينِهِ وَعَنْ نَبِيِّهِ، كَمَا جَاءَ بِذَلِكَ الخَبَرُ الصَّادِقُ، روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «العَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ، فَأَقْعَدَاهُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَدَاً مِنَ الجَنَّةِ».

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَيَرَاهُمَا جَمِيعَاً».

وَهَذَا هُوَ التَّثْبِيتُ المُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ﴾. وَجَاءَ في صَحِيحِ الإمام البخاري عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ فِي القَبْرِ: يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ». فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾.

وَبَعْدَ السُّؤَالِ يَكُونُ القَبْرُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، أَو حَفرَةً مِنْ حُفَرِ النَّارِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ».

خامساً: وَقَدْ جَاءَ في الآيَاتِ الكَرِيمَةِ وَالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَعِيمَ القَبْرِ حَقٌّ، وَعَذَابَ القَبْرِ حَقٌّ؛ يَجِبُ الاعْتِقَادُ بِهِمَا.

يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتَاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾. فَهُمْ أَحْيَاءٌ في عَالَمَِ البَرْزَخِ عِنْدَ رَبِّهِمْ فَرِحِينَ يُرْزَقُونَ.

وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ المَوْتِ وَالمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾. فَتَقُولُ المَلَائِكَةُ: ﴿الْيَوْمَ﴾. يَعْنِي يَوْمَ مَوْتِ الظَّالِمِينَ ﴿تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾. وَهَذَا صَرِيحٌ في تَعْذِيبِهِمْ في قُبُورِهِمْ عَقِبَ مَوْتِهِمْ.

وَيَقُولُ تعالى: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾. فَالعَذَابُ العَظِيمُ هُوَ عَذَابُ جَهَنَّمَ في الآخِرَةِ، وَهُوَ مَسْبُوقٌ بِعَذَابَينِ، مَرَّةٌ في الدُّنْيَا، وَمَرَّةٌ ثَانِيَةٌ في القَبْرِ.

وَيَقُولُ تعالى: ﴿وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوَّاً وَعَشِيَّاً﴾. هَذَا العَرْضُ عَلَى النَّارِ غُدُوَّاً وَعَشِيَّاً في عَالَمِ البَرْزَخِ قَطْعَاً ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾.

وَأَمَّا الأَحَادِيثُ:

فَمِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ».

ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ».

قَالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ.

فَقَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ».

قَالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. رواه الإمام مسلم عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَمِنْهَا ما رواه الشيخان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ».

وَمِنْهَا ما رواه الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ».

وَمِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ، اليَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ».

سادساً: أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا﴾. فَبَعْضُهُم يَسْتَدِلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا رَاقِدِينَ لَا يَشْعُرُونَ بِنَعِيمٍ وَلَا عَذَابٍ.

وَنَسِيَ مَنْ يَسْتَدِلُّ بِهَذِهِ الآيَةِ قَوْلَهُ تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾.

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ».

قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَرْبَعُونَ يَوْمَاً؟

قَالَ: أَبَيْتُ.

قَالُوا: أَرْبَعُونَ شَهْرَاً؟

قَالَ: أَبَيْتُ.

قَالُوا: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟

قَالَ: أَبَيْتُ.

«ثُمَّ يُنْزِلُ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ، كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ».

قَالَ: «وَلَيْسَ مِنَ الإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى، إِلَّا عَظْمَاً وَاحِدَاً، وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

فَمَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ يَنْقَطِعُ العَذَابُ، لِذَا عِندَمَا يُنْفَخُ في الصُّورِ مَرَّةً ثَانِيَةً، يَقُولُونَ: ﴿يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا﴾.

وبناء على ذلك:

فَأَدِلَّةُ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا تَكُونُ مِنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ تَكُونُ مِنَ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَوْلَاً أَو فِعْلَاً أَو تَقْرِيرَاً، لِعُمُومِ أَمْرِهِ تعالى بِأَخْذِ مَا جَاءَ مِنَ السُّنَّةِ ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾.

لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾. وَأُوتِيَ القُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، وَعَلَّمَهُ اللهُ تعالى السُّنَّةَ وَالحِكْمَةَ مَعَ القُرْآنِ الكَرِيمِ، قَالَ تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمَاً﴾. وَالحِكْمَةُ هِيَ السُّنَّةُ.

ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلَاً﴾.

فَإِذَا كَانَ المُتَحَدِّثُ عَنْ نُكْرَانِ عَذَابِ القَبْرِ يُؤْمِنُ بِاللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَرْجِعْ إلى كِتَابِ اللهِ تعالى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلْيَتْرُكْ هَوَاهُ، وَإِلَّا خَـسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ، وَلْيَضَعْ فَهْمَهُ السَّقِيمَ تَحْتَ قَدَمِهِ، وَلْيَضَعْ عِلْمَهُ القَاصِرَ خَلْفَ ظَهْرِهِ، وَلْيَسْتَحِ مِمَّنْ قَالَ: «فَأَنَا وَاللهِ أَعْلَمُكُمْ بِاللهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ» وَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ تعالى مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَإِلَّا فَهُوَ نَادِمٌ عَاجِلَاً أَمْ آجِلَاً، بِسَبَبِ إِنْكَارِهِ مَا صَحَّ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَعِيمِ القَبْرِ وَعَذَابِهِ.

وَلَا أَدْرِي هَلِ المُؤْمِنُ الحَقُّ يَتَأَثَّرُ بِكَلَامِ هَذَا الضَّالِّ المُضِلِّ الذي يَنْسِفُ أَحَادِيثَ صَحِيحِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ انْطِلَاقَاً مِنْ فَهْمِهِ السَّقِيمِ؟

وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائلُ: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
19568 مشاهدة