أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

4943 - الحكمة من إعادة الوضوء لمن أكل لحم الإبل, وهل خلقت من الجن؟

08-03-2012 30946 مشاهدة
 السؤال :
ما هي الحكمة من إعادة الوضوء لمن أكل لحم الإبل؟ وهل صحيح أنها من الجن؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 4943
 2012-03-08

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا تُصَلُّوا فِي عَطَنِ الإِبِلِ، فَإِنَّهَا مِنَ الجِنِّ خُلِقَتْ، أَلا تَرَوْنَ عُيُونَهَا وَهِبَابَهَا إِذَا نَفَرَتْ، وَصَلُّوا فِي مُرَاحِ الغَنَمِ، فَإِنَّهَا هِيَ أَقْرَبُ مِن الرَّحْمَةِ). وفي رواية للإمام أحمد وأبي داود وابن ماجه: (صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَلا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ، فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِن الشَّيَاطِينِ).

ويقول الإمام الباجي المالكي رحمه الله تعالى في المنتقى شرح الموطأ: (يُحتمل أن يكون خصَّ الإبلَ بذلك، لما رويَ أنها خُلِقت من الجنِّ، فاستعاذ بالله من سوء ما خُلِقت منه، مخافة أن يكون في الإبل شيءٌ من أخلاق مَنْ خُلِقَت منه. وقد قيل: إنَّ معنى ما روي أنها خُلِقت من الجنِّ أنَّ فيها منَ النِّفارِ والحِدَّةِ والأذى والصَّوْلِ إذا هاجت ما شُبِّهَتْ من أجله بالجنِّ، فعلى هذا أيضاً يحتمل أن يؤمر أن يستعيذ بالله من الشيطان الذي شُبِّهَ به ما اشتراه بِشَرِّهِ وأذاه، وربما سببت له أسباب الشرِّ، وحمله على النفاق والأذى والترويع والهيجان وغير ذلك، والله أعلم).

ويقول ابن عابدين رحمه الله تعالى في حاشيته: (وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ الإِبِلِ مِن الشَّيَاطِينِ أَنَّهَا خُلِقَتْ عَلَى صِفَةٍ تُشْبِهُهُمْ مِن النُّفُورِ وَالإِيذَاءِ، فَلا يَأْمَنُ المُصَلِّي مِنْ أَنْ تَنْفِرَ وَتَقْطَعَ عَلَيْهِ صَلاتَهُ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، أَيْ فَيَبْقَى بَالُهُ مَشْغُولاً، خُصُوصًا حَالَ سُجُودِهِ، وَبِهَذَا فَارَقَتْ الغَنَمُ).

ويقول الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير: قال ابن جرير: معناه أنها خُلقت من طباع الشياطين، وأنَّ البعير إذا نفر كان نِفاره من شيطان يعدو خلفه فينفِّره، ألا ترى إلى هيئتها وعينها إذا نفرت؟

ويقول ابن حبان في صحيحه: قال أبو حاتم رضي الله عنه: لو كان الزجر عن الصلاة في أعطان الإبل لأجل أنها خُلِقت من الشياطين، لم يصلِّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على البعير، إذ مُحال أن لا تجوز الصلاة في المواضع التي قد يكون فيها الشيطان، ثم تجوز الصلاة على الشيطان نفسه، بل معنى قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: «إنها خلقت من الشياطين» أراد به أن معها الشياطين على سبيل المجاورة والقرب.

ثانياً: يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (وَإِنَّ القَسْوَةَ وَغِلَظَ القُلُوبِ فِي الفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ، حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية: (الجَفَاءُ وَالقَسْوَةُ وَغِلَظُ القُلُوبِ فِي الفَدَّادِينَ أَهْلِ الوَبَرِ، عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ مِنْ رَبِيعَةَ وَمُضَرٍ) رواه الطبراني. والفدَّادون هم الجمَّالون.

وبناء على ذلك:

أولاً: أكل لحم الإبل لا ينقض الوضوء عند جمهور الفقهاء، وعند الحنابلة ناقض للوضوء.

ثانياً: الإبل ليست من الجنِّ، ولكنَّ فيها طباعها.

ثالثاً: والحكمة من الوضوء بعد أكل لحم الإبل عند من قال به هو قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إِنَّ الغَضَبَ مِن الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ) رواه الإمام أحمد وأبو داود. فآكل لحم الجمل يصبح فيه الفظاظة والغلاظة، والوضوء يطفئها.

وجاء في الإنصاف للمرداوي: (قُلْت: الصَّحِيحُ مِن المَذْهَبِ أَنَّ الوُضُوءَ مِنْ لَحْمِ الإِبِلِ تَعَبُّدِيٌّ، وَعَلَيْهِ الأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ المَشْهُورُ. وَقِيلَ: هُوَ مُعَلَّلٌ؛ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهَا مِن الشَّيَاطِينِ، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: (عَلَى ذِرْوَةِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ) [رواه الإمام أحمد وابن خزيمة والحاكم وابن أبي شيبة والطبراني]، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا أَوْرَثَ ذَلِكَ قُوَّةً شَيْطَانِيَّةً، فَشُرِعَ وَضُوءُهُ مِنْهَا لِيُذْهِبَ سُورَةَ الشَّيْطَانِ). هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
30946 مشاهدة