66ـ كريم عشرته    مع الناس كلهم

66ـ كريم عشرته    مع الناس كلهم

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

66ـ كريم عشرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مع الناس كلهم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَقَدْ قَالَ العُلَمَاءُ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ ـ حَدِيثِ اسْتِمَاعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِحَدِيثِ الزَّوْجَاتِ الذي ذُكِرَ في الدَّرْسِ المَاضِي ـ:

1ـ نَدْبُ حُسْنِ المُعَاشَرَةِ للأَهْلِ.

2ـ وَحِلُّ السَّمَرِ في خَيْرٍ، كَمُلَاطَفَةِ زَوْجَتِهِ، وَإِينَاسِ ضَيْفِهِ.

3ـ وَجَوَازِ ذِكْرِ المَجْهُولِ عِنْدَ المُتَكَلِّمَ وَالسَّامِعِ بِمَا يَكْرَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ غِيبَةً، وَغَايَةُ الأَمْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ذَكَرَتْ نِسَاءَ مَجْهُولَاتٍ، ذَكَرَ بَعْضُهُنَّ عُيُوبَ أَزْوَاجٍ مَجْهُولِينَ، لَا يُعْرَفُونَ بِأَعْيَانِهِمْ، وَلَا بِأَسْمَائِهِمْ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعَدُّ غِيبَةً، كَمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ في شَرْحِهِ.

وَفِي التَّرَاتِيبِ الإِدَارِيَّةِ: أَخَذَ الأَئِمَّةُ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ جَوَازَ التَّحَدُّثِ عَنِ الأُمَمِ المَاضِيَةِ، وَالأَجْيَالِ البَائِدَةِ، وَضَرْبِ الأَمْثَالِ بِهِمْ، لِأَنَّ في سِيَرِهِم اعْتِبَارَاً للمُعْتَبِرِ، وَاسْتِبْصَارَاً للـمُسْتَبْصِرِ، وَاسْتِخْرَاجَ الفَائِدَةِ للبَاحِثِ المُسْتَكْثِرِ، فَإِنَّ في هَذَا الحَدِيثِ خُصُوصَاً إِذَا حُدِّثَ بِهِ النِّسَاءُ مَنْفَعَةً في الحَضِّ عَلَى الوَفَاءِ للبُعُولَةِ.

قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: وَفِيهِ ـ أَيْ: في هَذَا الحَدِيثِ ـ مِنَ الفِقْهِ: التَّحَدُّثُ بِمِلْحِ الأَخْبَارِ، وَطُرَفِ الحِكَايَاتِ، تَسْلِيَةً للنَّفْسِ، وَجَلَاءً للقَلْبِ (كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ تَسْلِيَةِ نَفْسِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا).

وَهَكَذَا تَرْجَمَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ عَلَيْهِ: بَابُ مَا جَاءَ في كَلَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في السَّمَرِ.

ثُمَّ قَالَ عِيَاضٌ: وَيُرْوَى عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ: سَلُّوا هَذِهِ النُّفُوسَ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ، فَإِنَّهَا تَصْدَأُ كَمَا يَصْدَأُ الحَدِيدُ.

وَقَالَ أَيْضَاً: القَلْبُ إِذَا أُكْرِهَ عَمِيَ.

وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: حَـمِّضُوا (أَيْ: إِذَا مَلَلْتُمْ مِنَ الفِقْهِ فَخُذُوا في الأَشْعَارَ، وَأَخْبَارِ العَرَبِ).

قَالَ: وَهَذا كُلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ دَائِمَاً مُتَّصِلَاً، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَادَةَ الرَّجُلِ حَتَّى يُعْرَفَ بِهِ، وَيَتَّخِذَهُ دَيْدَنَاً وَيُضْحِكَ بِهِ النَّاسَ فَهَذَا مَذْمُومٌ غَيْرُ مَحْمُودٍ شَرْعَاً.

قَالَ: وَللاهْتِمَامِ بِفَوَائِدِ هَذَا الحَدِيثِ وَكَثْرَةِ مَا اسْتُنْبِطَ مِنْهُ، أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ كَثِيرٌ مِنَ العُلَمَاءِ المُتَقَدِّمِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَسْمَاءَهُمْ. اهـ. بِاخْتِصَارٍ.

كَرِيمُ عِشْرَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّاسِ كُلِّهِمْ:

جَاءَ في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: في السَّفَرِ وَالحَضَرِ ـ عَشْرَ سِنِينَ ـ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: تِسْعَ سِنِينَ ـ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ، وَلَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَهُ، وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ: لِمَ تَرَكْتَهُ».

وفي رواية أبي نعيم: قَالَ أَنَسٍ: فَمَا سَبَّنِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَطُّ، وَلَا ضَرَبَنِي مِنْ ضَرْبَةٍ، وَلَا انْتَهَرَنِي، وَلَا عَبَسَ في وَجْهِي، وَلَا أَمَرَ في أَمْرٍ فَتَوَانَيْتُ فِيهِ فَعَاتَبَنِي عَلَيْهِ، فَإِنْ عَاتَبَنِي عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ قَالَ: «دَعُوهُ، لَو قُدِّرَ شَيْءٌ كَانَ».

أَدَبُهُ الرَّفِيعُ مَعَ مَنْ يُحَدِّثُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُصْغِي كُلَّ الإِصْغَاءِ إلى مَنْ يُحَدِّثُهُ، أَو يَسْأَلُهُ،  وَيُقْبِلُ عَلَيْهِ وَيُلَاطِفُهُ:

رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلَاً الْتَقَمَ أُذُنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (يَعْنِي يُكَلِّمُهُ سِرَّاً) فَيُنَحِّي رَأْسَهُ، حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يُنَحِّي رَأَسَهُ، وَمَا رَأَيْتُ رَجُلَاً أَخَذَ بِيَدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَتَرَكَ يَدَهُ، حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَدَعُ يَدَهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ قَتَادَةَ في حَدِيثِ نَوْمِهِمْ عَنْ صَلَاةِ الفَجْرِ، وَقَدْ عَطِشُوا وَتَكَابُّوا عَلَى المَاءِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَحْسِنُوا المَلَأَ (يُقَالُ: مَا أَحْسَنَ مَلَأَ فُلَانٍ، أَيْ: خُلُقَهُ وَعِشْرَتَهُ، قَالَ ابْنُ الأَثِيرِ بَعْدَ ضَبْطِهِ، المَلَأُ بِفَتْحِ المِيمِ وَاللَّامِ وَالهَمْزَةِ، وَأَكْثَرُ رُوَاةِ الحَدِيثِ يَقْرَؤُونَهَا: أَحْسِنُوا المِلْءَ: ـ بِكَسْرِ المِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ ـ مِنْ: مَلَأَ الإِنَاء، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ).

كُلُّكُمْ سَيَرْوَى». فَفَعَلُوا.

فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ.

قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: وَأَسْقِيهِمْ حَتَّى مَا بَقِيَ غَيْرِي، وَغَيْرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ: ثُمَّ صَبَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: «اشْرَبْ».

فَقُلْتُ: لَا أَشْرَبُ حَتَّى تَشْرَبَ يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «إِنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبَاً».

قَالَ فَشَرِبْتُ وَشَرِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 4/محرم /1440هـ، الموافق: 14/ أيلول / 2018م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  من كتاب سيدنا محمد رسول الله   

20-03-2021 2650 مشاهدة
203ـ تمسح الملائكة بالقبر الشريف

رَوَى الدَّارَمِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ كَعْبَاً ـ أَيْ: كَعْبَ الأَحْبَارِ ـ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَذَكَرُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ كَعْبٌ: مَا مِنْ يَوْمٍ يَطْلُعُ ... المزيد

 20-03-2021
 
 2650
12-03-2021 1468 مشاهدة
202ـ إفاضة القبر الشريف بالأسرار والأنوار

بَابُ مَا أَكْرَمَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ. ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قُحِطَ أَهْلُ المَدِينَةِ قَحْطَاً شَدِيدَاً، ... المزيد

 12-03-2021
 
 1468
19-02-2021 995 مشاهدة
201ـ بكاء الصحابة لتذكرهم عهوده صلى الله عليه وسلم

عَادَ خَبَّابَاً نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَبْشِرْ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تَرِدُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحَوْضَ! ... المزيد

 19-02-2021
 
 995
20-11-2020 4141 مشاهدة
200ـ بكاء الصحابة عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (2)

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ... المزيد

 20-11-2020
 
 4141
13-11-2020 1894 مشاهدة
199ـ بكاء الصحابة عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم

رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ رَضِيَ اللهُ ... المزيد

 13-11-2020
 
 1894
06-11-2020 980 مشاهدة
198ـ محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم (5)

بُكَاءُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِأَلَمِ فِرَاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبُكَاؤُهُمْ لِتَذَكُّرِ مَجَالِسِهِ، وَبُكَاؤُهُمْ عِنْدَ ذِكْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ... المزيد

 06-11-2020
 
 980

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411928071
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :