أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

5590 - حكم نشر الإشاعات بدون تثبت

12-10-2012 55406 مشاهدة
 السؤال :
ما هو الحكم الشرعي في نشر الإشاعات والترويج لها بدون تثبت من صحتها؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 5590
 2012-10-12

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: جاء في صحيح الإمام مسلم عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِباً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ». لأنَّ العبدَ يَسمعُ الكَذِبَ كما يسمعُ الصِّدقَ، فإذا حدَّثَ بكلِّ ما سَمِعَ بدونِ تثبُّتٍ وَقَعَ في الكَذِبِ، ويكفيهِ من الإثمِ هذا.

ثانياً: جاء في سنن أبي داود عَنْ أَبِي قِلَابَةَ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا» أي إنَّ نقلَ كلِّ ما يسمعُهُ الإنسانُ، وقولَهُ: هكذا قالوا، أو هكذا حدَّثوا، لا يعفيهِ من المسؤوليَّةِ، وبئسَ المطيَّةُ التي يتَّخذُها العبدُ قولُهُ: زَعَموا، حَدَّثوا، قالوا.

ثالثاً: ربُّنا عزَّ وجلَّ أدَّبَ المؤمنينَ بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين﴾. وفي قراءةٍ: ﴿فَتَثَبَّتوا﴾.لأنَّ من اتَّخَذَ موقفاً من المواقفِ بناءً على الشَّائعاتِ والأقوالِ بدونِ تثبُّتٍ، فإنَّهُ يندَمُ ولا ينفعُهُ النَّدَمُ.

رابعاً: ربُّنا عزَّ وجلَّ عبَّرَ عن الإشاعاتِ بالإرجافِ، فقال تعالى: ﴿لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلاً﴾. والإرجافُ: هوَ تشييعُ أخبارِ السُّوءِ لإخافةِ المسلمين.

خامساً: ظنُّ الخيرِ بالآخرين، والتماسُ الأعذارِ لهم مطلوبٌ شرعاً، قال تعالى: ﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِين﴾. وإذا أخطأ الإنسانُ في حُسنِ الظَّنِّ خيرٌ له من أن يُصيبَ في سوءِ الظَّنِّ.

سادساً: السترُ مع النُّصحِ مطلوبٌ شرعاً من المؤمنين، وقد رَغَّبَ في ذلك سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بقوله: «مَنْ سَتَرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ فِي الدُّنْيَا سَتَرَهُ اللهُ فِي الْآخِرَةِ » رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. وكانَ من سيرةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ السترُ، فقد روى الإمام أحمد عَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ هَزَّالًا كَانَ اسْتَأْجَرَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ، وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا: فَاطِمَةُ قَدْ أُمْلِكَتْ، وَكَانَتْ تَرْعَى غَنَماً لَهُمْ، وَإِنَّ مَاعِزاً وَقَعَ عَلَيْهَا، فَأَخْبَرَ هَزَّالًا فَخَدَعَهُ، فَقَالَ: انْطَلِقْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْهُ عَسَى أَنْ يَنْزِلَ فِيكَ قُرْآنٌ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَ، فَلَمَّا عَضَّتْهُ مَسُّ الْحِجَارَةِ انْطَلَقَ يَسْعَى، فَاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ بِلَحْيِ جَزُورٍ أَوْ سَاقِ بَعِيرٍ فَضَرَبَهُ بِهِ فَصَرَعَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ «وَيْلَكَ يَا هَزَّالُ! لَوْ كُنْتَ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْراً لَكَ». وكان النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إذا أرادَ أن يُحذِّرَ من أمرٍ لا يقولُ ما بالُ فلانٍ يفعلُ كذا؟ بل كما روت السيِّدةُ عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنها قالت: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَلَغَهُ عَنْ الرَّجُلِ الشَّيْءُ لَمْ يَقُلْ: مَا بَالُ فُلَانٍ يَقُولُ؟ وَلَكِنْ يَقُولُ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا») رواه أبو داود. لأنَّ هذا أبلغَ وأعمَّ في النَّفعِ لكلِّ سامعٍ، وفيه مُداراةٌ وسترٌ للفاعلِ.

وبناء على ذلك:

  فإنَّهُ يحرُمُ نشرُ الإشاعاتِ والتَّرويجُ لها بدونِ تثبُّتٍ، وخاصَّةً إذا كانت تفتُّ في عضُدِ المسلمين، أو تَشِيعُ الفواحشَ والكبائرَ في المجتمعِ، أو تُدخلُ الخوفَ والرُّعبَ في قلوبِ المؤمنين.

وقد ذمَّ اللهُ تعالى المنافقينَ الذين يروِّجونَ للأخبارِ الكاذبةِ بقوله: ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا﴾.

ويقولُ العلامةُ ابنُ كثير في تفسيرِهِ عندَ قولِهِ تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾. إنكارٌ على من يُبادِرُ إلى الأمورِ قبلَ تَحَقُّقِها، فيخبرُ بها ويُفشيها وينشُرُها، وقد لا يكونُ لها صِحَّةٌ. اهـ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
55406 مشاهدة