أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

3297 - كيف يحاسب الكافر على كفره ما دام مقدراً عليه؟

28-09-2010 17348 مشاهدة
 السؤال :
هل كتب الله سبحانه وتعالى على الكافر أن يكون كافراً؟ وإذا كان كذلك فكيف يحاسبه على أمرٍ لا علاقة له به؟ وما شرح الحديث التالي: (احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنْ الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالاتِهِ وَبِكَلامِهِ، ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى مَرَّتَيْنِ)؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 3297
 2010-09-28

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فالله تبارك وتعالى عالم، وليس علمه كعلم البشر، تعالى عن ذلك علواً كبيراً، فالله تبارك وتعالى يعلم الأشياء قبل وجودها وأثناء وجودها وبعد وجودها، ولو كان الله تعالى لا يعلم الأشياء إلا بعد وجودها لكان علمه كعلم البشر، والله تعالى منزَّه عن مشابهة الخلق، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}.

وصفة العلم كما يقول علماء التوحيد هي صفة كاشفة، بمعنى أنها ليست ملزمة كصفة القدر، فالله تعالى بعلمه السابق يعلم بأن هذا العبد سيكون كافراً، فكتب عنده بأن هذا العبد كافر، وأخفى على الناس علمه، وطلب منه الإيمان فإذا هو باختياره يختار الكفر على الإيمان، ويكون هذا الاختيار موافقاً لعلم الله عز وجل، قال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون}.

وبناء على ذلك:

فكتابة الله تعالى ماذا سيكون العبد ليست إلزاماً للعبد أن يكون كما كتب، بل صفة العلم صفة كاشفة، لأن الله تعالى أعطاه حرية الاختيار، قال تعالى: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا}.

والله تبارك وتعالى سوف يحاسبه على اختياره، فعندما يختار الخير يجازيه عليه، وعندما يختار الشر يجازيه عليه، قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}.

وأما بالنسبة للحديث الشريف، فالحديث رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه سلم: (احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنْ الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالاتِهِ وَبِكَلامِهِ ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى مَرَّتَيْنِ).

أولاً: هذه المحاجَّة إما أن تكون في عالم البرزخ بالأرواح، وإما بالاجتماع مع بعضهما البعض في عالم البرزخ، وقد ثبت في حديث المعراج بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه سلم اجتمع بالأنبياء، وإما أحياهم الله تعالى كما أحيى الشهداء.

ثانياً: سيدنا آدم وسيدنا موسى عليهما السلام تحاجَّا بعد خروجهما من دار التكليف، وهما في ذلك سواء لا يقدر أحدهما على أن يُسقط الأصل الذي هو القدر، ولا يُبطل الفعل الذي هو السبب.

ثالثاً: دفع سيدُنا آدم عليه السلام حجةَ سيدنا موسى عليه السلام باللوم له، بأن هذا أمر مقدَّر عليه قبل أن يُخلق، فكان سيدنا آدم عليه السلام هو الغالب.

رابعاً: يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: معناه أنك تعلم أنه مقدَّر فلا تلمني، وأيضاً اللوم شرعي لا عقلي، وإذا تاب الله عليه وغفر له زال عنه اللوم، فمن لامه كان محجوجاً بالشرع.

فإن قيل: فالعاصي منَّا لو قال: هذه المعصية كانت بتقدير الله تعالى لم تسقط عنه الملامة.

قلنا: هو باقٍ في دار التكليف جارٍ عليه أحكام المكلفين، وفي لومه زجر له ولغيره. وأما آدم فميت خارج عن هذه الدار وعن الحاجة إلى الزجر، فلم يكن في هذا القول فائدة سوى التخجيل ونحوه.

وقال التوربشتي: ليس من معنى قول آدم عليه الصلاة والسلام: (كتبه الله عليَّ) ألزمني به وأوجبه عليَّ فلم يكن لي في تناول الشجرة كسبٌ واختيار، وإنما المعنى: أثبته في أمِّ الكتاب قبل كوني، وحَكَمَ بأنَّ ذلك كائنٌ لا محالةَ، لعلمه السابق، فهل يمكن أن يصدرَ عني خلافُ علمِ الله، فكيف تغفلُ عن العلم السابق، وتذكر الكسب الذي هو السبب، وتنسى الأصل الذي هو القدر، وأنت ممن اصطفاك الله من المصطفين الأخيار الذين يشاهدون سرَّ الله من وراء الأستار؟ هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
17348 مشاهدة