أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

8510 - ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾

30-11-2017 406 مشاهدة
 السؤال :
ما تفسير قول الله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8510
 2017-11-30

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّٰهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾. هُوَ كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾.

هَاتَانِ الآيَتَانِ تَتَحَدَّثَانِ عَنْ يَمِينِ اللَّغْوِ، وَيَمِينِ الغَمُوسِ، وَاليَمِينِ المُنْعَقِدَةِ.

فَيَمِينُ الغَمُوسِ: هِيَ اليَمِينُ الكَاذِبَةُ عَمْدَاً في المَاضِي مَعَ عِلْمِهِ بِالحَالِ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيمَا يَقُولُ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَلَى النَّفْيِ أَمْ عَلَى الإِثْبَاتِ، كَأَنْ يَقُولَ: وَاللّٰهِ مَا فَعَلْتُ كَذَا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ فَعَلَهُ، أَو وَاللّٰهِ لَقَدْ فَعَلْتُ كَذَا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ.

هَذِهِ اليَمِينُ التي قَالَ اللّٰهُ تعالى فِيهَا: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾. وَقَالَ فِيهَا: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾.

وَيَمِينُ اللَّغْوِ: هِيَ اليَمِينُ التي تَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ، كَقَوْلِهِمْ: لَا وَاللّٰهِ، بَلَى وَاللّٰهِ؛ أَيْ: مِنْ غَيْرِ قَصْدِ اليَمِينِ، فَيَسْبِقُ اللِّسَانُ إلى لَفْظِهَا بِلَا قَصْدٍ لِمَعْنَاهَا.

وَأَمَّا اليَمِينُ المُنْعَقِدَةُ: فَهِيَ اليَمِينُ عَلَى أَمْرٍ سَيَفْعَلُهُ الحَالِفُ في المُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ قَاصِدٌ اليَمِينَ.

وبناء على ذلك:

فَيَمِينُ اللَّغْوِ التي تَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهَا العَبْدُ.

أَمَّا اليَمِينُ المُؤَاخَذُ بِهَا فَهِيَ اليَمِينُ الغَمُوسُ التي تَعَمَّدَ فِيهَا الحَالِفُ الكَذِبَ مَعَ عِلْمِهِ بِالكَذِبِ، لِأَنَّهُ عَزَمَ بِقَلْبِهِ عَلَى الكَذِبِ، وَنَطَقَ بِلِسَانِهِ اليَمِينَ الكَاذِبَةَ، وَهَذِهِ المُشَارُ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾.

وَأَمَّا الآيَةُ الثَّانِيَةُ التي قَالَ اللّٰهُ تعالى فِيهَا: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾. فتَحَدَّثَتْ عَنْ يَمِينِ اللَّغْوِ، فَالعَبْدُ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ عَلَيْهَا.

أَمَّا اليَمِينُ التي حَلَفَهَا العَبْدُ عَلَى أَمْرٍ سَيَفْعَلُهُ في المُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ قَاصِدٌ اليَمِينَ، فَهِيَ لَيْسَتْ بِلَغْوٍ وَلَا غَمُوسٍ، بَلْ هِيَ يَمِينٌ مَعْقُودَةٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ نَفْيَاً أَمْ إِثْبَاتَاً، كَأَنْ يَقُولَ: وَاللّٰهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، أَو وَاللّٰهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا.

فَيَمِينُ اللَّغْوِ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا.

وَاليَمِينُ المُنْعَقِدَةُ إِذَا حَنَثَ فِيهَا فَفِيهَا الكَفَّارَةُ.

أَمَّا يَمِينُ الغَمُوسِ التي تَغْمِسُ صَاحِبَهَا في الإِثْمِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ في وُجُوبِ الكَفَّارَةِ فِيهَا.

فذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ إلى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، بَلْ تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهَا، وَرَدُّ الحُقُوقِ إلى أَهْلِهَا، إِنْ كَانَتْ هُنَاكَ حُقُوقٌ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّٰهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنَاً قَلِيلَاً أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللّٰهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ (أَيْ: يَمِينَاً أُلْزِمَ بِهَا وَحُبِسَ بِسَبَبِهَا) يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللّٰهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللّٰهِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَقِيَ اللّٰهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئَاً، وَأَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ، طَيِّبَاً بِهَا نَفْسُهُ مُحْتَسِبَاً، وَسَمِعَ وَأَطَاعَ، فَلَهُ الْجَنَّةُ ـ أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ ـ وَخَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ: الشِّرْكُ بِاللّٰهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ بَهْتُ مُؤْمِنٍ، أَوِ الْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ، أَوْ يَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَاً بِغَيْرِ حَقٍّ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَجِبُ فِيهَا الكَفَّارَةُ، مَعَ إِعَادَةِ الحُقُوقِ لِأَصْحَابِهَا، إِنْ كَانَتْ هُنَاكَ حُقُوقٌ. هذا، واللّٰه تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
406 مشاهدة
الملف المرفق