21ـ الإنسان في القرآن العظيم :علاج ترك الذنوب

21ـ الإنسان في القرآن العظيم :علاج ترك الذنوب

 

الإنسان في القرآن العظيم

21ـ علاج ترك الذنوب

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عِلَاجُ تَرْكِ الذُّنُوبِ هُوَ تَعْظِيمُ مَحَبَّةِ اللهِ تعالى في قُلُوبِنَا، لِأَنَّهُ مَنْ عَظُمَ حُبُّهُ للهِ تعالى، أَحَبَّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ تعالى، وَأَبْغَضَ مَا يُبْغِضُهُ اللهُ تعالى؛ وَمَنْ لَمْ تَكُنْ مَحَبَّةُ اللهِ تعالى في قَلْبِهِ أَعْظَمَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ الشَّهَوَاتِ وَالمُخَالَفَاتِ، عَلَى عَكْسِ مَنْ عَظُمَ حُبُّ اللهِ تعالى في قَلْبِهِ، وَهَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ في كِتَابِهِ العَظِيمِ، فَقَالَ: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾.

عِلَاجُ تَرْكِ الذُّنُوبِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَمَا عَظُمَ حُبُّ اللهِ تعالى في قَلْبِهِ، اسْتَطَاعَ أَنْ يَتَغَلَّبَ عَلَى جَمَالِ امْرَأَةِ العَزِيزِ وَحُسْنِهَا وَإِغْرَائِهَا، عِنْدَمَا غَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ.

بَلْ وَتَغَلَّبَ عَلَى تَهْدِيدِهَا وَتَوَعُّدِهَا ﴿وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَاً مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾. بِعِظَمِ حُبِّ اللهِ تعالى الذي مَلَأَ قَلْبَهُ تَغَلَّبَ عَلَى كُلِّ مَا يُسْخِطُ اللهَ تعالى، وَهَانَ عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ في سَبِيلِ أَنْ يَرْضَى عَنْهُ سَيِّدُهُ وَمَوْلَاهُ.

أَمَّا امْرَأَةُ العَزِيزِ فَعِنْدَمَا ضَعُفَ إِيمَانُهَا، وَعَظُمَ حُبِّ المَخْلُوقِ في قَلْبِهَا عَلَى خَالِقِهَا هَانَتْ عَلَيْهَا المَعْصِيَةُ، وَهَانَتْ عَلَيْهَا قِلَّةُ حَيَائِهَا مِنَ اللهِ تعالى، وَهَانَتْ عَلَيْهَا خِيَانَةُ زَوْجِهَا، وَهَانَ عَلَيْهَا كُلُّ شَيْءٍ في سَبِيلِ تَحْقِيقِ شَهَوَاتِهَا التي تُسْخِطُ رَبَّهَا وَمَوْلَاهَا وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَتَذَكَّرْ جَمِيعَاً قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾. لَقَدْ أَكْرَمَنَا اللهُ تعالى بِنِعَمٍ لَاتُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، فَخَلَقَ لَنَا قَبْلَ خَلْقِنَا، وَسَخَّرَ لَنَا مَا في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بِدُونِ مُقَابِلٍ، أَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ تعالى حَقَّ الحَيَاءِ؟ أَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى؟ أَمَا وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ يَغْلِبَ حُبُّ اللهِ تعالى وَحُبُّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى قُلُوبِنَا؟

حَيَاتُنَا في صِدْقِ تَوْبَتِنَا، لِأَنَّ التَّوْبَةَ للمُؤْمِنِ كَالمَاءِ للسَّمَكِ، فَلَا حَيَاةَ لَنَا بِدُونِ صِدْقِ التَّوْبَةِ، كَمَا أَنَّهُ لَا حَيَاةَ للسَّمَكِ بِدُونِ المَاءِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا عَظُمَ حُبُّ اللهِ تعالى في قُلُوبِنَا، عَظُمَتْ خَشْيَةُ الله تعالى في قُلُوبِنَا، وَحَجَزَنَا ذَلِكَ عَنِ الإِصْرَارِ عَلَى المَعْصِيَةِ، وَدَفَعَنَا إلى التَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ إِذَا مَا وَقَعْنَا في الذَّنْبِ.

روى الإمام مسلم أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيَّ، أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَزَنَيْتُ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي؛ فَرَدَّهُ.

فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ؛ فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ.

فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: «أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسَاً، تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئَاً؟».

فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إِلَّا وَفِيَّ الْعَقْلِ مِنْ صَالِحِينَا فِيمَا نُرَى.

فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضَاً فَسَأَلَ عَنْهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا بِعَقْلِهِ.

فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ.

قَالَ، فَجَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي؛ وَإِنَّهُ رَدَّهَا.

فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ تَرُدُّنِي؟ لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزَاً، فَوَاللهِ إِنِّي لَحُبْلَى.

قَالَ: «إِمَّا لَا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي».

فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ، قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ.

قَالَ: «اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ».

فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ.

فَقَالَتْ: هَذَا يَا نَبِيَّ اللهِ قَدْ فَطَمْتُهُ، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ.

فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا.

فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ، فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا.

فَسَمِعَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: «مَهْلَاً يَا خَالِدُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ (هُوَ مَنْ يَتَوَلَّى الضَّرَائِبَ التي تُؤْخَذُ مِنَ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ) لَغُفِرَ لَهُ».

ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَدُفِنَتْ.

وفي رِوَايَةٍ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا للهِ تَعَالَى؟».

يَا رَبِّ، عَظِّمْ في قُلُوبِنَا حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ العَمَلِ الصَّالِحِ الذي يُقَرِّبُنَا إلى حُبِّكَ، وَارْزُقْنَا صِدْقَ التَّوْبَةِ مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ وَالآثَامِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 11/ ربيع الأول /1439هـ، الموافق: 29/ تشرين الثاني / 2017م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  الإنسان في القرآن العظيم

08-11-2018 2646 مشاهدة
37ـ الإنسان في القرآن العظيم : ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَحْرِفُ طَرِيقَ العَبْدِ عَنْ نَهْجِ الاسْتِقَامَةِ عَلَى مَنْهَجِ اللهِ تَبَارَكَ وتعالى هُوَ مَا رُكِّبَ في الإِنْسَانِ مِنْ شَهَوَاتٍ، حَيْتُ تَكُونُ سَبَبَاً في انْحِرَافِهِ إِذَا اسْتَوْلَتِ الشَّهَوَاتُ عَلَيْهِ. ... المزيد

 08-11-2018
 
 2646
31-10-2018 3032 مشاهدة
36ـالإنسان في القرآن العظيم: أهمية تزكية النفس

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ إِنَّ فَلَاحَ العَبْدِ وَنَجَاحَهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ هُوَ مَطْلَبُ العَامِلِينَ، وَلَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا بِتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَتَرْبِيَتِهَا وَتَطْهِيرِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تعالى لَنَا ... المزيد

 31-10-2018
 
 3032
02-08-2018 2022 مشاهدة
34ـالإنسان في القرآن العظيم : ﴿فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ﴾ (2)

نَحْنُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنيَا مُسَافِرُونَ مِنْهَا، كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ ... المزيد

 02-08-2018
 
 2022
11-07-2018 2664 مشاهدة
33ـ الإنسان في القرآن العظيم :﴿فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ﴾

إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدَاً مِنْ عِبَادِهِ أَلْهَمَهُ فِعْلَ الخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الفَوَاحِشِ وَالمُنْكَرَاتِ، وَحَبَّبَ إلى قَلْبِهِ الإِيمَانَ وَالبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَأَلْهَمَهُ الإِكْثَارَ مِنْ دُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ ... المزيد

 11-07-2018
 
 2664
04-04-2018 3704 مشاهدة
32ـ الإنسان في القرآن العظيم :يا أيها العبد المذنب الخطاء

مِنْ أَعْظَمِ الخُسْرَانِ الذي يَقَعُ فِيهِ العَبْدُ إِصْرَارُهُ عَلَى الذَّنْبِ، وَمُكَابَرَتُهُ، وَعِنَادُهُ، وَتَبْرِيرُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ المَوْتُ ـ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى ـ عَلَى تِلْكَ الحَالَةِ. ... المزيد

 04-04-2018
 
 3704
28-03-2018 2972 مشاهدة
31ـالإنسان في القرآن العظيم : إلى متى نبقى في العصيان؟

لَو أَنَّ الأَمْرَ كَانَ يَنْتَهِي بِالمَوْتِ لَكَانَ هَيِّنَاً وَسَهْلَاً، وَلَكِنْ مَعَ شِدَّتِهِ وَهَوْلِهِ هُوَ أَهْوَنُ مِمَّا بَعْدَ المَوْتِ، فَالقَبْرُ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ، أَو رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَلَو كَانَ ... المزيد

 28-03-2018
 
 2972

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3152
المكتبة الصوتية 4740
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411766142
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :