549ـ خطبة الجمعة: أين من يغتنم ما تبقى من رمضان؟

549ـ خطبة الجمعة: أين من يغتنم ما تبقى من رمضان؟

 

549ـ خطبة الجمعة: أين من يغتنم ما تبقى من رمضان؟

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: هَذِهِ الأَيَّامُ المُتَبَقِّيَةُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ هِيَ غَنِيمَةٌ للعَابِدِينَ العَارِفِينَ بِاللهِ تعالى، غَنِيمَةٌ لِمَنْ أَرَادَ القُرْبَ مِنَ اللهِ تعالى، وَالقُرْبَ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هَذِهِ الأَيَّامُ المُتَبَقِّيَةُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَيَّامٌ شَرِيفَةٌ وَلَيَالِيهَا لَيَالٍ مُبَارَكَةٌ.

هَذِهِ الأَيَّامُ أَيَّامُ غَنِيمَةٍ عِنْدَ العُقَلَاءِ مِنْ أُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هَذِهِ الأَيَّامُ التي فِيهَا لَيْلَةُ القَدْرِ التي  يَتَلَهَّفُ لَهَا العَارِفُونَ بِاللهِ تعالى، وَالأَوْلِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ، حَتَّى تَتَّصِلَ قُلُوبُهُمْ بِاللهِ تعالى.

القُدْوَةُ العُظْمَى للعَابِدِينَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الصُّورَةَ المُثْلَى، وَالقُدْوَةَ العُظْمَى للعَابِدِينَ؛ لَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمَ الخَلْقِ عِبَادَةً لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَشَدَّهُمْ خَشْيَةً مِنْهُ تَبَارَكَ وتعالى، وَأَكْثَرَهُمْ ذِكْرَاً لَهُ، وَأَعْظَمَهُمْ تَعَلُّقَاً بِهِ، وَأَكْثَرَهُمْ سَعْيَاً إلى رِضْوَانِهِ.

لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَدِيدَ العِبَادَةِ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَيْسَ في رَمَضَانَ فَقَطْ، وَلَا في العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْهُ، بَلْ في سَائِرِ أَيَّامِهِ وَلَيَالِيهِ، وَلَكِنْ مَعَ شِدَّةِ عِبَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ الأَخِيرُ زَادَ في العِبَادَةِ.

روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ.

وروى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّنَا يَعْلَمُ بِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ حَتَّى تَتَوَرَّمَ قَدَمَاهُ، مَا كَانَ يَدَعُ قِيَامَ اللَّيْلِ لَا في سَفَرٍ وَلَا في حَضَرٍ، وَمَا كَانَ يَدَعُ ذِكْرَ اللهِ تعالى في سَائِرِ أَحْوَالِهِ، وَكَانَ يَسْتَغْفِرُ اللهَ تعالى في يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ مَئَةَ مَرَّةٍ.

يُوقِظُ أَهْلَهُ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَا بُدَّ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ في العِشْرِينَ التي مَرَّتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، لَا بُدَّ مِنَ التَّعَرُّضِ لِنَفَحَاتِ اللهِ تعالى، لَا بُدَّ مِنَ الإِكْثَارِ مِنَ العِبَادَاتِ في هَذِهِ الأَيَّامِ المُتَبَقِّيَةِ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يُكْرِمَنَا بِالتَّعَرُّضِ لِلَيْلَةِ القَدْرِ، وَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّهُ مَهْمَا أَكْثَرْنَا مِنَ العِبَادَةِ لِرَبِّنَا لَنْ تَبْلُغَ عُشْرُ مِعْشَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: تَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى، وَخَاصَّةً مَعَ أَهْلِكُمْ، وَتَذَكَّرُوا مَا كَانَ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَخَاصَّةً في العَشْرِ الأَخِيرِ، وروى الترمذي وَمُحَمَّدُ بْنُ نَـصْرٍ عَنْ زَيْنَبَ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ عَـشَرَةُ أَيَّامٍ لَمْ يَذَرْ أَحَدَاً مِنْ أَهْلِهِ يُطِيقُ الْقِيَامَ إِلَّا أَقَامَهُ. /كذا في فتح الباري لابن حجر.

وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكُلَّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ يُطِيقُ الصَّلَاةَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى عَزْمٍ وَحَزْمٍ وَشِدَّةٍ وَجِدٍّ حَتَّى لَا نُضَيِّعَ هَذِهِ الأَيَّامَ المُتَبَقِّيَةَ، كَفَانَاً تَفْرِيطَاً مِنْ أَعْمَارِنَا، كَفَانَا انْشِغَالَاً بِالقِيلِ وَالقَالِ، كَفَانَا تَضْيِيعَاً لِأَنْفَاسِ أَعْمَارِنَا مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ.

بَلْ كَفَانَا ذُنُوبَاً وَآثَامَاً وَإِعْرَاضَاً عَنْ دِينِ اللهِ تعالى، نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ لِإِحْيَاءِ هَذِهِ اللَّيَالِيَ لَعَلَّ اللهَ تعالى يُكْرِمُنَا بِلَيْلَةِ القَدْرِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: اسْتَدْرِكُوا مَا فَاتَ، وَاغْتَنِمُوا مَا بَقِيَ مَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَانِ، وَإِلَّا فَالـحَسْرَةُ سَتَأْكُلُ القُلُوبَ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى، روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ».

وفي رواية الحاكم عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَرَضَ لِي فَقَالَ: بُعْدَاً لِمَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يَغْفَرْ لَهُ؛ قُلْتُ: آمِينَ».

اللَّهُمَّ لَا تُخْرِجْنَا مِنْ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ وَلَا مِنْ حَيَاتِنَا الدُّنْيَا إِلَّا وَقَدْ رَضِيتَ عَنَّا أَتَمَّ وَأَعَمَّ وَأَكْمَلَ الرِّضَا، وَعَنْ أُصُولِنَا وَفُرُوعِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَالمُسْلِمِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**     **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 21/ رمضان /1438هـ، الموافق: 16/ حزيران / 2017م

 2017-06-16
 5197
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 27 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 27
12-04-2024 652 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 652
09-04-2024 557 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 557
04-04-2024 678 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 678
28-03-2024 568 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 568
21-03-2024 1000 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1000

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412760289
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :