99ـ كلمات في مناسبات: شهر رمضان شهر التغيير

99ـ كلمات في مناسبات: شهر رمضان شهر التغيير

 

99ـ كلمات في مناسبات: شهر رمضان شهر التغيير

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَظَلَّ الأُمَّةَ شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ الذي هُوَ خَيْرُ الشُّهُورِ، لِأَنَّ القُرْآنَ العَظِيمَ نَزَلَ فِيهِ، قَالَ تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدَىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾.

أَظَلَّ هَذَا الشَّهْرُ الذي فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، لِنُزُولِ القُرْآنِ الكَرِيمِ فِيهَا، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾.

هَذَا الشَّهْرُ العَظِيمُ المُبَارَكُ يُذَكِّرُ المُسْلِمِينَ بِرَبِّهِمْ، وَيُذَكِّرُهُمْ بِكِتَابِ رَبِّهِمْ، وَيُذَكِّرُهُمْ بِالعِزِّ الذي كَانُوا عَلَيْهِ ثُمَّ فَقَدُوهُ، وَيُذَكِّرُهُمْ بِالمَكَانَةِ التي هَبَطُوا عَنْهَا، وَيُذَكِّرُهُمْ بِالمُهِمَّةِ التي خُلِقُوا مِن أَجْلِهَا.

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ يَدْعُو الأُمَّةَ التي تَنَكَّبَتِ الطَّرِيقَ المُسْتَقِيمَ، وَسَلَكَتْ طَرِيقَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ، وَإِضَاعَةِ الصَّلَوَاتِ، يَدْعُوهُمْ للاصْطِلَاحِ مَعَ اللهِ تعالى، وَلِغَسْلِ الذُّنُوبِ وَالآثَامِ، وَيَدْعُوهُمْ للارْتِبَاطِ بِكِتَابِ اللهِ تعالى وَسُنَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى يَرْفَعَهُمُ اللهُ تعالى إلى المُسْتَوَى الذي كَانُوا عَلَيْهِ ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾.

القُرْآنُ الكَرِيمُ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَأْتِي شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ القُرْآنِ لِيُذَكِّرَ الأُمَّةَ كَيْفَ كَانَتْ قَبْلَ القُرْآنِ، وَكَيْفَ صَارَتْ بَعْدَهُ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانَاً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.

لِيُذَكِّرَ الأُمَّةَ بِأَنَّهَا مَا رُفِعَت إِلَّا عِنْدَمَا الْتَزَمَتْ كِتَابَ اللهِ تعالى الذي يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ في جَمِيعِ الشُّؤُونِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرَاً كَبِيرَاً﴾.

هَذَا القُرْآنُ العَظِيمُ مَنِ اتَّبَعَهُ لَا يَخَافُ وَلَا يَحْزَنُ، وَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ القُرْآنِ العَظِيمِ لِيُذَكِّرَ الأُمَّةَ بِأَنَّ الإِعْرَاضَ عَنْهُ سَبَبٌ لِحَيَاةِ الشَّقَاءِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾.

بِكُلِّ أَسَفٍ أَعْرَضَتِ الأُمَّةُ عَنْ كِتَابِ رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ، وَضَيَّعُوا هَذَا الـشَّرَفَ العَظِيمَ، وَجَعَلُوهُ خَلْفَ أَظْهُرِهِمْ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى، ابْتَعَدُوا عَنْهُ ابْتِعَادَاً كَثِيرَاً، نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى.

وَعِنْدَمَا صَارَ هَذَا حَالُهُمْ ضَاعَتْ دِيَارُهُمْ، وَانْتُهِبَتْ خَيْرَاتُهُمْ، وَتَدَاعَتْ عَلَيْهِمُ الأُمَمُ، كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِهَا.

شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ التَّغْيِيرِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ القُرْآنِ هُوَ شَهْرُ التَّغْيِيرِ لِمَنْ أَرَادَ سَعَادَةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَذَلِكَ بِانْتِهَازِهِ، بِانْتِهَازِ سَاعَاتِهِ، بَلْ كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ لَحَظَاتِهِ، في التَّقَرُّبِ إلى اللهِ تعالى، وَخَاصَّةً إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ الإِلَهِيَّ: «يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ التَّغْيِيرِ، وَذَلِكَ بِصِدْقِ التَّوْبَةِ للهِ تعالى عَمَّا اقْتَرَفَتْ جَوَارِحُنَا الظَّاهِرَةُ وَالبَاطِنَةُ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يَحُطَّ عَنَّا الذُّنُوبَ وَالآثَامَ وَالخَطَايَا التي أَثْقَلَتْ ظُهُورَنَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَتِ الأُمَّةُ قَبْلَ نُزُولِ القُرْآنِ أُمَّةً تَعِيشُ في الصَّحْرَاءِ الشَّاسِعَةِ الوَاسِعَةِ في الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ، وَكَانَتْ تَرْعَى الإِبِلَ، وَتُصَارُعُ عَلَى لُقْمَةِ العَيْشِ، وَلَكِنْ بِبَرَكَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ صَارَتِ الأُمَّةُ المُشَتَّتَةُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ، حَكَمَتِ الأَرْضَ بِكِتَابِ اللهِ تعالى، وَقَدَّمَتْ للبَشَرِيَّةِ نَمَاذِجَ مِنَ الـبَشَرِ تُنَافِسُ مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كِتَابُ اللهِ تعالى هُوَ عِزُّنَا، وَهُوَ ذِكْرُنَا، قَالَ تعالى: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابَاً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ هُوَ عِزُّنَا وَمَجْدُنَا إِذَا أَحْلَلْنَا حَلَالَهُ، وَحَرَّمْنَا حَرَامَهُ، وَتَخَلَّقْنَا بِآدَابِهِ.

كِتَابُ اللهِ تعالى هُوَ رِسَالَتُهُ إلى خَلْقِهِ، حَدَّثَهُمْ فِيهِ، وَعَلَّمَهُمْ مَا لَمْ يَعْلَمُوا، وَعَرَّفَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَعَرَّفَهُمْ عَلَى ذَاتِهِ القُدْسِيَّةِ، وَعَرَّفَهُمْ قِصَّةَ رِحْلَتِهِمْ في نَجَاحِ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، كَلَّفَهُم بِوَظَائِفِهِمُ التي خُلِقُوا مِنْ أَجْلِهَا، وَحَذَّرَهُمْ مِنَ التَّنَكُّبِ عَنْ مَنْهَجِهِ الذي وَضَعَهُ لَهُمْ.

تَصَوَّرُوا رِسَالَةً وَرَدَتْ مِنْ مَنْ؟ صَدَرَتْ مِنْ مَلِكِ المُلُوكِ، وَمِنْ عَلَّامِ الغُيُوبِ، مِنْ قَهَّارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ.

خَاطَبَهُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾. وَبِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾.

فَهَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يُعْرِضَ النَّاسُ عَنْ رِسَالَةِ رَبِّهِمْ؟

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُعِيدَ العِزَّ لِهَذِهِ الأُمَّةِ في شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ المُقْبِلِ عَلَيْنَا. آمين.

**      **    **

الأربعاء: 23/ شعبان /1439هـ، الموافق: 9/ أيار / 2018م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمات في مناسبات

28-09-2023 636 مشاهدة
141ـ كلمات في مناسبات: عذرًا يا سيدي يا رسول الله

لقد كُنتَ حَرِيصَاً عَلَينَا أَشَدَّ الحِرْصِ، بِشَهَادَةِ مَولانَا عزَّ وجلَّ القَائِلِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. وبِشَهَادَتِكُم عِندَمَا ... المزيد

 28-09-2023
 
 636
07-03-2023 654 مشاهدة
140ـ كلمات في مناسبات: إجابة الدعاء معلقة بالاستجابة لله تعالى

عِنْدَمَا تَنْزِلُ المِحَنُ، وَتَشْتَدُّ الخُطُوبُ، وَتَتَوَالَى الكُرُوبُ، وَتَعْظُمُ الرَّزَايَا، وَتَتَابَعُ الشَّدَائِدُ، لَنْ يَكُونَ أَمَامَ المُسْلِمِ إِلَّا أَنْ يَلْجَأَ إلى اللهِ تعالى وَيَلُوذَ بِجَانِبِهِ، وَيَضْرَعَ إِلَيْهِ ... المزيد

 07-03-2023
 
 654
28-09-2022 627 مشاهدة
1- المحبة محبتان

مَعَ بِدَايَةِ شَهْر رَبِيعٍ الأَوَّلِ، أُهَنِّئُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَنْ جَعَلَنَا اللهُ تعالى حَظَّهُ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ، ... المزيد

 28-09-2022
 
 627
09-07-2022 523 مشاهدة
138ـ كلمات في مناسبات: درس فجر عيد الأضحى المبارك 1443 هـ شعيرة الأضحية

هَذَا اليَوْمُ هُوَ خِتَامُ الأَيَّامِ العَشْرِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد

 09-07-2022
 
 523
08-07-2022 455 مشاهدة
137ـ كلمات في مناسبات: يوم عرفة يوم الغفران

يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمٌ أَكْمَلَ اللهُ تعالى فِيهِ الدِّينَ، قَالَ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾. يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ الغُفْرَانِ، وَالعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، ... المزيد

 08-07-2022
 
 455
02-05-2022 541 مشاهدة
136ـ كلمات في مناسبات: درس فجر يوم عيد الفطر 1443هـ

اليَوْمَ هُوَ يَوْمُ الجَائِزَةِ، سَبَقَ فِيهِ أَقْوَامٌ فَفَازُوا، وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ فَخَابُوا، اليَوْمَ فَازَ المُحْسِنُونَ، وَخَسِرَ المُسِيئُونَ، وَغَدًا تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ، وَيَحْصُدُ الزَّارِعُونَ مَا زَرَعُوا، إِنْ ... المزيد

 02-05-2022
 
 541

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411963274
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :