186ـ مع الحبيب المصطفى: عذراً يا سيدي يا رسول الله

186ـ مع الحبيب المصطفى: عذراً يا سيدي يا رسول الله

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

186ـ عذراً يا سيدي يا رسول الله

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ وِلادَةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَهِيَ أَعظَمُ خَيرٍ وبِشَارَةٍ للبَشَرِيَّةِ جَمعَاءَ، وهيَ أَكبَرُ نِعمَةٍ ومِنَّةٍ من اللهِ تعالى على خَلْقِهِ.

لقد كَانَت وِلادَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِدَايَةً لِعَصْرٍ جَدِيدٍ ومُشرِقٍ للبَشَرِيَّةِ، وتَحَوُّلٍ عَمِيقٍ في حَيَاةِ الإِنسَانِيَّةِ، روى الإمام أحمد عن أَبي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَا كَانَ أَوَّلُ بَدْءِ أَمْرِكَ؟

قَالَ: «دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنهُ قُصُورُ الشَّامِ».

أيُّها الإخوة الكرام: كَم كَانَت نِعمَةُ اللهِ تعالى عَظِيمَةً، ومِنَّتُهُ كَرِيمَةً على البَشَرِيَّةِ جَمعَاءَ، وعلى العَرَبِ بِشَكلٍ خَاصٍّ، حِينَ بَعَثَ فِيهِم سَيِّدَ البَشَرِ، وأَنفَسَ الدُّرَرِ، نَبِيَّنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فقد أَخرَجَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ من جَاهِلِيَّةٍ جَهلاءَ، ومن ضَلالَةٍ عَميَاءَ، إلى الإِيمَانِ باللهِ وَحْدَهُ، وإلى الخَيرِ والضِّيَاءِ، قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.

سُؤَالُ النَّجَاشِيِّ لِجَعفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما:

أيُّها الإخوة الكرام: سَأَلَ النَّجَاشِيُّ أَصحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ هَاجَرُوا إلى الحَبَشَةِ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ، وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي دِينِي، وَلَا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ؟

فَأَجَابَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْماً أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيئُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا رَسُولاً مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللهِ تَعَالَى لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِن الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَ بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَن الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَن الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ، لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ. رواه الإمام أحمد عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها.

عُذْرَاً يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ:

فيا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، اِسْمَحْ لي أن أقُولَ في شَهْرِ مَوْلِدِكُمُ العَظِيمِ، والقَلْبُ يَقْطُرُ دَمَاً، والحَسْرَةُ تَأْكُلُ الفُؤَادَ:

عُذْرَاً يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ

لقد كُنتَ حَرِيصَاً عَلَينَا أَشَدَّ الحِرْصِ:

عُذْرَاً يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، لقد كُنتَ حَرِيصَاً عَلَينَا أَشَدَّ الحِرْصِ، بِشَهَادَةِ مَولانَا عزَّ وجلَّ القَائِلِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. وبِشَهَادَتِكُم عِندَمَا قُلتَ: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَاراً، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ، فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا، فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَن النَّارِ، وَأَنتُم تُقَحَّمُونَ فِيهَا» رواه الإمام البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، لقد أَخَذْتَ بِحُجَزِنَا لِتُنْقِذَنَا من النَّارِ، ولكنْ بِحَمَاقَتِنَا وبِجَهْلِنَا تَفَلَّتْنَا، وتَقَحَّمنَا النَّارَ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، فَاستَغفِرْ لَنَا يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، جَزَاكَ رَبِّي عزَّ وجلَّ عَنَّا خَيرَ الجَزَاءَ.

لقد خُيِّرتَ بَينُ المُلْكِ والعُبودِيَّةِ:

عُذْرَاً يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، لقد خُيِّرتَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ في أن تَكُونَ نَبِيَّاً مَلِكَاً، أو نَبِيَّاً عَبْدَاً، فَاختَرتَ أن تَكُونَ نَبِيَّاً عَبْدَاً، كَمَا أَخبَرَنَا بذلكَ حَبْرُ هذهِ الأُمَّةِ وعَظِيمُهَا سَيِّدِي عَبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما عِندَمَا قَالَ: إنَّ اللهَ أَرْسَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَلَكاً مِنَ الْمَلائِكَةِ، مَعَ الْمَلَكِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ.

فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ عَزَّ جَلَّ يُخَيِّرُكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ نَبِيَّاً عَبْدًا، أَوْ نَبِيَّاً مَلِكاً.

فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ كَالْمُسْتَشِيرِ؛ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنْ تَوَاضَعْ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ نَبِيَّاً عَبْداً» فَمَا رُؤِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مُتَّكِئاً حَتَّى لَحِقَ بِرَبِّهِ. رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، لقد اختَرتَ العُبُودِيَّةَ على المُلْكِ، ونَحنُ خَالَفنَا هَدْيَكَ، فَزَهِدْنَا في العُبُودِيَّةِ، وطَمِعْنَا في الدُّنيَا بِكُلِّ صُوَرِهَا، فَاستَغفِرْ لَنَا يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، جَزَاكَ رَبِّي عزَّ وجلَّ عَنَّا خَيرَ الجَزَاءَ.

لقد عُرِضَ عَلَيكَ المَالُ والشَّرَفُ والمُلْكُ:

عُذْرَاً يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، لقد كَانَ من غَبَاءِ النَّاسِ أن يَعرِضُوا عَلَيكَ المَالَ والشَّرَفَ والمُلْكَ في سَبِيلِ أن تَتْرُكَ تَبلِيغَ رِسَالَةِ رَبِّكَ، فَأَبَيتَ أَشَدَّ الإِبَاءِ، هكذا بَلَغَنَا من سِيرَتِكَ العَطِرَةِ، وذلكَ عِندَمَا جَاءَكَ أَبُو الوَلِيدِ عُتبَةُ بنُ رَبِيعَةَ، فَقَالَ لَكَ: يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّكَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ مِن السِّطَةِ ـ الكَرَمِ والشَّرَفِ ـ فِي الْعَشِيرَةِ، وَالْمَكَانِ فِي النَّسَبِ، وَإِنَّكَ قَدْ أَتَيْت قَوْمَك بِأَمْرِ عَظِيمٍ، فَرَّقْت بِهِ جَمَاعَتَهُمْ، وَسَفَّهْت بِهِ أَحْلَامَهُمْ، وَعِبْت بِهِ آلِهَتَهُمْ وَدِينَهُمْ، وَكَفَّرْت بِهِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِمْ، فَاسْمَعْ مِنِّي أَعْرِضْ عَلَيْك أُمُوراً تَنْظُرُ فِيهَا، لَعَلَّكَ تَقْبَلُ مِنْهَا بَعْضَهَا.

فَقُلتَ لَهُ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ: قُلْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ أَسْمَعْ.

فَقَالَ لَكَ: يَا ابْنَ أَخِي، إنْ كُنْت إِنَّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَالاً جَمَعْنَا لَك مِنْ أَمْوَالِنَا، حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالاً، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفاً سَوَّدْنَاك عَلَيْنَا، حَتَّى لَا نَقْطَعَ أَمْراً دُونَك، وَإِنْ كُنْت تُرِيدُ بِهِ مُلْكاً، مَلَّكْنَاك عَلَيْنَا؛ وَإِنْ كَانَ هَذَا الذِي يَأْتِيك رِئْياً تَرَاهُ، لَا تَسْتَطِيعُ رَدَّهُ عَنْ نَفْسِك، طَلَبْنَا لَك الطِّبَّ، وَبَذَلْنَا فِيهِ؛ حَتَّى إذَا فَرَغَ عُتْبَةُ مِنْ كَلَامِهِ.

قُلتَ لَهُ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ: أَقَدْ فَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟

فَقَالَ لَكَ: نَعَمْ.

فَقُلتَ لَهُ: فَاسْمَعْ مِنِّي؛ فَقَرَأتَ عَلَيهِ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: ﴿حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيَّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ﴾.

بل لقد خَاطَبتَ الجَمِيعَ بِقَولِكَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ: مَا بِي مَا تَقُولُونَ، مَا جِئْتُ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا الشَّرَفَ فِيكُمْ، وَلَا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّ اللهَ بَعَثَنِي إلَيْكُمْ رَسُولاً، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَاباً، وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيراً وَنَذِيراً، فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي، وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ، فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. من سِيرَةِ ابنِ هِشَامٍ.

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، لقد رَفَضتَ المَالَ، ونَحنُ نَطْلُبُهُ، ورَفَضتَ الشَّرَفَ فِيهِم، ونَحنُ نَطْلُبُهُ، ورَفَضتَ المُلْكَ عَلَيهِم، ونَحنُ نَطْلُبُهُ، لقد غَيَّرنَا وبَدَّلنَا ـ إلا من رَحِمَ اللهُ تعالى ـ فَاستَغفِرْ لَنَا يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، جَزَاكَ رَبِّي عزَّ وجلَّ عَنَّا خَيرَ الجَزَاءَ.

لقد كِدتَ أن تُهْلِكَ نَفْسَكَ:

عُذْرَاً يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، لقد كِدتَ أن تُهْلِكَ نَفْسَكَ لِيُؤمِنَ النَّاسُ، وكَادَتْ نَفْسُكَ الشَّرِيفَةُ الطَّاهِرَةُ أن تَذْهَبَ حَسَرَاتٍ عَلَى القَومِ لأنَّهُم أَعرَضُوا عَنكَ وعن دِينِكَ، حَتَّى نَهَاكَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ من ذلكَ بِقَولِهِ: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾. وبِقَولِهِ تعالى: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾. وبَيَّنَ لكَ أنَّهُ يَكفِيَكَ أن تُذَكِّرَهُم، فَقَالَ تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾. وقَالَ لَكَ: ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، جَزَاكُم رَبِّي عزَّ وجلَّ خَيرَ الجَزَاءِ عن هذهِ الأُمَّةِ، لَقَد كُنتُم يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ سَبَبَاً في سَوْقِ خَيْرَيِ الدُّنيَا والآخِرَةِ لَنَا، ولقد ذَكَّرْتَنَا بِفَضْلِكَ عَلَينَا، فَقُلتَ:

«أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالاً فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِي» رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، لقد بَثَثْتَ شَوْقَكَ إِلَينَا قَبلَ وُجُودِنَا، وَوَدِدْتَ أَنَّكَ قَد رَأَيتَنَا، لَقَد خَرَجتَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ إلى البَقِيعِ، فَقُلتَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا».

فَقَالَ لَكَ أَصحَابُكَ الكِرَامُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

فَقُلتَ لَهُم: «أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، لقد تَرَكتَ لَنَا أَشرَفَ تَرِكَةٍ وأَعظَمَهَا، ولكنْ لَعِبَتْ بِنَا الدُّنيَا التي كُنتَ تَخْشَاهَا عَلَينَا، ولقد صَرَّحتَ لَنَا ذلكَ بِقَولِكَ العَظِيمِ: «إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي واللهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِيَ الْآنَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ـ أَوْ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ ـ وَإِنِّي واللهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا» رواه الشيخان عَنْ عُقْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، لقد قُلتَ لَنَا: «حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُحْدِثُونَ وَيُحْدَثُ لَكُمْ، وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ، فَمَا رَأَيْتُ مِنَ خَيْرٍ حَمِدْتُ اللهَ عَلَيْهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنَ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللهَ لَكُمْ» رواهُ البَزَّارُ عَن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيكَ رَدَّاً جَمِيلاً. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 14/ربيع الأول /1435هـ، الموافق: 5/كانون الثاني / 2015م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2317 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2317
20-06-2019 1386 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1386
28-04-2019 1169 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1169
28-04-2019 1181 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1181
21-03-2019 1762 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1762
13-03-2019 1626 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1626

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412554902
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :