90ـ كلمات في مناسبات: إن أمطرت فاحمدي الله، وإن لم تمطر فاحمدي الله

90ـ كلمات في مناسبات: إن أمطرت فاحمدي الله، وإن لم تمطر فاحمدي الله

 

90ـ كلمات في مناسبات: إن أمطرت فاحمدي الله، وإن لم تمطر فاحمدي الله

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَتَصْرِيفِ الأَحْوَالِ عِبَرَاً وَمُدَّكَرَاً وَخَبَرَاً، قَالَ تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾.

وَإِنَّ العَبْدَ إِذَا تَأَمَّلَ في هَذَا الكَوْنِ زَادَ إِيمَانُهُ، وَصَحَّ يَقِينُهُ، وَأَقْبَلَ عَلَى رَبِّهِ ذَاكِرَاً في سَائِرِ أَحْوَالِهِ، مُسْتَغْفِرَاً رَبَّهُ، مُسْتَجِيبَاً لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامَاً وَقُعُودَاً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلَاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيَاً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ تَقَلُّبَ الزَّمَانِ، وَتَصَرُّفَ الأَحْوَالِ مِنْ حَرٍّ إلى قَرٍّ، وَمِنْ صَيْفٍ إلى شِتَاءٍ، إِنَّمَا هُوَ بِحِكْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِتَصْرِيفِهِ، لِأَنَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يُصْلِحُ هَذَا العَبْدَ؛ وَإِنْ كَرِهَ البَعْضُ الصَّيْفَ، وَالبَعْضُ كَرِهَ الشِّتَاءَ، فَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئَاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾. وَيَقُولُ: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾.

إِنْ أَمْطَرَتْ فَاحْمَدِي اللهَ، وَإِنْ لَمْ تُمْطِرْ فَاحْمَدِي اللهَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يُذْكَرُ بِأَنَّ رَجُلَاً زوَّجَ ابْنَتَيْهِ، وَاحِدَةً إلى فَلَّاحٍ، وَالأُخْرَى إلى صَاحِبِ مَصْنَعِ فَخَّارٍ.

سَافَرَ الرَّجُلُ بَعْدَ عَامٍ لِيَزُورَ ابْنَتَيْهِ، فَقَصَدَ أَوَّلَاً ابْنَتَهُ زَوْجَةَ الفَلَّاحِ التي اسْتَقْبَلَتْهُ بِفَرَحٍ، وَحِينَمَا سَأَلَهَا عَنْ أَحْوَالِهَا قَالَتْ: اسْتَأْجَرَ زَوْجِي أَرْضَاً، وَاسْتَدَانَ ثَمَنَ البُذُورِ وَزَرَعَهَا، وَإِذَا أَمْطَرَتِ الدُّنْيَا فَنَحْنُ بِأَلْفِ خَيْرٍ، وَإِنْ مَا أَمْطَرَتْ فَإِنَّنَا سَنَتَعَرَّضُ إلى مُصِيبَةٍ.

تَرَكَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الأُولَى وَذَهَبَ لِزِيَارَةِ ابْنَتِهِ الثَّانِيَةِ زَوْجَةِ صَاحِبِ الفَخَّارِ التي اسْتَقْبَلَتْهُ بِفَرَحٍ وَمَحَبَّةٍ، وَفِي جَوَابِهَا عَلَى سُؤَالِهِ التَّقْلِيدِيِّ عَنِ الحَالِ وَالأَحْوَالِ قَالَتْ: اشْتَرَى زَوْجِي تُرَابَاً بِالدَّيْنِ وَحَوَّلَهُ إلى فَخَّارٍ، وَوَضَعَهُ تَحْتَ الشَّمْسِ لِيَجِفَّ، فَإِنْ لَمْ تُمْطِرِ الدُّنْيَا فَنَحْنُ بِأَلْفِ خَيْرٍ، أَمَّا إِذَا أَمْطَرَتْ فَإِنَّ الفَخَّارَ سَيَذُوبُ وَسَنَتَعَرَّضُ إلى مُصِيبَةٍ.

وَلَمَّا عَادَ الرَّجُلُ إلى زَوْجَتِهِ أُمِّ البَنَاتِ التي سَأَلَتْهُ عَنْ أَحْوَالِ بَنَاتِهَا قَالَ لَهَا: إِنْ أَمْطَرَتْ فَاحْمَدِي اللهَ، وَإِنْ لَمْ تُمْطِرْ فَاحْمَدِي اللهَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ العَبْدَ المُؤْمِنَ يَتَمَيَّزُ عَنِ الآخَرِينَ بِحُسْنِ صَبْرِهِ عِنْدَ الـضَّرَّاءِ، وَبِحُسْنِ وَجَمِيلِ شُكْرِهِ عِنْدَ السَّرَّاءِ، وَإِنَّ مَا يَجِدُهُ الإِنْسَانُ مِنْ شِدَّةِ البُرُودَةِ، وَمِنْ شِدَّةِ الحَرِّ يُذَكِّرُنَا بِنَارِ جَهَنَّمَ، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضَاً، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ».

هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ لَهُ وَقْعٌ كَبِيرٌ في نُفُوسِ المُتَّقِينَ، وَلَهُ تَأثِيرٌ بَلِيغٌ عَلَى قُلُوبِ المُخْبِتِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِسُّونَ بِنَارِ جَهَنَّمَ في فَصْلَيِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، وَبِذَلِكَ يَزْدَادُونَ إِيمَانَاً وَتَوْبَةً وَإِقْبَالَاً عَلَى اللهِ تعالى رَبِّ العَالَمِينَ.

الشِّتَاءُ رَبِيعُ المُؤْمِنِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذِهِ مُقَدِّمَةٌ لِأَنْقُلَ لَكُمْ حَدِيثَاً لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُذَكِّرُ فِيهِ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ، روى البيهقي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الشِّتَاءُ رَبِيعُ المُؤْمِنِ، قَصُرَ نَهَارُهُ فَصَامَ، وَطَالَ لَيْلُهُ فَقَامَ».

وَيَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَرْحَبَاً بِالشِّتَاءِ تَنْزِل فِيهِ البَرَكَةُ، وَيَطُولُ فِيهِ اللَّيْلُ للقِيَامِ، وَيَـقْصُرُ فِيهِ النَّهَارُ للصِّيَامِ.

لَقَدْ فَرَّطْنَا في نِعْمَةِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ كَثِيرَاً، وَهُمَا يَسِيرَانِ في الشِّتَاءِ، قَصُرَ النَّهَارُ وَسَهُلَ الصِّيَامُ، وَطَالَ اللَّيْلُ وَسَهُلَ القِيَامُ، مَا أَعْظَمَ تَقْصِيرَنَا؟! وَمَا أَعْظَمَ تَفْرِيطَنَا في حَقِّ آخِرَتِنَا؟!

أَمَا عَرَفْنَا سَلَفَ هَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿كَانُوا قَلِيلَاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. قَوِيَ إِيمَانُهُمْ، وَصَدَّقَهُ يَقِينُهُمْ، فَاجْتَهَدُوا وَتَكَاسَلْنَا، وَبِكُلِّ أَسَفٍ يَتَبَجَّحُ بَعْضُ النَّاسِ وَيَقُولُونَ: نَحْنُ أَتْبَاعُ السَّلَفِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلُّنَا وَاللهِ يُرِيدُ أَنْ يَتَّبِعَ السَّلَفَ الصَّالِحَ، وَخَاصَّةً مِنَ الأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرِينَ، قَالَ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدَاً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

هَلْ نَحْنُ مِنْ أَتْبَاعِ السَّلَفِ في الاتِّبَاعِ، وَخَاصَّةً في سَلَامَةِ الصَّدْرِ، وَكَثْرَةِ الطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَـيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضَاً حَسَنَاً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرَاً وَأَعْظَمَ أَجْرَاً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

كَبَّلَتْكُمْ مَعَاصِيكُمْ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سَلَفُ الأُمَّةِ اجْتَهَدُوا، وَادَّعَى الخَلَفُ أَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ للسَّلَفِ، وَلَكِنْ تَكَاسَلُوا، قَامَ السَّلَفُ وَنَامَ الخَلَفُ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِكَثْرَةِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ.

قَالَ رَجُلٌ للحَسَنِ البَصرِيِّ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، إِنِّي أَبيتُ مُعافَى، وأُحِبُّ قِيامَ اللَّيلِ، وأُعِدُّ طَهُورِي، فَمَا بَالِي لَا أَقُومُ؟

فَقَالَ: ذُنُوبُكَ قَيَّدَتْكَ.

لَقَدِ انْطَبَقَ عَلَيْنَا قَوْلُ اللهِ تعالى إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾.

لَقَدْ غَفَلْنَا عَنْ سَاعَةِ الاحْتِضَارِ ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾.

لَقَدْ غَفَلْنَا عَنْ سَاعَةِ الفِرَاقِ، روى الحاكم عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مَفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ».

لَقَدْ غَفَلْنَا عَنْ نَفْخَةِ الصُّورِ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ﴾.

لَقَدْ غَفَلْنَا عَنْ أَرْضِ المَحْشَرِ حَيْثُ الفِرَارُ مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ ﴿يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾.

عَلَيْنَا بِالغَنِيمَةِ البَارِدَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عَلَيْنَا بِالغَنِيمَةِ البَارِدَةِ، وَخَاصَّةً هَا نَحْنُ دَخَلْنَا أَوَّلَ السَّنَةِ الهِجْرِيَّةِ، دَخَلْنَا في شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ، حَيْثُ رَغَّبَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِ هَذَا الشَّهْرِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلَاةُ اللَّيْلِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ ذَاقَ حَلَاوَةَ العِبَادَةِ صَعُبَ عَلَيْهِ تَرْكُهَا؛ كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى أَنْ نَجْعَلَ بُيُوتَنَا تُبْنَى عَلَى صِيَامٍ بِالنَّهَارِ، وَقِيَامٍ بِاللَّيْلِ، وَتِلَاوَةٍ للقُرْآنِ العَظِيمِ؟ وَاللهِ إِنَّ سَلَفَ الأُمَّةِ مَا سَادُوا الدُّنْيَا بِالسُّيُوفِ وَالأَسْلِحَةِ الفَتَّاكَةِ، وَتَدمِيرِ البُيُوتِ.

لَقَدْ سَادُوهَا عِنْدَمَا ازْدَادُوا قُرْبَاً مِنَ اللهِ تعالى بِصِيَامٍ وَقِيَامٍ وَتِلَاوَةٍ للقُرْآنِ، فَكَانَتْ بُيُوتُهُمْ بُيُوتَاً عَامِرَةً في طَاعَةِ اللهِ تعالى، وفي تَرْكِ مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى.

أَمَّا بُيُوتُنَا اليَوْمَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، فَقَدْ عَمَّتْ بِظُلْمِ أَنْفُسِنَا، فَلَمْ نَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَلَا البَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلَمْ نَذْكُرِ المَوْتَ وَالبِلَى، وَبِذَلِكَ ثَقُلَتْ عَلَيْنَا الطَّاعَاتُ، وَسَهُلَتِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتُ، فَهَلْ مِنْ عَوْدَةٍ للهِ تعالى؟

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِذَلِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 7/ محرم /1439هـ، الموافق: 27/ أيلول / 2017م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمات في مناسبات

28-09-2023 636 مشاهدة
141ـ كلمات في مناسبات: عذرًا يا سيدي يا رسول الله

لقد كُنتَ حَرِيصَاً عَلَينَا أَشَدَّ الحِرْصِ، بِشَهَادَةِ مَولانَا عزَّ وجلَّ القَائِلِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. وبِشَهَادَتِكُم عِندَمَا ... المزيد

 28-09-2023
 
 636
07-03-2023 654 مشاهدة
140ـ كلمات في مناسبات: إجابة الدعاء معلقة بالاستجابة لله تعالى

عِنْدَمَا تَنْزِلُ المِحَنُ، وَتَشْتَدُّ الخُطُوبُ، وَتَتَوَالَى الكُرُوبُ، وَتَعْظُمُ الرَّزَايَا، وَتَتَابَعُ الشَّدَائِدُ، لَنْ يَكُونَ أَمَامَ المُسْلِمِ إِلَّا أَنْ يَلْجَأَ إلى اللهِ تعالى وَيَلُوذَ بِجَانِبِهِ، وَيَضْرَعَ إِلَيْهِ ... المزيد

 07-03-2023
 
 654
28-09-2022 627 مشاهدة
1- المحبة محبتان

مَعَ بِدَايَةِ شَهْر رَبِيعٍ الأَوَّلِ، أُهَنِّئُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَنْ جَعَلَنَا اللهُ تعالى حَظَّهُ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ، ... المزيد

 28-09-2022
 
 627
09-07-2022 523 مشاهدة
138ـ كلمات في مناسبات: درس فجر عيد الأضحى المبارك 1443 هـ شعيرة الأضحية

هَذَا اليَوْمُ هُوَ خِتَامُ الأَيَّامِ العَشْرِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد

 09-07-2022
 
 523
08-07-2022 455 مشاهدة
137ـ كلمات في مناسبات: يوم عرفة يوم الغفران

يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمٌ أَكْمَلَ اللهُ تعالى فِيهِ الدِّينَ، قَالَ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾. يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ الغُفْرَانِ، وَالعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، ... المزيد

 08-07-2022
 
 455
02-05-2022 541 مشاهدة
136ـ كلمات في مناسبات: درس فجر يوم عيد الفطر 1443هـ

اليَوْمَ هُوَ يَوْمُ الجَائِزَةِ، سَبَقَ فِيهِ أَقْوَامٌ فَفَازُوا، وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ فَخَابُوا، اليَوْمَ فَازَ المُحْسِنُونَ، وَخَسِرَ المُسِيئُونَ، وَغَدًا تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ، وَيَحْصُدُ الزَّارِعُونَ مَا زَرَعُوا، إِنْ ... المزيد

 02-05-2022
 
 541

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411965766
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :