أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

2618 - حكم الاضطجاع بعد سنة الفجر

19-01-2010 14008 مشاهدة
 السؤال :
تنازعت مع بعض الإخوة من طلاب العلم حول مسألة الاضطجاع بعد سنة الفجر هل هو سنة أم بدعة؟ فأرجو بيان حكم الاضطجاع بعد سنة الفجر؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 2618
 2010-01-19

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: لا يجوز التنازع الذي يفضي إلى التدابر والتشاحن بين المسلمين في مسائل الفروع التي اختلف فيها الفقهاء، لأن الله تعالى شاء أن يكون هذا الاختلاف لحكمة أرادها الله عز وجل، ولو شاء أن يرفع هذا الاختلاف لرفعه، على سبيل المثال اختلف الفقهاء في مسح الرأس ولم يختلفوا في غسل الوجه، ولو شاء الله تعالى لجعل حكم مسح الرأس كحكم غسل الوجه لا خلاف فيه.

فالخلاف في مسائل الفروع من زمن أصحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، إلى يوم القيامة، المصيب له أجران والمخطئ له أجر، فلا يجوز للمسلمين أن يجعلوا من هذه المسائل سبباً للتدابر والتشاحن فيما بين بعضهم البعض.

ثانياً: أما بالنسبة للاضطجاع بعد سنة الفجر قبل فرضه فقد اختلف فيه الفقهاء، فمنهم من قال: إنه سنة تشريع، ومنهم من قال: إنه سنة استراحة، ومنهم من قال: إنه سنة تشريع مطلوبة في البيت لا المسجد، ومنهم من قال: إنه لا صحة له، وسبب هذا الاختلاف هو الاختلاف في ثبوت الأدلة.

روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ).

يقول الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: (وَالصَّحِيح والصَّوَاب: أَنَّ الاضْطِجَاع بَعْدَ سُنَّة الْفَجْر سنة لهذا الحديث الشريف الذي قَالَ عنه التِّرْمِذِيّ: هُوَ حَدِيث حَسَن صَحِيح. فَهَذَا حَدِيث صَحِيح صَرِيح فِي الأَمْر بِالاضْطِجَاعِ).

وجاء في رد المحتار: (مَبْحَثٌ مُهِمٌّ فِي الْكَلامِ عَلَى الضَّجْعَةِ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ.

وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَهُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الأَحَادِيثُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ صَلاةِ الْفَجْرِ وَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلإِقَامَةِ فَيَخْرُجُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ.

[تَنْبِيهٌ] صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِسُنِّيَّةِ الْفَصْلِ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَفَرْضِهِ بِهَذِهِ الضَّجْعَةِ أَخْذًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ.

وَظَاهِرُ كَلامِ عُلَمَائِنَا خِلافُهُ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرُوهَا، بَلْ رَأَيْت فِي مُوَطَّأِ الإِمَامِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا نَصُّهُ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ اضْطَجَعَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا شَأْنُهُ؟ فَقَالَ نَافِعٌ: قُلْت: يَفْصِلُ بَيْنَ صَلاتِهِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَأَيُّ فَصْلٍ أَفْضَلُ مِنْ السَّلامِ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ نَأْخُذُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَالَ شَارِحُهُ الْمُحَقِّقُ مُنْلا عَلِيٌّ الْقَارِئُ: وَذَلِكَ لأَنَّ السَّلامَ إنَّمَا وَرَدَ لِلْفَصْلِ، وَهُوَ لِكَوْنِهِ وَاجِبًا أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ مَا يُخْرِجُ مِنْ الصَّلاةِ مِنْ الْفِعْلِ وَالْكَلامِ، وَهَذَا لا يُنَافِي مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ كَانَ يَضْطَجِعُ فِي آخِرِ التَّهَجُّدِ، وَتَارَةً أُخْرَى بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي بَيْتِهِ لِلاسْتِرَاحَةِ. اهـ.

ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ: رَوَى الشَّيْخَانِ (أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ)، فَتُسَنُّ هَذِهِ الضُّجَعَةُ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَفَرْضِهِ لِذَلِكَ، وَلأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ لا بَأْسَ بِهِ، خِلافًا لِمَنْ نَازَعَ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي نَدْبِهَا لِمَنْ بِالْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ، خِلافًا لِمَنْ خَصَّ نَدْبَهَا بِالْبَيْتِ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: إنَّهَا بِدْعَةٌ، وَقَوْلُ النَّخَعِيّ: إنَّهَا ضَجْعَةُ الشَّيْطَانِ، وَإِنْكَارُ ابْنِ مَسْعُودٍ لَهَا، فَهُوَ لأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ ذَلِكَ .

وَقَدْ أَفْرَطَ ابْنُ حَزْمٍ فِي قَوْلِهِ بِوُجُوبِهَا وَأَنَّهَا شَرْطٌ لِصَلاةِ الصُّبْحِ.

وَلا يَخْفَى بَعْدَ عَدَمِ الْبُلُوغِ إلَى هَؤُلاءِ الأَكَابِرِ الَّذِينَ بَلَغُوا الْمَبْلَغَ الأَعْلَى لا سِيَّمَا ابْنُ مَسْعُودٍ الْمُلازِمُ لَهُ صلى الله عليه وسلم حَضَرًا وَسَفَرًا، وَابْنُ عُمَرَ الْمُتَفَحِّصُ عَنْ أَحْوَالِهِ صلى الله عليه وسلم فِي كَمَالِ التَّتَبُّعِ وَالاتِّبَاعِ.

فَالصَّوَابُ حَمْلُ إنْكَارِهِمْ عَلَى الْعِلَّةِ السَّابِقَةِ مِنْ الْفَصْلِ، أَوْ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ أَهْلِ الْفَضْلِ، وَلَيْسَ أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ صَرِيحًا وَلا تَلْوِيحًا عَلَى فِعْلِهِ بِالْمَسْجِدِ، إذْ الْحَدِيثُ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنِ)، فَالْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ.

عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا فِي الْمَسْجِدِ شَائِعًا فِي زَمَانِهِ صلى الله عليه وسلم لَمَا كَانَ يَخْفَى عَلَى هَؤُلاءِ الأَكَابِرِ الأَعْيَانِ. اهـ. وَأَرَادَ بِالْمُقَيَّدِ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ: بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي بَيْتِهِ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ اضْطِجَاعَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ إنَّمَا كَانَ فِي بَيْتِهِ لِلاسْتِرَاحَةِ لا لِلتَّشْرِيعِ، وَإِنْ صَحَّ حَدِيثُ الأَمْرِ بِهَا الدَّالِّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لِلتَّشْرِيعِ يُحْمَلُ عَلَى طَلَبِ ذَلِكَ فِي الْبَيْتِ فَقَطْ تَوْفِيقًا بَيْنَ الأَدِلَّةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وبناء على ذلك:

فالمسألة خلافية بين الفقهاء وخلاصة ما ذكره ابن عابدين بقوله: وَحَاصِلُهُ أَنَّ اضْطِجَاعَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ إنَّمَا كَانَ فِي بَيْتِهِ لِلاسْتِرَاحَةِ لا لِلتَّشْرِيعِ، وَإِنْ صَحَّ حَدِيثُ الأَمْرِ بِهَا الدَّالِّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لِلتَّشْرِيعِ يُحْمَلُ عَلَى طَلَبِ ذَلِكَ فِي الْبَيْتِ فَقَطْ تَوْفِيقًا بَيْنَ الأَدِلَّةِ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
14008 مشاهدة