أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

762 - رجل أوصل إلي ضراً فحقدت عليه

06-01-2008 64 مشاهدة
 السؤال :
رجل أوصل إليَّ ضرّاً، فوجدت في نفسي عليه الكثير، حتى بدأت أشعر بالحقد عليه، ولا أدري الطريق للتخلص من هذا الأمر، لأنه يضايقني كثيراً، فأرجو التكرم بإرشادي إلى الطريق الذي يخلصني من هذا.
 الاجابة :
رقم الفتوى : 762
 2008-01-06

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: يجب علينا أن نتدبر قول الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: 112]، ونتدبر قوله تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51]. ولنتنبه إلى قوله تعالى: {لَنَا}، فهذه الكلمة تدل على أن الأمر مغنم وليس مغرماً، ولو كان في ظاهره مكروهاً، وذلك لقوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].

إذاً علينا أن نتقبَّل القدر بالرضى ولو كان في ظاهره مرّاً، من خلال قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 232]. كم من أمر مكروه نزل بالعبد، ولكن بعد حين لما انجلت له الأمور على حقيقتها رأى الخير من خلال هذا المكروه.

لذلك يقول بعض العلماء في تفسير قول الله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20]: إن النعمة الباطنة ما كانت في ظاهرها نقمة وفي باطنها نعمة.

ثانياً: يجب علينا أن نتدبر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، هذا يجب أن يكون راسخاً في قلوبنا، طالما أنه كتب علينا فنرضى، لأن الذي قضى إنما هو رب رحيم، وهو أرحم بالعبد من الأم على وليدها.

ثالثاً: علينا أن نراجع الحسابات بيننا وبين أنفسنا، لأن هذا الضر الذي وصل عن طريق هذا العبد، ما جاء من فراغ، وذلك لقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، ولقوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79].

رابعاً: علينا أن نعلم بأن هذا الضر الذي أصابنا هو في الحقيقة تطهير لنا، وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له» رواه مسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا همٍّ ولا حزن ولا أذى ولا غمٍّ، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه» رواه البخاري، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «عجباً للمؤمن لا يقضي الله له شيئاً إلا كان خيراً له» رواه أحمد.

خامساً: علينا أن نتدبر قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} [الفرقان: 20]، كلُّنا اختبار لكلِّنا، فهل نصبر؟ وكيف يتميز العبد صاحب القلب السليم عن غيره؟ ألم يقل مولانا جل وعلا: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37]؟ كيف يكون هذا التمييز؟

سادساً: ربَّ ضُرٍّ أصابك أوقفك على باب مولاك متضرِّعاً متذلِّلاً، وبصبرك على الضرِّ أظهرت حقيقة إيمانك وصدقك، ألم يقل مولانا جل شأنه: { الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت]؟

سابعاً: الله تعالى يقول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عمران: 179]، ماذا خبّأ الله لك في الغيب بصبرك على من أساء إليك أنت لا تعرفه؟ كم من مكروه كان لصالح العبد، ولكن العبد لا يعلم، واعتبرْ بقصة سيدنا موسى عليه السلام مع سيدنا الخضر عليه السلام، عندما خرق الخَضِرُ السفينةَ في نهاية الأمر لصالح من؟ وعندما قتل الغلام في نهاية الأمر لصالح من؟ وعندما بنى الجدار في نهاية الأمر لصالح من؟

ثامناً: أنت لا تدري، لولا هذا الضر ما هي نتيجتك؟ كم من عبد وقع في العجب والغرور عندما جاءت الأقدار على وفق ما يريد؟

تاسعاً: لو أطلعك الله على ما أعدَّ لك جزاءً على صبرك ربما شكرت من أساء إليك، لولا وحشي لما كان سيدنا حمزة رضي الله عنه سيد الشهداء، فَبِهِ صار سيد الشهداء، ثم تداركت رحمة الله وحشياً فهداه للإسلام، والإسلام يجبُّ ما قبله.

عاشراً: الله تبارك وتعالى يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب: 21] هل لاقيت من الضرِّ ما لاقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: قطعاً لا، هل قرأت في سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ـ حاشاه ـ كان حاقداً على من أساء إليه؟ الجواب: قطعاً لا، على العكس من ذلك تماماً، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» رواه البيهقي في شعب الإيمان، وحديث الطائف كلنا يعرفه عندما قال له جبريل: «إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوه عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال فسلم عليّ ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يُخرِج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً» رواه البخاري ومسلم.

حادي عشر: أكثر من الدعاء: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].

واعلم بأن الحقد والحسد والغلَّ يؤذي قلبك قبل أن يؤذي غيرك، والله يحبُّ العبد الذي يعفو ويصفح، ولنتذكر قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت: 34]، وقوله: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]، وقوله: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الجاثية: 14]. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
64 مشاهدة
الملف المرفق