أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

2471 - قتل المريض الذي استعصى علاجه

03-11-2009 16678 مشاهدة
 السؤال :
نسمع الآن عن بعض الدول الغربية بأنه يبيحون قتل المريض إذا استعصى علاجه، أو وصل الإنسان إلى درجة الشيخوخة، وذلك بطلقة رصاص يقال عنها: طلقة رحمة، أو بحقنة إبرة تودي بحياة المريض أو الكبير، فما حكم هذا القتل في الشرع؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 2471
 2009-11-03

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن قتل الإنسان نفسَه أو غيرَه جريمة كبرى، وكبيرة من الكبائر، وذلك لقوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، ولقوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) رواه البخاري ومسلم.

ويقول تبارك وتعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، ويقول تبارك وتعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، ويقول جلَّت قدرته: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ}.

وقد أجمع الفقهاء والعلماء على عدم جواز قتل الإنسان نفسه أو قتل غيره بغير حقٍّ، وأوجبوا على الطبيب أن يعالج المريض لجلب النفع له، ودفع الضر عنه، ويحرم عليه أن يستجيب لطلب المريض بإنهاء حياته، وذلك لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، ولأن المريض لا يملك نفسه حتى يتصرَّف فيها كيف يشاء، بل هو ملك لله عز وجل، قال تعالى: {لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ}.

وبناء على ذلك:

فيحرم على المرء أن يقتل نفسه للتخلُّص من الآلام أو الشيخوخة، ويحرم على الطبيب وغيره إعانته على التخلُّص من الحياة بسبب الآلام والشيخوخة، وفعل ذلك كبيرة من الكبائر.

وهذا الأمر ليس ببعيد عن الدول الغربية الذي يعيشون حياة الشقاء والضنك في حال صحَّتهم، فكيف لا يعيشون هذا في أيام شيخوختهم أو أيام مرضهم؟ ونحن لا نستغرب أن يشرِّع لهم المشرِّعون جواز القتل في مثل هذه الأحوال.

أما نحن ـ بفضل الله عز وجل ـ فقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المحجَّة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فلقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا ييئس الإنسان من روح الله ورحمته، لأن الله على كل شيء قدير، قال تعالى: {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون}.

بل حذَّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يدعوَ الإنسان على نفسه بالموت لِضُرٍّ نزل به، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ فَاعِلاً فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي) رواه البخاري ومسلم. وشدَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم على من تسوِّل له نفسه قتلَ نفسه، فقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) رواه البخاري ومسلم.

وعلَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه الابتلاءات إنما هي تكفير للخطايا ورفع في الدرجات، فقال صلى الله عليه وسلم: (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) رواه البخاري. وقال تبارك وتعالى: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا}، فهذه الابتلاءات في الحقيقة للعبد وليس عليه، فهي مَغْنَم للمؤمن وليس مَغرَماً.

كما علَّمنا بأن آجالنا لا يستطيع أحدٌ أن يقدِّمها لحظة أو يؤخِّرها لحظة، قال تعالى: {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُون}، وكما علَّمنا بأن الإنسان لن يموت إلا بإذن الله تعالى، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً}.

وعلَّمنا صلى الله عليه وسلم بأن الدعاء يردُّ القضاء، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلا الدُّعَاءُ) رواه الترمذي، وكم من حالة استعصت على الأطباء، وبعد لحظات برئ المريض، فالمؤمن على يقين من قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِين * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِين}.

فلله الحمد على نعمة الإسلام والإيمان، نسأل الله أن يثبِّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يمتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحيانا. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
16678 مشاهدة