37ـ مشكلات وحلول: كلمة هامة حول الرسوم المسيئة للرسول   

37ـ مشكلات وحلول: كلمة هامة حول الرسوم المسيئة للرسول   

 

مقدمة الكلمة:

الحمدُ لله وكفى، والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيِّدِنا محمدٍ المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن سارَ على هديِهِم واقتفى.

﴿وَرَدَّ الله الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً﴾.

عُذراً سيِّدي رسولَ الله:

بدايةً أقولُ: عُذراً سيِّدي يا رسولَ الله، يا أبا الزهراءِ، يا أبا القاسمِ، عُذراً يا سيِّدي يا أيُّها الرَّحمةُ المهداةُ، لقد صَدَقَ فيهم قولُ الله عزَّ وجلَّ: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُون﴾.

لقد أساؤوا في حقِّكَ الكريمِ، وأنتَ يا سيِّدي جِئتَ بقولِ الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَأجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيَّاً * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ألا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيَّاً * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيَّاً * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيَّاً * فَأتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيَّاً * يا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أبُوكِ امْرَأ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيَّاً * فَأشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيَّاً * قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيَّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أيْنَ مَا كُنْتُ وَأوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيَّاً * وَبَرَّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيَّاً * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيَّاً * ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لله أنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. حيثُ جئتَ يا سيِّدي يا رسولَ الله مُبرِّئاً لساحةِ نبيِّهِم الطاهرِ سيِّدِنا عيسى عليه وعليكَ أفضلُ الصَّلاةِ وأتمُّ التَّسليمِ.

لقد أساؤوا في حقِّكَ وأنتَ يا سيِّدي جِئتَ البشريَّةَ كلَّها بقولِ الله عزَّ وجلَّ: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِالله وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾.

لقد أساؤوا في حقِّكَ يا سيِّدي يا رسولَ الله وأنتَ جِئتَهُم بما قالَ لهم نبيُّهُم في حقِّكَ الكريمِ كما أخبركَ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلامِ وَالله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ الله بِأفْوَاهِهِمْ وَالله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾.

لقد أساؤوا في حقِّكَ يا سيِّدي يا رسولَ الله، وأنتَ الذي أوصيتَ الأمَّةَ بهم خيراً، حيثُ قُلتَ: «ألا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِداً أَو انْتَقَصَهُ أَو كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئاً بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه أبو داود عن صَفْوَانِ بْن سُلَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وقُلتَ: «مَنْ قَتَلَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَجِدْ رِيحَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ عَاماً» رواه الإمام أحمد عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

تذكروا يا أيها الإخوة الكرام:

تذكَّروا قولَ الله تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾.

وتذكَّروا قولَ الله تعالى: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أكْبَرُ﴾.

وتذكَّروا قولَ الله تعالى: ﴿قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.

وتذكَّروا قولَ الله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾.

لماذا هذا الحقدُ الدَّفينُ؟

لأنَّهُم على باطلٍ، لأنَّهُم على ضلالٍ، لأنَّهُم على غوايةٍ، لأنَّهُم أهلُ الحقدِ والحسَدِ، وذلكَ بِسَبَبِ ما شرَّفنا اللهُ عزَّ وجلَّ به من الإسلامِ، وبسيِّدِنا محمَّدٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، حيثُ يقولُ اللهُ تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.

ويقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ الله بِأفْوَاهِهِمْ وَالله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.

ويقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿يُرِيدُونَ أنْ يُطْفِئُوا نُورَ الله بِأفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى الله إِلا أنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.

ويقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾.

ويقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى الله وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ الله بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ * قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ * وَلَئِنْ أتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.

فَهُمْ أَهلُ حِقدٍ وحَسَدٍ لأنَّكَ يا سيِّدي يا رسولَ الله أنتَ القائلُ في غزوةِ الخندقِ: (أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ وَالله إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا... أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ وَالله إِنِّي لَأُبْصِرُ الْمَدَائِنَ وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الْأَبْيَضَ مِنْ مَكَانِي هَذَا... أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ وَالله إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا) رواه الإمام أحمد عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

ولأنَّكَ يا سيِّدي يا حبيبي يا قُرَّةَ عيني أنتَ القائلُ: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ» رواه الإمام مسلم عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

ولأنَّكَ أنتَ القائلُ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ الله بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ الله هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزَّاً يُعِزُّ الله بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلَّاً يُذِلُّ الله بِهِ الْكُفْرَ» رواه الإمام أحمد عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

هُمْ أَهلُ الحقدِ والحسَدِ لأنَّهم عَرَفوكَ يا سيِّدي يا رسولَ الله أنَّكَ صاحبُ المقامِ المحمودِ، وأنَّ اللهَ تعالى أَقسَمَ بعمرِكَ فقالَ: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾.

فَرَحِمَ اللهُ من قالَ: لله دَرُّ الْحَسَدِ مَا أَعْدَلَه، بَدَأَ بِصَاحِبِهِ فَقَتَلَه.

ولو لم يكنِ الحسَدُ إلا أنَّهُ خُلُقٌ دنيءٌ، وبالنَّفسِ مُضِرٌّ، وعلى الهمِّ مُصِرٌّ، ويفضي بصاحِبِهِ إلى التَّلَفِ من غيرِ نكايةٍ في عدُوٍّ، ولا إضرارٍ بمحسودٍ، لكانَ على العاقلِ أن يبتعِدَ عنه، ولكن أين عقولُ هؤلاءِ؟ وسيأتي يومٌ يقولُ فيه القائلُ: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أصْحَابِ السَّعِيرِ﴾.

ورَحِمَ اللهُ من قال:

إنِّي لأرحَمُ حاسِدِي من حَرِّ ما     ***     ضَمَّت صُدورُهُم من الأوغار

                        نَظَروا صنيعَ الله بي فَعُيـــونُهُم     ***     في جنَّةٍ وقُلوبُهُم في الـــــــنَّار

فيا أيُّها الحاقِدون، ويا أيُّها الحاسدون: موتوا بغيظِكُم لن تنالوا خيراً، إنَّ نبْحَ الكلابِ لا يضُرُّ بالسَّحابِ، وما ضَرَّ البحرَ إن أُلقيَ فيه حَجَرٌ، وما ضَرَّ السَّماءَ إن تحوَّلَ أعداءُ هذا الدِّينِ إلى كَنَّاسينَ لِيُثيروا الغُبارَ على هذا الدِّينِ، ﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا وَالله عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.

فيا أيُّها الحاقِدونَ الحاسدونَ: مِلَّةُ الكفرِ واحدةٌ، ولقد سَبَقَكُم إلى ذلك أجدادُكُم، وقال لهم مولانا: ﴿مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ﴾.

يا أبناءَ القِرَدَةِ والخنازيرِ لقد سَبَقَكُم إلى ذلك اللورد كرومر البريطاني الحاقدُ الحاسدُ المستعمرُ فماتَ بغيظِهِ، كما ماتَ بغيظِهِ مَنْ قبلَهُ ومَنْ بعدَهُ، وأنتم على نفسِ الطَّريقِ إذا لم تتوبوا إلى اللهِ تعالى، ونقولُ لكم: ﴿مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ﴾.

أيُّها الحاقِدونَ الحاسدونَ اعلموا: ولله الحمدُ إسلامُنا قُوَّتُهُ من ذاتِهِ، إسلامُنا هوَ الذي قال فيه مولانا: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾. وقال فيهِ: ﴿قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾. فما وجدتُم سبيلاً للرَّدِّ إلا هذهِ الوسيلةَ الرَّخيصةَ؟ ﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِين﴾.

لقد أفلستُم من جميعِ القِيَمِ والأخلاقِ فما وجدتُم إلا هذهِ الدَّناءَةَ والخسَّةَ التي تدلُّ على الصَّغارِ والنَّذالَةِ، وأنتم ومِمَّا لا شكَّ فيه تُنَفِّذونَ جزءاً من المخطَّطِ الصهيونيِّ، ﴿مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ﴾.

ورَحِمَ الله من قال:

كُــفرٌ تـــنفَّسَ عنه الغربُ لا كـــانَ    ***    تــكادُ تـنهدُّ منه الأرضُ أركــاناوقُــبحُ وجــهٍ أزالـوا عن صَـــفاقَتِهِ    ***    زَيــفَ السِّتارِ فــبانَ اليومَ عُرياناشُلَّت يداهُ بما خـطَّتْ وما رَسَـــمَتْ    ***    في حــقِّ أكرمِ خــلقِ الله إنــساناوقُـبِّحتْ أمَّـةٌ فـاحتْ صَــحافَــتُها    ***    بالنَّيلِ من شَخصِكَ المعصومِ عُدواناأيُــزدَرَى بـرسـولِ الله بــيـنَــكُم؟    ***    جــهراً، ويُــمْتَهَنُ الــقرآنُ إعلاناويُـشتَمُ اللهُ في وضَــحِ النَّهارِ فـــلا    ***    تــثــورُ ثــائــرةٌ مــنَّــا لـمولاناورغـم ذلك نَــسْتَبْقي مـــودَّتــهم    ***    ونــشتري سِــلَع الــكـفار أطناناهيَّا انهضوا أمةَ التوحيد وانـتـصروا    ***    للــدِّين واتَّحــدوا في الله إخــوانـافلا تسامُحَ إن مُــسَّت عــقــيدتـنا    ***    أو اقتضى الأمــر إيــماناً وكُــفراناعذراً رسولَ الهدى المختارَ إن وهـَنَتْ    ***    مــنا الــعــزائمُ شــيباناً وشُـبّانافـلم يـعدْ يُرهـبُ الأعداءَ صَـولتُنَا    ***    ومــا أقــامـوا لــنا وزناً ولا شانالو احترمناك ما هُــنَّا أو اجــترؤوا    ***    على مــقامـك أو كـان الـذي كانالكن عصيناك في بعض الأمور فـلم     ***    نفلح بشيءٍ ولا حُلَّتْ قــضايـانـافِــداك يا خـيرَ خـلقِ الله أنـفـسُنا     ***    ومــا مــلكناهُ أرواحــاً وأبــداناحــاشاك يا خــير الــورى رُتَـباً     ***    ممــا رمــوكَ به ظــلـماً وعــدواناوأنت أكرمُ من يـمشي على قــدمٍ     ***    وأرجــحُ الــرُّسـلِ عند الله ميزاناوأطهرُ الخلق من عيبٍ ومن دَنَسٍ     ***    وإنَّ شــانئَك الــمبـتورَ لا كــانا

ونقولُ لهؤلاءِ الشَّراذِمِ كلاماً علَّمَنا إيَّاهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

إنَّ ما حَدَثَ أيُّها الإخوةُ وما سيحدُثُ ما هوَ إلا لأنَّهُم وجدوا الإسلامَ حِصناً قويَّاً منيعاً بعقيدتِهِ وعِباداتِهِ ومُعاملاتِهِ وأخلاقِهِ ومبادئِهِ كلِّها، ولأنَّهُ يَصعُبَ عليهم أن يتجاوزوهُ فضلاً عن أن يُطفِئوا نورَهُ، فَسَلَكوا هذا الطَّريقَ، وسيعودُ وبالُهُ وشَرُّهُ عليهم عاجلاً أم آجلاً، لقولِ الله تعالى: ﴿كَتَبَ الله لأغْلِبَنَّ أنَا وَرُسُلِي إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾. ولقولِهِ جلَّ جلاله: ﴿إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله﴾. ولقولِهِ جلَّت عظمتُهُ: ﴿إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الله لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾. فكيفَ عن سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلينَ عليه أفضلُ الصَّلاةِ وأتمُّ التَّسليمِ؟

وإنِّي والله واثقٌ بأنَّ ما يجري إنَّما يجري في صالحِ المسلمينَ إن صَبَروا واتَّقَوا، ألم يقل مولانا جلَّ شأنُهُ: ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ الله مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾. ثم يقول: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾؟

عندما كَتَبوا كتاباً بعنوان: آياتٌ شيطانيةٌ ـ وكان كاتبه سلمان رشدي  عامَلَهُ الله بعدلِهِ ـ أسلمَ بسبب هذا الكتابِ عشرونَ ألفَ شخصٍ في بريطانيا وحدَها.

وإنَّ حادثَ الحادي عشر من أيلول ستَظهَرُ نتائِجُهُ الإيجابيَّةُ إن شاءَ الله بشكلٍ لا يكادُ يُصَدَّقُ، لأنَّ الكثيرَ بَدَأ يتعرَّفُ على الإسلامِ الحقيقيِّ، الكثيرُ بَدَأ يدرسُ الإسلامَ دراسةً عقلانيَّةً، لأنَّهُ ليسَ من المعقولِ أن يتكالبَ العالمُ على هذا الدِّينِ لولا القوَّةُ الذَّاتيَّةُ فيه، ولو كانَ هذا الإسلامُ باطلاً لزُهقَ من زمنٍ طويلٍ، ولكنَّ الإسلامَ يزدادُ صلابةً بفضلِ الله، لذلك أقبلَ الغربُ على الإسلامِ دارسينَ له، وصدق القائل:

                      وَإِذَا أَرَادَ اللهُ نَشْرَ فَضِيلَةٍ طُوِيَتْ     ***      أَتـَاحَ لَـهَا لِـــسَانَ حَـــسُــودِ

 لَوْلَا اشْتِعَالُ النَّارِ فِيمَا جَاوَرَتْ     ***     مَا كَانَ يُعْرَفُ طِيبُ عَرْفِ الْعُودِ

إنَّ ما جَرَى ويجري وسيجري هوَ من الكيدِ المدحوضِ بإذنِ الله تعالى، لأنَّ هذا الكيدَ الذي ظَهَرَ حرَّكَ في أعماقِ نُفوسِ المؤمنينَ الغيرةَ على دِينِهِم وعلى نبيِّهِم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وصدق القائلُ: رُبَّ ضارَّة نافعةٌ، هل تعلمونَ أيُّها الإخوةُ سَبَبَ إسلامِ سيِّدِنا حمزةَ عمِّ رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

روى ابن إسحاق والطبراني عن محمد بن كعب القرظي رَضِيَ اللهُ عَنهُ: أنَّ أبا جهلٍ مَرَّ برسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عندَ الصَّفا فآذاهُ وشَتَمَهُ ونالَ منهُ بعضَ ما يكرهُ من العيبِ لدِينِهِ والتَّضعيفِ لأمرِهِ، فلم يُكلِّمهُ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ومولاةٌ لعبدِ الله بن جدعان في مسكنٍ لها تسمعُ ذلك، ثمَّ انصرفَ عنهُ فَعَمدَ إلى نادي قريش عندَ الكعبةِ فَجَلَسَ معهُم، فلم يلبثْ حمزةُ بنُ عبدِ المطَّلبِ أن أقبلَ مُتَوشِّحَاً قَوسَهُ راجعاً من قنصٍ له، وكان صاحبَ قنصٍ يرميَهُ ويخرجَ له، فكانَ إذا رَجعَ من قنصِهِ لم يصلْ إلى أهلِهِ حتَّى يطوفَ بالكعبةِ، وكانَ إذا فَعَلَ ذلكَ لم يمرَّ على نادي إلا وَقَفَ وسَلَّمَ وتحدَّثَ معهُم، وكانَ أعزَّ فتىً في قريش وأشدَّهُ شكيمةً، فلمَّا مَرَّ بالمولاةِ وقد رَجعَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى بيتِهِ قالت له: يا أبا عمارة، لو رأيتَ ما لَقِيَ ابنُ أخيكَ محمَّد آنفاً من أبي الحكمِ بنِ هشام، وَجَدَهُ هنا جالساً فآذاهُ وسَبَّهُ وبَلَغَ منه ما يكرهُ، ثمَّ انصرفَ عنهُ ولم يُكَلِّمْهُ محمَّدٌ.

فاحتَمَلَ حمزةُ الغضبَ لما أرادَ اللهُ تعالى به من كرامَتِهِ، فَخَرَجَ يسعى لم يقف على أحدٍ مُعِدَّاً لأبي جهل إذا لَقِيهُ أن يَقَعَ به، فلمَّا دَخَلَ المسجدَ نَظَرَ إليه جالساً في القومِ فأقبلَ نحوَهُ، حتَّى إذا قامَ على رأسِهِ رَفَعَ القوسَ فَضَرَبَهُ بها فَشَجَّهُ بها شَجَّةً مُنكرةً وقال: أتشتُمُهُ وأنا على دِينِهِ أقولُ ما يقولُ؟ فرُدَّ عليَّ ذلك إن استطعتَ.

فقامت رجالٌ من بني مخزوم إلى حمزة ليَنصُروا أبا جهل، فقال أبو جهل: دَعوا أبا عمارة، فإني والله قد سَبَبتُ ابن أخيهِ سَبَّاً قبيحاً.

ثم رَجعَ حمزةُ إلى بيتِهِ فقال: أنتَ سيِّدُ قريش اتَّبعتَ هذا الصابئَ وتركتَ دينَ آبائِكَ؟ للموتُ خيرٌ لك مِمَّا صَنَعتَ.

وقال: اللَّهمَّ إن كانَ رشداً فاجعلْ تصديقَهُ في قلبي، وإلا فاجعلْ لي مما وقعتُ فيه مَخرجاً.

فباتَ بليلةٍ لم يَبَت مثلَها من وسوسةِ الشيطانِ، حتَّى أصبحَ فغدا على رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فقال: يا بن أخي، إنِّي قد وَقَعتُ في أمرٍ لا أعرفُ المخرجَ منه، وإقامةُ مثلي على ما لا أدري ما هوَ أرشدُ أم هو غيٌّ شديدٌ؟ فحدِّثني حديثاً فقد اشتهيتُ يا بن أخي أن تحدِّثَني.

فأقبلَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فذكَّرَهُ وَوَعَظَهُ وخوَّفَهُ وبشَّرَهُ، فألقى اللهُ تعالى في قلبِهِ الإيمانَ بما قالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فقال: أشهدُ إنَّكَ لصادقٌ، فأظهِرْ يا بن أخي دِينَكَ، فو الله ما أحبُّ أنَّ لي ما أظلَّتهُ السَّماءُ وأنِّي على دِيني الأوَّلِ. اهـ.

وإن شاءَ اللهُ سيُسلِمُ الكثيرُ بعدَ هذهِ الحوادثِ القَذِرَةِ.

إنَّ ما جَرَى ويجري وسيجري أوقفَ الكثيرَ من المسلمينَ البُسَطاءِ المغفَّلينَ على حقيقةِ الغربِ، على حقيقةِ هؤلاءِ الذينَ بَهَروا أعينَ الناسِ بحضارةٍ مادِّيَّةٍ مُزيَّفةٍ، بأنَّهُم أصحابُ مكيالَينِ، يتكلَّمونَ باسمِ الحرِّيَّةِ، ولكنَّهُم كَذَبُوا على قَومِهِم وكَذَبُوا على المسلمين، هل يستطيعُ أحدٌ أن يتكلَّمَ عن الساميةِ عندهم تحتَ شعارِ الحرِّيَّةِ؟

هل يستطيعُ أحدٌ أن يتكلَّمَ عن زعيمِ تركيا السفَّاكِ تحتَ شعارِ الحرِّيَّةِ؟

لا يستطيعُ أحدٌ أن ينالَ من الساميةِ أو زعيمٍ من الزُّعماءِ تحتَ شعارِ الحرِّيَّةِ أبداً، أمَّا في حقِّ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فلا حَرَجَ عند هؤلاءِ الذين امتلأت قُلوبُهُم غيظاً وحقداً وحَسَداً عليه، ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * ألا يَظُنُّ أُولَئِكَ أنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

ما هوَ واجبُنا نحوَ ما حَدَثَ ويحدُثُ؟

أولاً: الصُّلحُ مع الله تعالى، صُلحُنا مع الله تعالى يُعيدُ لنا عِزَّنا السَّامي الذي ذَهَبَ، عِزَّنا الذي ضَيَّعناهُ بأيدينا باتِّباعِنا لشرقٍ وغربٍ بدونِ وعيٍ، وتركِنا لكتابِ الله وسُنَّةِ رسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله﴾.

لقد كُنَّا قبلَ الإسلامِ في ذَيلِ الأمَمِ، وبالإسلامِ دانت لنا العربُ ودَفَعَتْ لنا الجزيةَ الأعاجمُ، ورَحِمَ الله سيِّدَنا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ إذ كان يقول: (نحنُ قومٌ أعزَّنا اللهُ بالإسلامِ، ومهما ابتَغَينا العِزَّةَ بغيرِ ما أعزَّنا اللهُ أذلَّنا اللهُ) رواه الحاكم عن طارق رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

يقولُ اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأنْفُسِهِمْ﴾. ويقولُ جلَّت قدرتُهُ: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾. والزَّمَنُ ليسَ ببعيدٍ عنَّا، فيوم أُحُدٍ أكبرُ مصداقيَّةٍ على ذلك، كانَ النَّصرُ للإسلامِ والمسلمين أولاً، ثمَّ كانَ النَّصرُ للإسلامِ ثانياً، ثمَّ عادَ النَّصرُ للإسلامِ والمسلمين ثالثاً.

لقد هانَ الإسلامُ على بعضِ المسلمين، وتبرَّمَ البعضُ من الإسلامِ، وتخلَّى البعضُ عن نُصرَةِ هذا الدِّينِ، ولو بكلمةٍ ولو باستنكارٍ، وعندما كانَ هذا الحالُ اجتَرَأَ هؤلاءِ شُذَّاذُ الآفاقِ وأذنابُهُم علينا.

ملكةُ الدانمارك ألَّفت كتاباً عن الحضارةِ الأوربيَّةِ وذَمَّت فيه المسلمينَ فلم يتحرَّكْ أحدٌ! رئيسُ وزراءِ الدانمارك قال عن المسلمين بأنَّهُم حثالةُ الشُّعوبِ فلم يتحرَّكْ أحدٌ! صُحُفٌ ومجلاتٌ تنتقدُ الإسلامَ والقرآنَ ورسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ولم يتحرَّكْ أحدٌ! مسرحيَّاتٌ ومسلسلاتٌ وممثِّلونَ وممثِّلاتٌ وبكلِّ أسفٍ في بلادِ المسلمينَ يتهكَّمونَ بالإسلامِ ولا أحدٌ يتحرَّكُ! وجاءتِ الرُّسومُ في المرَّةِ الأولى وهذهِ المرَّةُ الثانيةُ والبعضُ لا يتحرَّكُ! فهل يا تُرى ماتَ الإيمانُ لا قدَّرَ اللهُ في قُلوبِ البعضِ؟ لَعَلَّ هذهِ الأحداثَ تُرجِعُنا إلى الله ﴿وَعَسَى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾.

ثانياً: جوابُ هؤلاءِ الشَّراذِمِ كانَ يجبُ أن يكونَ كما قالَ هارون الرشيد رحمه الله لنقفورَ حيثُ كَتَبَ له على ظهرِ كتابِهِ: من هارونَ الرشيدِ أميرِ المؤمنين، إلى نقفورَ كلبِ الرُّومِ، قرأتُ كتابَكَ يا بنَ الكافرةِ، والجوابُ ما تراهُ دونَ ما تسمَعُهُ، وجَهَّزَ له جيشاً كان أوَّلُهُ عند نقفورَ وآخرُهُ عند هارونَ الرشيدِ.

ولكن نحنَ لا نُحرِجُ غيرَنا، فالكلُّ مسؤولٌ عندَ الله عزَّ وجلَّ.

وإذا كانَ هذا الأمرُ ليسَ بِوُسعِنا وليسَ بِيَدِنا، فلا أقلَّ من أن نُقاطِعَ هؤلاءِ مُقاطعةً اقتصاديَّةً، ونحنُ نتذكَّرُ قولَ الله تعالى: ﴿يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ الله عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾. نحنُ الذينَ نجعلُ الحصارَ الاقتصاديَّ، لا هُمْ، لأنَّ اعتقادَنا أنَّ الرَّزاقَ إنَّما هوَ اللهُ تعالى، كما قال في الآية الكريمة: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ﴾.

هؤلاءِ عَبَدَةُ الدِّينارِ والدِّرهمِ، هؤلاءِ يُحبُّونَ الحياةَ الدُّنيا ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾. فَمُقاطَعَتُهُم تدميرٌ لهم، والواقعُ يُصدِّقُ هذا، نُقاطِعُ كلَّ شيءٍ له بديلٌ عندنا.

ثالثاً: هؤلاءِ لم يفهموا الحوارَ سابقاً، ولم يفهموهُ لاحقاً، هؤلاءِ لا يرقبونَ فينا إلاًّ ولا ذِمَّةً، يُرضوننا بأفواهِهِم، ويُشهِدونَ الله على ما في قُلوبِهِم وهُم ألدُّ الخصامِ، هُم أحقرُ من أن نُخاطِبَهُم.

نحن لا نُريدُ منهم اعتذاراً، لأنَّهُم إن اعتذروا يعتذرونَ من أجلِ تحقيقِ مَصالِحهِم، ولن يعتذروا عن اعتقادٍ، ولن يتراجعوا عن الإساءةِ، والمؤمنُ لا يُلدَغُ من جحرٍ مرَّتَين.

إنَّما نُريدُ من المسلمين أن يعرفوا عدُوَّهُم، لا من خلالِ تحصيلِ معرفَتِهِم بهم، بل من خلالِ تعريفِ الله عزَّ وجلَّ بِعَدُوِّهِم، لأنَّ اللهَ تعالى يقول: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾. فليدَعِ المسلمونَ عِلمَهُم بِعَدُوِّهِم لِعِلمِ الله بِعَدُوِّهِم، ويُصدِّقوا اللهَ عزَّ وجلَّ القائل: ﴿واللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بالله وَلِيَّاً وَكَفَى بالله نَصِيراً﴾. فاللهُ تعالى يُعرِّفُنا بِعَدُوِّنا، فيقول: ﴿لتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾. ويقول: ﴿وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ﴾. ويقول: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾. وليحفظِ المسلمونَ جميعاً قولَ الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾. وليرجعِ المسلمونَ إلى كتابِ الله عزَّ وجلَّ الذي عرَّفَهُم بِعَدُوِّهِم.

نسألُ اللهَ تعالى أن يُوقِظَنا من غفلَتِنا، وأن يَرُدَّنا إليه رَدَّاً جميلاً، وأسألُ اللهَ أن يشرحَ صُدورَنا جميعاً للإسلامِ، وأن يَحَبِّبَ إلينا الإيمانَ ويُزَيِّنَهُ في قُلوبِنا، وأن يُكرِّهَ إلينا الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ ويجعلنا من الرَّاشدين، ويُشَرِّفَنا بخدمةِ هذا الدِّينِ، وأن نظهرَ بخيرِ مظهرٍ: «كلُّ رجلٍ من المسلمينَ على ثَغرٍ من ثَغرِ الإسلامِ، اللهَ اللهَ أن يُؤتَى الإسلامُ من قِبَلِكَ» رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة.

وإنا لله وإنا إليه راجعون، ربَّنا لا تؤاخذنا بما فعل السُّفهاءُ منَّا، ربَّنا إنَّا لا نرضى بهذا المنكرِ ولا نقدرُ على رَدِّهِ، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله العليِّ العظيمِ. والحمدُ لله ربِّ العالمين.

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دعوةً صالحةً

 

 2008-02-18
 43166
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 

التعليقات [ 6 ]

أبو الخير
 2008-03-02

بسم الله الرحمن الرحيم
عذراً سيدي رسول الله, فهم قوم أخبرنا عنهم مولانا بقوله: {قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر}, ووالله لو انقلب هؤلاء كلهم ومن كان على شاكلتهم إلى كناسين ليثيروا الغبار ما أثاروه إلا على رؤوسهم, ولن يصل إلى جنابك يا سيدي منه شيء, ولكنهم ظنوا أن بفعلتهم هذه سيحجبون نور الشمس.
هو الشمس إلا أن في الكون نوره *** يدوم ونور الشمس ليس يدوم
ولكن ما هو واجبنا نحن المسلمين تجاه ما يحدث؟
أرى أن الواجب علينا كما قال فضيلة الشيخ أن نجدد عهد الولاء والمحبة والاتباع مع سيد الوجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, وأن نعاهده على السير على نهجه, ثم أن نقاطع هؤلاء الأقزام (أبناء القردة والخنازير) مقاطعة تامة, وهذا ما ينبغي أن تقوم به الدول الإسلامية قبل الأفراد.
نسأل الله تعالى أن يردنا إلى ديننا رداً جميلاً.

 2008-02-28

ما أبهى وأحلى وأقوى وأعلى هذه الكلمات التي عبرتم فيها سيدي عن نظرة أولئك الأقزام الشراذم الذين ما زالوا يعيشون حياة العنصرية والعصبية المقنعة بقناع الحب المزيف للمسلمين,.فأي حضارة تسوغ لأصحابها الاستهزاء والاستحقار بمقدسات الآخرين؟! هذه هي الحضارة التي خدع فيها الكثير من المسلمين هداهم الله وأصلحهم..
ولا ننسى بأن هذه الأعمال جزء من المخططات الأمريكية الصهيونية كما تبين ذلك أبحاث راند الأمريكية.
نشكر سماحة مفتي الباب على هذا الرد الطيب الذي بيَّن فيه معنى الحب والصفاء والولاء لسيد الأنبياء والأصفياء عليه أفضل الصلاة والسلام.

 2008-02-22

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أرسل المقال لأصدقائك واطلب منهم الإرسال لأكبر عدد ممكن إذا رأيت في ذلك خيراً وجزاك الله خيراً, وجزى الله عنا سيدنا محمداً خير ما جزى نبياً عن أمته صلى الله عليه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 2008-02-21

وأنا بدوري يا رسول الله أعتذر لك مما فعله هؤلاء الأعداء, وعهداً مني لك أن أبقى على درب الإيمان ما حييت إن شاء الله.

 2008-02-21

جزاك الله تعالى خيراً يا سيدي ونفعنا الله بك وأدامك ذخراً لهذه الأمة, وأرجو الله عز وجل أن يطيل في عمرك وأرجو من الله عز وجل أن يمحق كل المسيئين لحضرة نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم

 2008-02-19

السلام عليكم ورحمة الله سيدي:
لن تبلغ الدنمارك شسع نعاله * * * لشسع نعل نبينا الأرواح

 

مواضيع اخرى ضمن  مشكلات و حلول

04-07-2013 22631 مشاهدة
56ـ مشكلات وحلول: الترك ليس حجة في التحريم

فالفَتوى فَرضٌ على الكِفايَةِ، ولم تَكُنِ الفَتوى فَرضَ عَينٍ، لأنَّها تَقتَضي تَحصِيلَ عُلومٍ جَمَّةٍ، فَلَو كُلِّفَها كُلُّ وَاحِدٍ لأَفضَى إلى تَعطيلِ أَعمالِ النَّاسِ ومَصالِحِهِم، لانصِرافِهِم إلى تَحصِيلِ عُلومٍ بِخُصوصِهَا. ... المزيد

 04-07-2013
 
 22631
04-07-2013 24136 مشاهدة
55ـ مشكلات وحلول: هل تسقط صلاة الجمعة عمن أكل الثوم أو البصل؟

هل تسقط صلاة الجمعة عمن أكل الثوم أو البصل؟ أم تجب عليه ويكون آثماً بإيذائه للمسلمين بالرائحة الكريهة؟ ... المزيد

 04-07-2013
 
 24136
08-03-2012 67504 مشاهدة
54ـ مشكلات وحلول: اطلاع كل من الزوجين على هاتف الآخر

سؤال: هل هناك حرج شرعي من الاطلاع على هاتف الزوج الخاص به، حيث جعل له رقماً سرياً، وبإمكاني اختراق هذا الرقم؟ ... المزيد

 08-03-2012
 
 67504
08-03-2012 65312 مشاهدة
53ـ مشكلات وحلول: اشترطت على زوجها أن لا يتزوَّج عليها

سؤال: هل يجوز للمرأة أن تشترط على زوجها أثناء العقد أن لا يتزوَّج عليها؟ ... المزيد

 08-03-2012
 
 65312
21-01-2012 60304 مشاهدة
52ـ مشكلات وحلول: حكم عمل المرأة سكرتيرة

سؤال: هل يجوز للمرأة المسلمة أن تعمل كسكرتيرة بسبب حاجتها المادية؟ ... المزيد

 21-01-2012
 
 60304
21-01-2012 57457 مشاهدة
51ـ مشكلات وحلول: الحديث مع المرأة الأجنبية

سؤال: ما حكم الشرع في حديث الرجل مع المرأة الأجنبية من غير ضرورة؟ ... المزيد

 21-01-2012
 
 57457

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3152
المكتبة الصوتية 4740
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411764819
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :