أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

1646 - هل فسق الشهود يلغي صحة العقد؟

24-12-2008 954 مشاهدة
 السؤال :
طَلَّقَ رَجُلٌ زَوْجَتَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ رَاجَعَهَا، وَطَلَّقَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً بِقَوْلِهِ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ بِالثَّلَاثَةِ ثُمَّ رَاجَعَهَا، وَطَلَقَّهَا مَرَّةً ثَالِثَةً بِقَوْلِهِ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ. َفَهْل تَحِلُّ الزَّوْجَةُ لِزَوْجِهَا؟ عِلْمَاً بِأَنَّ بَعْضَ العُلَمَاءِ أَرْجَعَهَا لَهُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشُّهُودَ كَانُوا فَاسِقِينَ بِسَبَبِ حَلْقِ لِحَاهُمْ، فَهَلِ الفَتْوَى صَحِيحَةٌ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 1646
 2008-12-24

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

المَرْأَةُ هَذِهِ لَا تَحِلُّ لِزَوْجِهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجَاً غَيْرَهُ، لِأَنَّهَا بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ بِالثَّلَاثَةِ في المَرَّةِ الثَّانِيَةِ بَانَتْ مِنْهُ بَيْنُونَةً كُبْرَى عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ.

وَأَمَّا فَتْوَى العَالِمِ: بِأَنَّهَا تَحِلُّ بِسَبَبِ فِسْقِ الشُّهُودِ، فَهَذِهِ الفَتْوَى فِيمَا أَعْتَقِدُ أَنَّهَا فَتْوَى بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنْ يَنْظُرَ في أَمْرِ الوَلِيِّ وَالشُّهُودِ في عَقْدِ الزَّوَاجِ، هَلْ كَانُوا عُدُولَاً أَمْ لَا؟ لِيَجْعَلَ فِسْقَهُمْ ذَرِيعَةً إلى عَدَمِ إِيقَاعِ الطَّلَاقِ بِالثَّلَاثِ.

لِأَنَّهُ إِذَا اسْتَحَلَّ الزَّوْجُ وَطْءَ زَوْجَتِهِ في النِّكَاحِ الفَاسِدِ فَقَدْ عَمِلَ مِنْ جَانِبِهِ هُوَ عَلَى صِحَّةِ العَقْدِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى فَسَادِهِ، لِأَنَّنَا لَو أَخَذْنَا بِذَلِكَ يَكُونُ العَقْدُ صَحِيحَاً إِذَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ في صِحَّتِهِ، وَفَاسِدَاً إِذَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ في فَسَادِهِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، فَضْلَاً عَنْ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ المُسْلِمِينَ، لِأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنِ اعْتَقَدَ حِلَّ الشَّيِءِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَافَقَ غَرَضَهُ أَو خَالَفَهُ، وَمَنِ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ في الحَالَيْنِ كَذَلِكَ.

وَهَؤُلَاءِ المُطلِّقُونَ لَا يُفَكِّرُونَ في فَسَادِ النِّكَاحِ بِسَبَبِ فِسْقِ الوَلِيِّ وَالشُّهُودِ إِلَّا عِنْدَ الطَّلَاقِ بِالثَّلَاثِ، وَلَا يُفَكِّرُونَ في فَسَادِ نِكَاحِهِمْ عِنْدَ الاسْتِمْتَاعِ وَالتَّوَارُثِ، فَفِي وَقْتٍ يُقَلِّدُونَ مَنْ يُفْسِدُهُ، وَفِي وَقْتٍ آخَرَ يُقَلِّدُونَ مَنْ يُصَحِّحُهُ بِحَسَبِ الغَرَضِ وَالهَوَى، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ.

وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ العُلَمَاءُ لَا يُفَكِّرُونَ بِأَنْ يُبَيِّنُوا للنَّاسِ فَسَادَ العَقْدِ بِسَبَبِ فِسْقِ الشُّهُودِ وَالوَلِيِّ عِنْدَ بِدَايَةِ العَقْدِ، وَكذَلِكَ لَا يُفَكِّرُونَ بِأَنْ يَنْصَحُوا العَامَّةَ في تَصْحِيحِ عُقُودِهِمْ وَلَوْ لَمْ يُطَلِّقُوا، مَا دَامُوا يَعْتَقِدُونَ فَسَادَ العَقْدِ، أَلَيْسَ هَذَا مِنَ الغِشِّ للعَامَّةِ إِذَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فَسَادَ العَقْدِ بِسَبَبِ فِسْقِ الشُّهُودِ؟

وَأَمْرٌ آخَرُ: أَكْثَرُ عُقُودِ الزَّوَاجِ يَحْضُرُهَا جَمْعٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، يَسْمَعُونَ صِيغَةَ عَقْدِ الزَّوَاجِ بَيْنَ وَكِيلِ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ، فَهَلِ الجَمِيعُ فُسَّاقٌ، أَلَا يُوجَدُ فِيهِمُ اثْنَانِ عُدُولٌ؟ وَالفَاسِقُ إِذَا أُمِرَ بِالتَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ أَلَا يُصْبِحُ عَدْلَاً بَعْدَ التَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ؟

وَالغَالِبُ في عُقُودِ النِّكَاحِ أَنَّهَا بَعْدَ خِطْبَةِ النِّكَاحِ يَسْتَغْفِرُ الخَطِيبُ اللهَ وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِالاسْتِغْفَارِ، فَمَنِ الذي أَعْلَمَنَا بِأَنَّ هَذَا العَقْدَ الذي نَعْتَبِرُهُ فَاسِدَاً بِسَبَبِ فِسْقِ الوَلِيِّ أَو الشُّهُودِ بِأَنَّهُمْ مَا اسْتَغْفَرُوا اللهَ تعالى قَبْلَ عَقْدِ الزَّوَاجِ بَعْدَ خِطْبَةِ النِّكَاحِ؟

وَالعَدَالَةُ التي اشْتَرَطَهَا الفُقَهَاءُ في عَقْدِ الزَّوَاجِ هِيَ عَدَالَةُ الظَّاهِرِ، لِأَنَّ لَنَا الظَّاهِرَ وَاللهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ، وَلَيْسَ مِنْ حَقِّنَا أَنْ نَسْأَلَ مَنْ كَانَ ظَاهِرُهُ عَدْلَاً هَلْ أَنْتَ تَفْعَلُ مَعْصِيَةَ كَذَا وَكَذَا؟ لِنَحْكُمَ بِفِسْقِهِ مِنْ أَجْلِ أَنْ نَصِلَ إلى الحُكْمِ بِأَنَّ العَقْدَ الذي شَهِدَهُ كَانَ فَاسِدَاً، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّقْ» رواه الطبراني.

وَمِنْ مِنَّا يَنْجُو مِنَ المُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ؟ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) رواه ابن ماجه.

مِنْ مِنَّا يَنْجُو مِنَ السُّخْرِيَةِ وَاللَّمْزِ وَالتَّنَابُزِ بِالأَلْقَابِ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبِّي؟ وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون﴾ [الحجرات: 11].

وَهَلْ هُنَاكَ عَقْدٌ مِنْ عُقُودِ الزَّوَاجِ لَا يَشْهَدُهُ إِلَّا فَاسِقَانِ اشْتُهِرَا بِالفِسْقِ؟ قَلَّمَا أَنْ يَكُونَ عَقْدُ زَوَاجٍ لَا يُوجَدُ فِيهِ طَالِبُ عِلْمٍ وَرَجُلٌ صَالِحٌ.

وَلِمَاذَا نَسْأَلُ عَنْ صِحَّةِ العَقْدِ عِنْدَ الطَّلَاقِ ثَلَاثَاً، وَلَا نَسْأَلُ عَنْهُ عِنْدَ تَوْزِيعِ التَّرِكَةِ أَو عِنْدَ نُشُوزِ المَرْأَةِ؟ لِأَنَّهُ في النِّكَاحِ الفَاسِدِ، لَا تَجِبُ نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى المَرْأَةِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الطَّاعَةُ لَهُ، وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا.

هَلْ إِذَا رُفِعَتْ قَضِيَّةُ تَوَارُثٍ بَيْنَ زَوْجَيْنِ لِمَنْ يُفْتِي في فَسَادِ العَقْدِ يَسْأَلُ عَنْ صِحَّةِ هَذَا العَقْدِ؟

وَمَا هِيَ المَصْلَحَةُ في أَنْ أَجْعَلَ الحَيَاةَ الزَّوْجِيَّةَ التي اسْتَمَرَّتْ سَنَوَاتٍ، وَرُبَّمَا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجَانِ قَدْ رُزِقُوا بِأَوْلَادٍ، أَجْعَلَ عَقْدَهُمْ فَاسِدَاً سَنَوَاتٍ عِدَّةً، لِأُصَحِّحَ لَهُمُ العَقْدَ الآنَ؟

لِنَتَّقِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ في فَتْوَانَا، وَلْنَتَحَرَّ الأَصْوَبَ، وَالحِيطَةُ في النِّكَاحِ أَوْلَى مِنْ أَخْذِ الرُّخَصِ.

وَبِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ:

1ـ هَذِهِ الزَّوْجَةُ لَا تَحِلُّ لِزَوْجِهَا مُنْذُ أَنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ بِالثَّلَاثَةِ، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجَاً غَيْرَهُ، وَهَذَا عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ.

2ـ وَهَذِهِ الفَتْوَى التي أَفْتَى بِهَا العَالِمُ بِتَفْسِيقِ الشُّهُودِ بَاطِلَةٌ، وَلَا يَجُوزُ العَمَلُ بِهَا. هذا، والله تعالى أعلم

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
954 مشاهدة