أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

5042 - هل تطلب الطلاق من زوجها لأنها تشكُّ فيه بأنه زانٍ؟

09-04-2012 40381 مشاهدة
 السؤال :
هل يجوز للمرأة المسلمة أن تطلب الطلاق من زوجها لأنها تشك فيه بأنه رجل زانٍ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 5042
 2012-04-09

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: سوء الظنِّ بالمسلم كبيرة من الكبائر الباطنة، والله تبارك وتعالى يقول: {وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ}، وهو سبب من أسباب مرض القلب، والله تعالى يقول: { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُون * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم}.

وصاحب الظنِّ السيئ يذمُّ أكثر مما يذمُّ الزاني وشارب الخمر والسارقُ؛ لأنَّ سوء الظنِّ ملازم صاحبه في سائر أحواله، بخلاف آثار معاصي الجوارح، لأنها سريعة الزوال، تزول بالتوبة والاستغار والحسنات الماحية، وأخرج ابن مردويه وابن النجار في تاريخه عن السيدة عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: (من أساء بأخيه الظنَّ فقد أساء بربِّه، إن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ}).

ويقول ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى في مختصر منهاج القاصدين: فليس لك أن تظنَّ بالمسلم شرّاً، إلا إذا انكشف أمر لا يحتمل التَّأويل، فإن أخبرك بذلك عدل، فمال قلبك إلى تصديقه، كنت معذوراً، لأنَّك لو كذَّبته كنت قد أسأت الظَّنَّ بالمخبِر، فلا ينبغي أن تحسن الظَّنَّ بواحد وتسيئه بآخر، بل ينبغي أن تبحث هل بينهما عداوة وحسد، فتتطرَّق التُّهمة حينئذ بسبب ذلك.

ومتى خطر لك خاطر سوء على مسلم، فينبغي أن تزيد في مراعاته وتدعو له بالخير، فإنَّ ذلك يغيظ الشَّيطان ويدفعه عنك، فلا يلقي إليك خاطر السُّوء خيفة من اشتغالك بالدُّعاء والمراعاة. وإذا تحقَّقت هفوة مسلم، فانصحه في السِّرِّ.

واعلم أنَّ من ثمرات سوء الظَّنِّ التَّجسُّس، فإنَّ القلب لا يقنع بالظَّنِّ، بل يطلب التَّحقيق فيشتغل بالتَّجسُّس، وذلك منهيٌّ عنه، لأنَّه يوصل إلى هتك ستر المسلم، ولو لم ينكشف لك، كان قلبك أسلم للمسلم.

ثانياً: التجسُّس في الأصل حرام منهيٌّ عنه، لقوله تعالى: {وَلاَ تَجَسَّسُوا}، ولقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ، وَلا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ) رواه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ثالثاً: قذف المحصَن والمحصَنَة حرام، وهو كبيرة من الكبائر، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون}، وهو من السبع الموبقات، كما جاء في الحديث الشريف: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاتِ) رواه البخاري ومسلم.

رابعاً: لا يجوز للمرأة المسلمة أن تطلب الطلاق من زوجها من غير عذر شرعيٍّ، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ) رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.

وبناء على ذلك:

فيجب على المرأة المسلمة أن تحسن الظنَّ بزوجها، وأن تعاشره بالمعروف، وإذا رابها شيء فعليها أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بشكل عامٍّ، فإذا ثبت لها بأنَّ زوجها ـ لا قدَّر الله ـ زانٍ، وهو مصرٌّ على ذلك، فلها أن تطلب الطلاق من زوجها.

أما بمجرَّد الظنِّ فهذا حرام عليها، ولا يجوز لها أن تطلب الطلاق من زوجها. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
40381 مشاهدة