أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

6465 - الفرق بين اللهو واللعب

12-08-2014 29594 مشاهدة
 السؤال :
ذكر الله تعالى في القرآن العظيم آيتين، الأولى قال تعالى فيها: { وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}. والثانية قال تعالى فيها: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.فما هو الفارق بين اللهو واللعب؟ ولماذا قدم اللعب على اللهو تارةً، وتارةً أخرى قدم اللهو على اللعب؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 6465
 2014-08-12

 الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد قَدَّمَ اللَّعِبَ على اللَّهوِ في ثَلاثِ آيَاتٍ كَرِيمَاتٍ، الأُولَى في سُورَةِ الأَنعَامِ، قال تعالى: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾. والثَّانِيَةُ في سُورَةِ مُحَمَّدٍ، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ﴾. والثَّالِثَةُ في سُورَةِ الحَدِيدِ، قال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرَّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾.

أمَّا في سُورَةِ العَنكَبُوتِ فَقَد قَدَّمَ اللَّهوَ على اللَّعِبِ، قال تعالى: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.

وقد ذَكَرَ العُلَمَاءُ: بأنَّ اللَّعِبَ هوَ حَرَكَةٌ مَقصُودَةٌ أو غَيرُ مَقصُودَةٍ، يُحَقِّقُ مَصلَحَةً أو لا يُحَقِّقُ، أمَّا اللَّهوُ فهوَ لَعِبٌ يَشْغَلُ اللَّاعِبَ عَمَّا يَجِبُ عَلَيهِ، وهوَ من قَولِهِم: أَلهَانِي الشَّيءُ، أي: شَغَلَنِي، ومِنهُ قَولُهُ تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾.

فَحَرَكَةُ الطِّفلِ تُسَمَّى لَعِبَاً لا لَهْوَاً، لأنَّهُ غَيرُ مُكَلَّفٍ، أمَّا إذا دَخَلَ في مَرحَلَةِ التَّكلِيفِ ولَعِبَ، وشَغَلَهُ اللَّعِبُ عَمَّا هوَ وَاجِبٌ عَلَيهِ سُمِّيَ اللَّعِبُ لَهْوَاً، ومِنهُ قَولُهُ تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ اللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾.

وأمَّا تَقدِيمُ اللَّعِبِ على اللَّهْوِ في سُورَةِ الأَنعَامِ، فلأنَّ اللهَ تعالى أَخبَرَ عن أَهوَالِ الذينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِقَولِهِ تعالى: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾. فالخَاطِرُ مَشغُولٌ عِندَ تِلاوَةِ هذهِ الآيَةِ بالآخِرَةِ، ولم يَكُنْ مَشغُولاً بالدُّنيَا، فَقَدَّمَ ذِكْرَ اللَّعِبِ على اللَّهْوِ، فَقَالَ: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾.

وكذلكَ في سُورَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فقد كَانَتِ الآيَةُ السَّابِقَةُ لها تَتَحَدَّثُ عن أَحوَالِ الذينَ لن يَغفِرَ اللهُ تعالى لَهُم، بِقَولِهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ * فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ اللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾. فالبَالُ مَشغُولٌ بالخَاتِمَةِ والأَجْرِ على الأَعمَالِ يَومَ القِيَامَةِ، فَقَدَّمَ ذِكْرَ اللَّعِبِ على اللَّهْوِ بِقَولِهِ تعالى: ﴿إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ﴾.

وكذلكَ في سُورَةِ الحَدِيدِ، الآيَةُ التي سَبَقَت تِلكَ الآيَةِ كَانَت تَتَحَدَّثُ عن أَحوَالِ الصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ، وعن الذينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا، وعن مَآلِ الفَرِيقَينِ يَومَ القِيَامَةِ، فالبَالُ مَشغُولٌ بأَهوَالِ يَومِ القِيَامَةِ، فَقَدَّمَ ذِكْرَ اللَّعِبِ على اللَّهْوِ.

أمَّا في سُورَةِ العَنكَبُوتِ، فالآيَاتُ التي سَبَقَت تِلكَ الآيَةِ كَانَت تَتَحَدَّثُ عن الرِّزقِ والحَيَاةِ الدُّنيَا، وذلكَ بِقَولِهِ تعالى: ﴿اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾. فالبَالُ هُنَا مَصرُوفٌ إلى الدُّنيَا وزِينَتِهَا، والنَّفسُ تَشتَغِلُ بذلكَ، والدُّنيَا خَدَّاعَةٌ تَدعُو النُّفُوسَ إلى الإقبَالِ عَلَيهَا، والاستِغرَاقِ فِيهَا، فَقَدَّمَ اللَّهوَ على اللَّعِبِ بِقَولِهِ تعالى: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.

وبناء على ذلك:

فاللَّعِبُ لا حَرَجَ فِيهِ إذا صَدَرَ من المُكَلَّفِ، ولم يَشغَلْهُ عن وَاجِبٍ، وكَانَ فِيهِ نَفْعٌ لَهُ، أمَّا اللَّهْوُ فهوَ الشَّيءُ الذي لا مَصلَحَةَ فِيهِ، ويُلهِي عن شَيءٍ مَطلُوبٍ مِنهُ شَرعَاً.

وقَدَّمَ ذِكْرَ اللَّعِبِ على اللَّهْوِ عِندَمَا كَانَتِ الآيَاتُ السَّابِقَةُ لَهَا تَتَحَدَّثُ عن الآخِرَةِ ونَتَائِجِهَا، وأمَّا عِندَمَا قَدَّمَ ذِكْرَ اللَّهْوِ على اللَّعِبِ، كَانَتِ الآيَاتُ السَّابِقَةُ لَهَا تَتَحَدَّثُ عن الدُّنيَا. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
29594 مشاهدة