أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

4747 - الحديث مع المرأة الأجنبية

03-01-2012 27423 مشاهدة
 السؤال :
ما حكم الشرع في حديث الرجل مع المرأة الأجنبية من غير ضرورة؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 4747
 2012-01-03

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ}. ويقول تعالى: {فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا}. فالأصل في الحديث مع المرأة الأجنبية لضرورةٍ أنه جائزٌ شرعاً، ولكنَّ الحديث معها له آدابه الشرعية:

أولاً: الاقتصار على الكلمات الضرورية، وبدون استرسالٍ معها في الحديث، خشية الوقوع في المخالفات، وليس هناك أروع من حياة الصحابة الكرام، حيث ضربوا لنا أروع مثالٍ عن آداب الحديث مع المرأة الأجنبية، تروي أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قصة الإفك التي رماها بها عدو الله ابن أبي ابن سلول، فكان من قولها: (وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الجَيْشِ فَأدْلَجَ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الحِجَابُ عَلَيَّ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَوَاللَّهِ مَا يُكَلِّمُنِي كَلِمَةً، وَلا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ، حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِيَ الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ) رواه البخاري ومسلم.

ما تكلَّم صفوان رضي الله عنه مع السيدة عائشة رضي الله عنها، وما سمعَتْ منه غير الاسترجاع، لأنه لا حاجة للكلام.

ثانياً: أن لا يمازحها ولا تمازحه، ولا يضحك معها، ولا تضحك معه، لأن هذا ليس من شأن أهل الأدب والمروءة.

ثالثاً: أن يغضَّ من بصره، وأن تغضَّ من بصرها، امتثالاً لأمر الله تعالى، هذا إذا كان الحديث ضرورياً ومواجهةً، والأصل أن يكون من وراء حجاب.

رابعاً: عدم الخضوع بالكلام، وذلك لقوله تعالى: {فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}. وهذا سواء بين الرجل والمرأة، فلا تخضع المرأة بالقول ولا الرجل.

خامساً: تجنُّب الكلمات التي فيها استمالة القلب نحو المتكلِّم، وتحريكٌ للشهوات.

سادساً: أن لا تكون هناك خلوة بين الرجل والمرأة الأجنبية، للحديث الشريف الذي رواه الطبراني عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسلَّمَ، قَالَ: (إِيَّاكُمْ وَالخَلْوَةَ بِالنِّسَاءِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا خَلا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إِلا دَخَلَ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمَا، وَلَيَزْحَمُ رَجُلٌ خِنْزِيرًا مُتَلَطِّخًا بِطِينٍ، أَوْ حَمْأَةٍ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَزْحَمَ مَنْكِبُهِ مَنْكِبَ امْرَأَةٍ لا تَحِلُّ لَهُ).

وأخيراً يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه ذم الهوى:

ومن التفريط القبيح الذي جرَّ أصعب الجنايات على النفس محادثةُ النساء الأجنبيات، والخلوة بهنَّ، وقد كانت عادة لجماعة من العرب يرون أن ذلك ليس بعارٍ، ويثقون من أنفسهم بالامتناع من الزنى، ويقنعون بالنظر والمحادثة، وتلك الأشياء تعملُ في الباطن وهم في غفلةٍ عن ذلك، إلى أن هلكوا، وهذا هو الذي جنى على مجنون ليلى وغيره ما أخرجهم به إلى الجنون والهلاك، وكان غلطهم من وجهين:

أحدهما: مخالفة الشرع الذي نهى عن النظر والخلوة.

والثاني: تعريض الطبع لما قد جُبِل على الميل إليه، ثم معاناة كفِّه عن ذلك، فالطبع يغلب، فإنْ غلب وقعت المعاصي، وإن غُلب حصل التلف بمنع العطشان عن تناول الماء.

وبناء على ذلك:

فالأصل في الحديث مع المرأة الأجنبية أنه جائز شرعاً، إذا كان لضرورةٍ، بالشروط التي ذكرناها؛ أما إذا كان الحديث لغير ضرورة، أو كان بقصد التلذُّذ والاستمتاع، فحرام شرعاً، وهو من زنى اللسان، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِن الزِّنَى، أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَى العَيْنَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَى اللِّسَانِ النُّطْقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ).

ويجب على المسلم أن يكون على حذر من الاسترسال بالحديث مع النساء الأرحام غير المحارم، كبنات العمِّ والعمَّة والخال والخالة، فإن ذلك من تزيين الشيطان والعياذ بالله تعالى.

وهذا كان يوصي به العقلاء لخاصَّتهم، فهذا أكثم بن صيفي حكيم العرب في الجاهلية يقول: أحسنوا يُحسن بكم، واسمحوا يُسمَح لكم، وعِفُّوا تَعِفَّ نساؤكم، واعلموا أنَّ محادثة النساء شُعبة من الزنى.

ودعا عبد الملك بمؤدب ولده فقال: إني قد اخترتك لتأديب ولدي، وجعلتك عيني عليهم وأميني، فاجتهد في تأديبهم ونصيحتي فيما استنصحتك فيه من أمرهم، علِّمهم كتابَ الله عز وجل حتى يحفظوه، وقِّفْهم على ما بيَّن الله فيه من حلال وحرام حتى يعقلوه، وخذهم من الأخلاق بأحسنها، ومن الآداب بأجمعها، وروِّهم من الشعر أعفَّه، ومن الحديث أصدقه، وجنِّبْهم محادثةَ النساءِ، ومجالسةَ الأظِنَّاء، ومخالطةَ السفهاءِ، وخوِّفهم بي، وأدِّبهم دوني، ولا تُخرجهم من علم إلى علم حتى يفهموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مَضَلَّة للفهم، وأنا أسأل الله توفيقك وتسديدك. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
27423 مشاهدة