492ـ خطبة الجمعة: ﴿اقْتَرَبَ للنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾

492ـ خطبة الجمعة: ﴿اقْتَرَبَ للنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾

.

492ـ خطبة الجمعة: ﴿اقْتَرَبَ للنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: نَحْنُ نَعِيشُ خِضَمَّ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، نَعِيشُ في وَسَطِ أَمْوَاجِهَا المُتَلَاطِمَةِ بَيْنَ آلَامٍ وَآمَالٍ، بَيْنَ خَوْفٍ وَأَمَانٍ، بَيْنَ فَقْرٍ وَغِنَىً، بَيْنَ ذُلٍّ وَعِزٍّ، بَيْنَ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَسَاءَلَ مَعَ أَنْفُسِنَا: كَمْ بَقِيَ مِنَ العُمُرِ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: هَلْ نَعْلَمُ بِأَنَّنَا في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بَلْ وفي كُلِّ نَفَسٍ مِنْ أَنْفَاسِنَا نَقْتَرِبُ مِنَ المَوْتِ، وَنَبْتَعِدُ عَنِ الدُّنْيَا.

هَلْ نَعْلَمُ بِأَنَّ كُلَّ نَفَسٍ يَخْرُجُ مِنَّا لَنْ يَعُودَ، وَأَنَّ كُلَّ ثَانِيَةٍ مِنْ أَنْفَاسِنَا مَحْسُوبَةٌ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ غَافِلُونَ؟

﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ: إلى مَتَى سَنَبْقَى في غَفْلَةٍ عَنِ اللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ؟ إلى مَتَى سَنَبْقَى نَتَعَامَى وَنَتَصَامُّ عَنْ حَقِيقَةِ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ التي لَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ؟

إلى مَتَى سَنَبْقَى في غَفْلَةٍ عَنِ الهَدَفِ السَّامِي الذي خُلِقْنَا مِنْ أَجْلِهِ؟ مَتَى سَنَسْمَعُ وَنَتَدَبَّرُ هَذَا النَّبَأَ العَظِيمَ الذي أَخْبَرَنَا عَنْهُ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ في كِتَابِهِ العَظِيمِ بِبَيَانٍ وَاضِحٍ، وَلَا يَحْتَاجُ إلى شَرْحٍ وَتَفْسِيرٍ: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾؟

يَا عِبَادَ اللهِ: اقْتَرَبَ حِسَابُنَا، وَلَيْسَ يَوْمُنَا مِثْلَ أَمْسِنَا، وَلَنْ نَكُونَ في الغَدِ مِثْلَ اليَوْمِ، نَقُصَتْ مِنَّا أَشْيَاءُ وَأَشْيَاءُ بِنِسَبٍ وَمَقَادِيرَ لَا يَعْلَمُهَا على الحَقِيقَةِ إلا الذي خَلَقَنَا وَسَوَّانَا وَعَدَلَنَا وفي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَنَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: اقْتَرَبَ حِسَابُنَا، وَأَوَّلُ مَرْحَلَةٍ مِنْ مَرَاحِلِهِ عِنْدَمَا يُوضَعُ أَحَدُنَا في قَبْرِهِ وَحِيدَاً فَرِيدَاً، لَا مَالَ، وَلَا جَاهَ، وَلَا عِزَّ، وَلَا سُلْطَانَ، وَلَا أَتْبَاعَ، وَلَا أَحْبَابَ.

اقْتَرَبَ حِسَابُنَا، وَيَبْدَأُ بَعْدَ أَنْ يَنْفُضَ النَّاسُ أَيْدِيهم مِنْ تُرَابِ قُبُورِنَا، وَيَنْصَرِفُونَ عَنَّا، وَتُعَادُ الرُّوحُ إلى الجَسَدِ بِكَيْفِيَّةٍ لَا يَعْلَمُهَا إلا اللهُ تعالى، وَكُلُّ وَاحِدٍ مُرْتَهَنٌ بِعَمَلِهِ، إِنْ خَيْرَاً فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرَّاً فَشَرٌّ.

اقْتَرَبَ حِسَابُنَا، وَيَبْدَأُ بَعْدَ أَنْ يَرْجِعَ الأُصُولُ وَالفُرُوعُ وَالإِخْوَانُ وَالأَصْدِقَاءُ وَالأَصْحَابُ وَالخِلَّانُ، وَيَنْزِلُ بِنَا مَلَكَانِ مِنْ قِبَلِ الرَّحْمَنِ.

فِتْنَةُ القَبْرِ وَالسُّؤَالُ فِيهِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: نَحْنُ في غَفْلَةٍ عَنِ اللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ ـ إلا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى ـ نَحْنُ في غَفْلَةٍ عَنْ تِلْكَ السَّاعَةِ عِنْدَمَا يُوضَعُ أَحَدُنَا في قَبْرِهِ، وَهُوَ يَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِ المُشَيِّعِينَ، وَيَأْتِي المَلَكَانِ، وَلِأَوَّلِ مَرَّةٍ سَوْفَ نَرَى المَلَائِكَةَ، فَإِمَّا أَنْ يَرَاهُمَا أَحَدُنَا وَهُمَا يُبَشِّرَانِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَرَاهُمَا وَهُمَا يَقُولَانِ لَهُ: ﴿لَا بُـشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرَاً مَحْجُورَاً﴾.

تَصَوَّرْ نَفْسَكَ وَأَنْتَ في قَبْرِكَ عَادَتْ إِلَيْكَ رُوحُكَ ـ بِكَيْفِيَّةٍ لَا يَعْلَمُهَا إلا اللهُ تعالى ـ وَأَنْتَ تَرَى المَلَكَيْنِ، فَيَسْأَلَانِكَ: مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟

﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾. كَمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ السُّؤَالِ مِنَ المَلَكَيْنِ؟ هَلْ هَيَّأْنَا الجَوَابَ للمَلَكَيْنِ؟

هَلْ سَيَقُولُ أَحَدُنَا جَوَابَاً على الأَسْئِلَةِ: رَبِّيَ اللهُ، وَالإِسْلَامُ دِينِي، وَسَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيِّي وَرَسُولِي؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لِيَتَصَوَّرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا نَفْسَهُ وَهُوَ في قَبْرِهِ، كَيْفَ سَيَكُونُ شُعُورُكَ إِذَا ثَبَّتَكَ اللهُ تعالى بِالقَوْلِ الثَّابِتِ، وَقِيلَ لَكَ: انْظُرْ إلى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ عِوَضَاً عَنْهُ مَقْعَدَاً في الجَنَّةِ؟

وَكَيْفَ سَيَكُونُ شُعُورُ ذَلِكَ العَبْدِ الذي عَاثَ في الأَرْضِ فَسَادَاً، في سَفْكِ الدِّمَاءِ، وَسَلْبِ الأَمْوَالِ، وَتَهْدِيمِ البُيُوتِ، وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، وَتَمْزِيقِ الأَشْلَاءِ، وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الأَحِبَّةِ، وَقَدْ تَخَلَّى اللهُ عَنْهُ، وَقِيلَ لَهُ: انْظُرْ إلى مَقْعَدِكَ مِنَ الجَنَّةِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ عِوَضَاً عَنْهُ مَقْعَدَاً في النَّارِ؟

تَـفَـكَّـرْ فِي مَـشِـيـبِـكَ وَالْمَآبِ     ***   وَدَفْنِكَ بَعْدَ عِزِّكَ فِي التُّــرَابِ

إِذَا وَافَـيْـتَ قَـبْـرَاً أَنْـتَ فِـيْــهِ    ***   تُـقِـيْـمُ بِـه إلى يَـوْمِ الْحِـسَابِ

وَفِي أَوْصَالِ جِسْمِكَ حِيْنَ تَبْقَى    ***   مُـقَـطَّـعَـةً مُـمُـزَّقَةَ الإِهَــابِ

فَـلَـوْلَا الـقَبْرُ صَارَ عَلَيْكَ سِتْرَاً    ***   لأَنْـتَـنَـتِ الأَبَاطِـحُ وَالـرَّوَابِي

خُلِقْتَ مِن التُّرَابِ فَصِرْتَ حَـيَّاً   ***   وَعُلِّـمْـتَ الفَصِيْحَ مِن الْخِطَابِ

وَعُدْتَ إلى الـتُّرَابِ فَصِرْتَ فِـيهِ   ***   كَأَنَّكَ مَا خَـرَجْـتَ مِنَ التُّرَابِ

فَـطَـلِّـقْ هَـذِهِ الـدُّنْـيَـا ثَـلاثَــاً    ***   وَبَـادِرْ قَـبْـلَ مَـوْتِـكَ بِالْـمَـتَابِ

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ حُسْنَ الخِتَامِ، يَا رَبِّ فَرَحَاً عِنْدَ سَكَرَاتِ المَوْتِ، يَا رَبِّ اجْعَلْ مَوْتَنَا رَاحَةً لَنَا لَا مِنَّا، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**     **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 20/ شعبان /1437هـ، الموافق: 27/أيار / 2016م

 2016-05-27
 9708
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 154 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 154
12-04-2024 783 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 783
09-04-2024 600 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 600
04-04-2024 706 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 706
28-03-2024 608 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 608
21-03-2024 1079 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1079

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413227922
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :