أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

5980 - الخلاف والاختلاف

02-11-2013 26868 مشاهدة
 السؤال :
نسمع أحيانا من يقول: الاختلاف يجب أن لا يؤدي إلى الخلاف بين الناس، فما هو الفارق بين الخلاف والاختلاف؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 5980
 2013-11-02

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فالأصلُ في الخِلافِ والاختِلافِ شَرٌّ وليسَ خَيراً، قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين * إِلا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ﴾. يَعني: لو شاءَ اللهُ تعالى لَجَعَلَ النَّاسَ كُلَّهُم مُؤمِنينَ، قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِين﴾.

ولكنْ شاءَ أن يُعطِيَهُم شَيئاً من الاختِيارِ وأن يُكَلِّفَهُم، فاختَلَفوا، فمنهُم من صارَ على الحَقِّ، ومنهُم من صارَ على الباطِلِ، واختَلَفوا فيما بَينَهُم، كما قال تعالى: ﴿وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين﴾. إلا أُناساً هَداهُمُ اللهُ بِفَضلِهِ فاتَّفَقوا على ما هوَ أُصولُ دِينِ الحَقِّ والعُمدَةُ فيهِ.

فالأصلُ في الخِلافِ والاختِلافِ أنَّهُ شَرٌّ وليسَ فيهِ خَيراً.

ولكِنِ الأُصولِيُّونَ من الفُقَهاءِ فَرَّقوا بَينَ الخِلافِ والاختِلافِ، واعتَبَروا الخِلافَ مَذموماً، لأنَّهُ يَنتُجُ عن هوى، وأمَّا الاختِلافُ فإنَّهُ يَنتُجُ عن أدِلَّةٍ وأسبابٍ مَعروفَةٍ.

وذَكَرَ الفُقَهاءُ كما جاءَ في الموسوعَةِ الفِقهِيَّةِ الكويتِيَّةِ، بأنَّ اختِلافَ مُجتَهِدي الأمَّةِ في الفُروعِ رَحمَةٌ لها وسَعَةٌ بِدَليلِ ما رواهُ ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما مرفوعاً: «مَهمَا أوتِيتُم من كِتابِ الله فالعَمَلَ به، لا عُذرَ لأحَدٍ في تَركِهِ، فإن لم يَكُن في كِتابِ الله فَسُنَّةٌ مِنِّي مَاضِيَةٌ، فإن لم تَكُن سُنَّةً مِنِّي فما قالَ أصحابي، إنَّ أصحابي بِمَنزِلَةِ النُّجومِ في السَّماءِ، فأيُّما أخَذتُم به اهتَدَيتُم، واختِلافُ أصحابي لكُم رَحمَةٌ» رواه الخطيب وابن عساكر والديلمي كما في كنز العمال.

وفي الحَديثِ أيضاً: «وَجُعِلَ اختِلافُ أمَّتي رَحمَةً، وكانَ فيمَن كانَ قَبلَنا عذاباً» رواه نصر المقدسي في الحجة والبيهقي في رسالة الاشعرية كما في كنز العمال. اهـ.

ويَقولُ القاسِمُ بنُ مُحَمَّد: لقد نَفَعَ اللهُ باختِلافِ أصحابِ رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في أعمالِهِم، لا يَعمَلُ العَامِلُ بِعَمَلِ رَجُلٍ منهُم إلا رَأى أنَّهُ في سَعَةٍ، ورَأى أنَّ خَيراً منهُ قد عَمِلَهُ.

وبناء على ذلك:

فالأصلُ في الخِلافِ والاختِلافِ واحِدٌ، ولكن عِندَ الفُقَهاءِ الاختِلافُ غَيرِ الخِلافِ، فالاختِلافُ عِندَهُم يَعني الاجتِهادَ في مَسائِلِ الفُروعِ، ولِكُلٍّ دَليلُهُ، أمَّا الخِلافُ فهوَ اتِّباعُ الهَوى بِدونِ مُستَنَدٍ شَرعِيٍّ.

والاختِلافُ عِندَ الفُقَهاءِ رَضِيَ اللهُ عنهُم ما أدَّى إلى خِلافٍ بَينَهُم، بل أدَّى إلى كَثرَةِ العِلمِ والتَّيسيرِ على الأمَّةِ، على عَكسِ ما عَلَيهِ بَعضُ النَّاسِ اليَومَ حيثُ أدَّى الاختِلافُ بَينَهُم إلى خِلافٍ، وهذا مُناقِضٌ لما كانَ عَلَيهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
26868 مشاهدة