أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

1830 - رد على فتوى خطيرة

03-03-2009 96334 مشاهدة
 السؤال :
قرأت فتوى لبعض السادة العلماء في مسألة كشف وجه المرأة مفادها: أنَّ الوجه والكفين ليسا بعورة باتفاق المذاهب الأربعة. فهل هذا صحيح؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 1830
 2009-03-03

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: فقد أجمع العلماء على أن الشعر والنحر وجميع أجزاء بدن المرأة غير الوجه والكفين عورة يجب سترها وعدم إبداء شيء منها، وكما أنه يجب ستر لونها، فإنه يجب ستر حجمها، فلا يجوز تجسيد الجلباب أو الخمار لحجم عنق المرأة أو أكتافها أو عضديها وما شابه ذلك.

ثانياً: أيضاً أجمع العلماء على أن المرأة إن خُشيت الفتنة في حقها، أو في حق من يراها، فإنه يجب عليها ستر وجهها ولو لم يكن فيه زينة.

ثم إن دعوى اتفاق جمهور العلماء على أن الأصل في المسألة هو كشف الوجه باطلة؛ لأنها تخالف مذاهب العلماء، وتعارض ما قاله الجمهور، ولا دليل عليها.

وهذه بعض الأدلة الدالة على وجوب خلاف دعواهم هذه، وتعارض ذلك بوجوب ستر الوجه:

أولاً: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب: 59] قال ابن عباس رضي الله عنهما: (أمر اللهُ نساءَ المؤمنينَ إذا خَرَجْنَ من بُيُوتِهِنَّ في حاجةٍ أن يُغَطِّينَ وُجُوهَهُنَّ مِن فَوقِ رُؤُوسِهِنَّ بِالجَلابِيبِ، ويُبْدِينَ عَيْنَاً وَاحِدَة). وتفسير الصحابي حُجة، بل قال بعض العلماء: إنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله رضي الله عنه: (ويُبْدِينَ عَيْنَاً وَاحِدَة) إنما رخَّص في ذلك لأجل الضرورة والحاجة إلى نظر الطريق، فأما إذا لم يكن حاجة فلا موجب لكشف العينين.

ثانياً: قالت أم سلمة رضي الله عنها: (لما نزلت هذه الآية خَرَجَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنْ الأَكْسِيَةِ) رواه أبو داود.

ثالثاً: وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا أَسْدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزَنَا كَشَفْنَاهُ) رواه أحمد. ففي قولها : (فَإِذَا حَاذَوْا) تعني الركبان (أَسْدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا) دليل على وجوب ستر الوجه، لأن المشروع في الإحرام كشفه، فلولا وجود مانع قوي من كشف الوجه في الإحرام الذي هو واجب على النساء عند الأكثر من أهل العلم ، ولا يُستباح المحرَّم إلا بواجب، فيحرم على المرأة تغطية وجهها حال الإحرام، فلولا وجوب الاحتجاب وتغطية الوجه عند الأجانب، ما ساغ ترك الواجب من كشفه حال الإحرام.

وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ). وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن، وذلك يقتضى ستر وجوههن وأيديهن، فلو كان كشف الوجه جائزاً، فما حاجة النساء إلى النقاب؟ وهذا خطاب موجه لعموم الصحابيات وليس خاصاً بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

رابعاً: عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ جَرَّ ثَوبَه خيلاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّه إِلَيْهِ يَوْمَ القيامِةِ) فقالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: (فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهنَّ)، قالَ: (يُرْخينَ شِبْراً). قَالَتْ: (إِذن تَنكَشفُ أَقْدامُهنَّ). قال: (فيُرْخِينَهُ ذِراعاً لاَ يَزِدْنَ) رواه أبو داود. ففي هذا الحديث دليل على وجوب ستر قدم المرأة، وأنه أمر معلوم عند نساء الصحابة رضي الله عنهن، والقدم أقلُّ فتنة من الوجه والكفين بلا ريب، فالتنبيه بالأدنى تنبيه على ما فوقه وما هو أولى منه بالحكم، وحكمة الشرع تأبى أن يجب ستر ما هو أقل فتنة ويرخص في كشف ما هو أعظم منه فتنة، فإن هذا من التناقض المستحيل على حكمة الله وشرعه؛ لأن المتفق عليه بينهم أن الحكم المستقر والأصل الثابت عند المذاهب هو ستر الوجه، ولكن الخلاف وقع في علة الستر فقط.

وقد انقسم فيها العلماء إلى أربعة مذاهب:

الأول: مذهب الحنفية: قالوا: (إن وجه المرأة ليس عورة، وإنما يجب ستره لخوف الفتنة خاصةً في زماننا هذا، فلا يجوز كشف الوجه بحال؛ لأن الفتنة فيه غير مأمونة) رد المحتار على الدر ج1ص406.

وقالوا: (وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين الرجال، لا لأنه عورة بل لخوف الفتنة). [حاشية رد المحتار على تنوير الأبصار ج5ص237، حاشية أبي مسعود على شرح الكنز ج1ص15، بدر المتقى على هامش مجمع الأنهارج2ص540، البناية شرح الهداية ج2ص62].

وقيل في البحر الرائق: (قال مشايخنا: تُمنع المرأة من كشف وجهها بين الرجال في زمننا للفتنة) [البحر الرائق ج2ص62].

الثاني: مذهب المالكية: قالوا: لا يجب ستر وجه المرأة عن الرجال إلا إذا خيفت الفتنة، فإن كانت الفتنة مأمونة جاز لها كشف الوجه بخمسة شروط:

شرطان لابد من توافرهما في الذي تكشف الوجهَ أمامه وهما:

1ـ أن يكون مسلماً، فإن كان كافراً كتابياً كان أو غيره، فلا يجوز مطلقاً بأي حال.

2ـ أن يكون المسلم لا ينظر بشهوة أو إعجاب أو تلذُّذ.

وثلاثة شروط لابد من توافرها في المرأة التي تكشف وجهها:

1ـ أن لا تكون جميلة.

2ـ أن لا تكون متزينة.

3ـ أن لا يظهر من الوجه إلا الخدان.

وهاهي بعض أقوالهم: قالوا: (واعلم أنه إن خُشِيت الفتنة يجب عليها ستر الوجه والكفين) [متن مواهب الجليل ج1ص499].

وقالوا: (عورة الأجنبية مع الأجنبي المسلم غير الوجه والكفين، فيجوز كشفهما للأجنبي ـ أي المسلم ـ وله نظرهما إن لم تخش الفتنة) [الشرح الصغير ج1ص115، وبلغة السالك ج1ص105].

الثالث: مذهب الشافعية: قالوا: (النظر مظنة للفتنة ومحرك الشهوة فاللائق بمحاسن الشريعة سد الباب، والإعراض عن تفاصيل الأحوال كالخلوة، مع كونه ـ أي الوجه ـ غير عورة، نظره مظنة للفتنة أو الشهوة، ففطم الناس عنه احتياطاً) [مغني المحتاج ج3ص128، الإقناع ج2ص118].

وقالوا في نهاية المحتاج: (وحيث قيل بالتحريم وهو القول الراجح، حرم النظر إلى المنتقبة التي لا يبين منها غير العينين ومحاجرهما) [نهاية المحتاج ج6ص196].

وقالوا: (ويحرم نظر فحل بالغ إلى عورة حرة كبيرة أجنبية، وكذا وجهها وكفيها عند خوف فتنة، وكذا عند الأمن على الصحيح) المنهاج في هامش مغني المحتاج عليه 3/128-129، وعلَّق عليه الشربيني فقال: (وجَّهه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات الوجوه، وبأن النظر مظنة الفتنة ومحرك الشهوة) ، وأضاف السبكي قوله: (إن الأقرب إلى صنع الأصحاب أن وجهها وكفيها عورة في النظر لا في الصلاة).

الرابع: مذهب الحنابلة: قالوا: (إن علة ستر الوجه لأنه عورة؛ لأنَّ بَدَن المرأة كله عورة، فيجب عليها ستره، ويحرُم النظر إليه أو كشفه إلا بسبب كإباحة شرعية مثل الخِطبة والإحرام وأمام المحارم، أو ضرورة التداوي والتقاضي والشهادة، وما إلى ذلك، والنظر يكون بقدر الضرورة) [المبدع شرح المقنع ج1ص359، الإنصاف ج1ص452، نيل المآرب بشرح دليل الطالب ص39].

وقالوا: (فأما نظر الرجل إلى الأجنبية من غير سبب فإنه محرم إلى جميعها في ظاهر كلام أحمد، قال أحمد: لا يأكل مع مطلقته هو أجنبي لا يحل له أن ينظر إليها، كيف يأكل معها ينظر إلى كفيها؟ لا يحل له ذلك) المغني 7/22-23.

والخلاصة: أن الوجه والكفين قال جماعة من الأئمة إنهما عورة يجب سترهما، وهذا أكثر الأقوال احتياطاً، واستدلوا عليه بجملة من الأدلة من أظهرها:

أولاً: قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}. والله تعالى يحب طهارة القلوب لكل مسلم ومسلمة لا لنساء النبي خاصة، وإن كانت الآية وردت خطاباً لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فهذا السبب أي العلة عام يجعل الحكم عاماً كما قال العلماء يحرم على المرأة إذا كلَّمت الرجال أن تخضع بالقول حتى لا يطمع فيها الذي في قلبه مرض.

ثانياً: وبقوله تعالى: { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}. مع أن هذه الآية موجهة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن الله تعالى لا يرضى لامرأة مسلمة أياً كانت أن تكلِّم الرجل بطريقة تطمعه فيها فالسبب عام، فينتج عنه حكم عام لهنَّ ولغيرهنَّ.

وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى وجوب ستر الوجه والكفين من المرأة الشابة، أو الجميلة وإن لم تكن شابة، دفعاً للفتنة، مع قولهم بأن الوجه والكفين ليسا بعورة، لأن دفع الفتنة واجب، والمراد بوجود الفتنة فيهما أن يكون النظر إليهما يمكن أن يحرك الشهوة عند الرجل الطبيعي، وليس كما يظن بعضهم أن يكون محركاً للغريزة بالفعل، كما أنه يحرم على الرجل أن يخلو بالمرأة غير المحرم لأنه يمكن أن يقع بينهما الحرام، حتى ولو كان ذلك مستبعداً منهما لكونهما في غاية الصلاح مثلاً، ولأن وجوب ستر الوجه والكفين عند هؤلاء سببه وعلته دفع الفتنة. قالوا: لا يجب على من لا يفتتن بها سترهما وبينوا مرادهم بمن لا يفتتن بها فقالوا: هي القبيحة الشوهاء والعجوز الشمطاء.

ثالثاً: وقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } قالوا: إذا كان الصوت سبباً وعلةً لوجوب السؤال من وراء حجاب، فجمال الوجه أحقُّ بوجوب الحجاب دفعاً لطمع الذي في قلبه مرض، وذلك لأن الفتنة بالنظر إلى الوجه والكفين أشد. ثم قالوا: وإذا كان هذا الكلام الإلهي موجهاً إلى أطهر نساء الدنيا ورجالها وهم الصحابة فغيرهم أولى وأحق.

رابعاً: وقوله تعالى: {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} قالوا: إذا نهى الله تعالى عن إبداء صوت الزينة أي الحلي من الخلاخيل فوق الأقدام لما فيه من إمكان تحريك الشهوة، فالوجه والكفان أولى بالنهي عن إظهارهما لأن الفتنة فيهما أشد.

وهؤلاء العلماء هم الأكثرون فإذا أضفنا إلى هؤلاء العلماء أولئك الذين ذكروا أولاً أي الذين يقولون بوجوب ستر الوجه والكفين حتى على كلٍّ من المرأة القبيحة والعجوز الشمطاء تبين أن القائلين بجواز كشف الوجه والكفين مطلقاً بدون قيود إنما هم قلة نادرة. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
96334 مشاهدة