4-دروس رمضانية 1437هـ:أعلى درجات الصيام اتقاء المحارم

4-دروس رمضانية 1437هـ:أعلى درجات الصيام اتقاء المحارم

.

دروس رمضانية 1437هـ

4ـ أعلى درجات الصيام اتقاء المحارم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: المَهَمَّةُ التي خُلِقَ العِبَادُ مِنْ أَجْلِهَا هِيَ عِبَادَةُ اللهِ تعالى وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.

وَعَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّ اللهَ تعالى مُسْتَغْنٍ عَنِ الخَلْقِ كُلِّهِمْ، وَعَنْ عِبَادَتِهِمْ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى الهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْـمُحْسِنِينَ﴾.

وَقَالَ تعالى في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئَاً؛ يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئَاً» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَدَاءُ العِبَادَةِ كَمَا أَمَرَ اللهُ تعالى هُوَ سَبِيلُ السَّعَادَةِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَهُوَ السَّبِيلُ الذي يَحْجُزُ الإِنْسَانَ عَنِ التَّمَرُّدِ على شَرْعِ اللهِ تعالى، وَأَعْظَمُ مَقَاصِدِ العِبَادَةِ حُصُولُ التَّقْوَى التي هِيَ الحَاجِزُ عَنْ وُقُوعِ الإِنْسَانِ في المَعَاصِي.

تَأَمَّلُوا قَوْلَ اللهِ تعالى في الصِّيَامِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.

وَتَأَمَّلُوا قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَيْسَ المَقْصُودُ مِنَ العِبَادَةِ مُجَرَّدَ حَرَكَاتٍ ظَاهِرَةٍ تُمَارِسُهَا الجَوَارِحُ دُونَ أَنْ تُؤَثِّرَ في البَاطِنِ، بَلِ المَقْصُودُ مَعَ ذَلِكَ عَمَلُ القَلْبِ مِنْ إِخْبَاتٍ وَتَذَلُّلٍ وَخُضُوعٍ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَأَدَاءُ العِبَادَةِ ظَاهِرَاً دُونَ عُبُودِيَّةٍ للهِ في البَاطِنِ هُوَ أَدَاءٌ صُورِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ كَانَ يَرْجُو في شَهْرِ رَمَضَانَ القَبُولَ وَالإِجَابَةَ، فَلْيُشَمِّرْ لِقِرَاهُ بِالتَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ، وَلْيَبْذُلْ مَقْدُورَهُ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَلْيُمْسِكْ في أَيَّامِهِ وَلَيَالِيهِ عَنِ الزُّورِ وَالفُجُورِ الذي يُحْبِطُ ثَوَابَ الأَعْمَالِ.

لَقَدْ فَاتَ عَبْدَاً حَظُّهُ مِنَ الصِّيَامِ عِنْدَمَا يُمْسِكُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَلَكِنَّهُ يُطْلِقُ جَوَارِحَهُ في مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، وفي الحَرَامِ، وَفي الآثَامِ.

أَعْلَى دَرَجَاتِ العِبَادَةِ اتِّقَاءُ المَحَارِمِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَكُونَ أَعْبَدَ النَّاسِ للهِ تعالى فَلْنَتَّقِ المَحَارِمَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ المَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

هُنَاكَ مَنِ اتَّخَذَ الصَّوْمَ عَادَةً، يَدْخُلُ شَهْرُ رَمَضَانَ وَيَخْرُجُ وَهُوَ لَمْ يَتَأَثَّرْ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ في حَيَاتِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ هَذَا العَبْدُ أَنَّ المَقْصُودَ مِنَ الصِّيَامِ هُوَ رَدْعُ النَّفْسِ وَتَرْبِيَتُهَا وَتَهْذِيبُهَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هُنَاكَ أَقْوَامٌ وَقَعُوا في الكَبَائِرِ وَالآثَامِ حَتَّى غَطَّتْ قُلُوبَهُمْ عَنْ أَنْوَارِ وَرَحَمَاتِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَكَانَ صِيَامُهُمْ عَادَةً لَا عِبَادَةً، لِذَا تَرَى صِيَامَهُمْ قَدْ مُلِئَ زُورَاً وَلَغْوَاً.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَلْ يَسْتَقِيمُ الصِّيَامُ مَعَ قَوْلِ الحَرَامِ، وَفِعْلِ الحَرَامِ؟

هَلْ يَسْتَقِيمُ الصِّيَامُ بِدُونِ مُرَاقَبَةِ اللهِ تعالى في أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا؟

هَلْ يَسْتَقِيمُ الصِّيَامُ مَعَ قَوْلِ الزُّورِ، وَعَمَلِ الزُّورِ؟

هَلْ يَسْتَقِيمُ صِيَامُنَا بِدُونِ تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟

المَطْلُوبُ مِنَّا تَحْقِيقُ تَقْوَى اللهِ تعالى:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: المَطْلُوبُ مِنَّا وَخَاصَّةً في شَهْرِ الصِّيَامِ تَحْقِيقُ تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، في أَلْسِنَتِنَا وَجَوَارِحِنَا، وَأَنْ يَسْلَمَ المُسْلِمُونَ مِنْ أَلْسِنَتِنَا وَجَوَارِحِنَا، لِأَنَّ تَقْوَى اللهِ تعالى في الجَوَارِحِ هِيَ الغَايَةُ المَنْشُودَةُ، وَالصِّفَةُ المَفْقُودَةُ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ﴾. وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. وَأَبْسَطُ مَعَانِيِ التَّقْوَى تَرْكُ قَوْلِ الزُّورِ وَالعَمَلِ بِهِ، وَفِعْلُ المَأْمُورِ، وَاجْتِنَابُ المَحْظُورِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَلْ حَقَّقْنَا التَّقْوَى في صِيَامِنَا؟ هَلْ تَرَكْنَا قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ؟ أَمْ نَحْنُ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى مِمَّنْ يَتَّقِي اللهَ بِبَعْضِ شَعَائِرِ اللهِ كَالصَّوْمِ فَقَطْ، ثمَّ يَعِيثُ في الأَرْضِ فَسَادَاً؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَتَبَ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ إلى رَجُلٍ: أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا، وَلَا يَرْحَمُ إِلَّا أَهْلَهَا، وَلَا يُثِيبُ إِلَّا عَلَيْهَا، فَإِنَّ الْوَاعِظِينَ بِهَا كَثِيرٌ، وَالْعَامِلِينَ بِهَا قَلِيلٌ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَيْنَ نَحْنُ مِنْ حَقِيقَةِ الصِّيَامِ؟ أَيْنَ نَحْنُ مِنْ صِيَامِ جَوَارِحِنَا عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى؟

انْظُرُوا إلى أَهْلِ التَّقْوَى، الإِمَامُ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى يَقُولُ: مَا اغْتَبْتُ مُسْلِمَاً مُنْذُ احْتَلَمْتُ.

وَيَقُولُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: مَا حَلَفْتُ بِاللهِ صَادِقَاً وَلَا كَاذِبَاً قَطُّ.

وَيَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: كُلَّ يَوْمٍ وَأَنَا أَنْظُرُ في المِرْآةِ هَلِ اسْوَدَّ وَجْهِي مِنَ الذُّنُوبِ؟

هَذَا حَالُ السَّلَفِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، فَأَيْنَ حَالُنَا مِنْ حَالِهِمْ؟

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 2/ رمضان /1437هـ، الموافق: 7/ حزيران / 2016م

 2016-06-07
 1210
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  دروس رمضانية

14-03-2024 321 مشاهدة
1-مواساة لأصحاب الأعذار في رمضان

يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد

 14-03-2024
 
 321
26-05-2022 693 مشاهدة
28ـ غزوة بدر وحسرة المشركين

فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد

 26-05-2022
 
 693
26-05-2022 514 مشاهدة
27ـ غزوة بدر درس عملي لكل ظالم ومظلوم

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد

 26-05-2022
 
 514
29-04-2022 386 مشاهدة
26ـ غزوة بدر وتواضع القائد

مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 386
29-04-2022 817 مشاهدة
25ـ هنيئًا لكم أيها الصائمون القائمون

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد

 29-04-2022
 
 817
29-04-2022 918 مشاهدة
24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 918

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412712027
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :