أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

6043 - التوفيق بين حديثين

17-12-2013 26968 مشاهدة
 السؤال :
كيف نوفق بين حديث: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ. وبين حديث: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» رواه الترمذي وابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ؟.
 الاجابة :
رقم الفتوى : 6043
 2013-12-17

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: لا تَعارُضَ بَينَ الحَديثَينِ الشَّريفَينِ، فالحَديثُ الأوَّلُ يَحُضُّ فيه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأُمَّةَ على الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ، وهذا يَعني كُلَّ مُسلِمٍ، وهوَ جُزءٌ من التَّكليفِ الذي كَلَّفَهُ اللهُ تعالى إيَّاهُ، وذلكَ لِقَولِهِ تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾.

ومن تَرَكَهُ وهوَ قادِرٌ عَلَيهِ فقد استَوجَبَ اللَّعنَةَ والعِياذُ بالله تعالى، قال تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُون * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُون﴾.

وأمَّا الحَديثُ الثَّاني فالمَقصودُ منهُ ـ واللهُ تعالى أعلَمُ ـ أن تَترُكَ أمراً لو تَرَكتَهُ لم يَفُتْكَ فيهِ ثَوابٌ، ولا يَلحَقُ لكَ به ضَرَرٌ، ولا تَفوتُكَ بهِ مَصلَحَةٌ، ولا تَأثَمُ في تَرْكِهِ.

مِثلُ سُؤالِ: ماذا أكَلتَ؟ وماذا شَرِبتَ؟ وبِكَمِ اشتَرَيتَ هذا؟ أرِني هذهِ الرِّسالَةَ التي وَصَلَتْكَ! لماذا طَلَّقتَ زَوجَتَكَ؟ بِكَمِ اشتَرَيتَ هذا البَيتَ وهذهِ السَّيَّارَةَ؟ أينَ ذاهِبٌ؟ وأينَ كُنتَ؟ وهكذا.......

ثانياً: كَمِ الأُمَّةُ اليَومَ بِحَاجَةٍ إلى الالتِزامِ بِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ».

روى ابن أبي الدنيا عن مُحَمَّدِ بنِ كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ  قال: «إنَّ أوَّلَ مَن يَدخُلُ من هذا البابِ رَجُلٌ من أهلِ الجَنَّةِ».

فَدَخَلَ عَبدُ الله بنُ سَلامٍ، فَقَامَ إلَيهِ نَاسٌ من أصحابِ رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأخبَروهُ بِذلكَ وقالوا: أخبِرْنا بِأَوثَقِ عَمَلٍ في نَفسِكَ تَرجو به.

فقال: إنِّي لَضَعيفٌ، وإنَّ أوثَقَ ما أرجو به الله سَلامَةُ الصَّدْرِ، وتَرْكُ ما لا يَعنِينِي».

وقِيلَ للُقمانِ الحَكيمِ: مَا بَلَغَ بِكَ مَا نَرَى؟ يُرِيدُونَ الْفَضْلَ.

فَقَالَ لُقْمَانُ: صِدْقُ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ، وَتَرْكُ مَا لَا يَعْنِينِي. رواه البيهقي.

وعن أبي داود قال: نَظَرتُ في الحَديثِ المُسنَدِ، فإذا هوَ أربَعَةُ آلافِ حَديثٍ، ثمَّ نَظَرتُ فإذا مَدارُ الأربَعَةِ آلافِ حَديثٍ على أربَعَةِ أحاديثَ: حَديثِ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: «الحَلالُ بَيِّنٌ والحَرامُ بَيِّنٌ». وحَديثِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ: «إنَّما الأعمالُ بِالنِّيَّاتِ». وحَديثِ أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ: «إنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقبَلُ إلا طَيِّباً، وإنَّ اللهَ أمَرَ المؤمنِينَ بما أمَرَ به المُرسَلينَ». وحَديثِ: «مِنْ حُسنِ إسلامِ المَرءِ تَرْكُهُ ما لا يَعنيهِ».

قال: فَكُلُّ حَديثٍ مِنْ هَذهِ رُبُعُ العِلمِ.

وبناء على ذلك:

فلا تَعارُضَ بَينَ الحَديثَينِ الشَّريفَينِ، إذْ كُلُّهُ وَحْيٌ من الله تعالى، قال تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى﴾. وقال تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً﴾. ولو حَصَلَ التَّعارُضُ فهوَ في عُقولِنا نَحنُ وفي أفهامِنا، ولَيسَ في ذاتِ النُّصوصِ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
26968 مشاهدة