117ـ كلمة شهر ذي القعدة 1437: الفِعال أعظم من الأقوال

117ـ كلمة شهر ذي القعدة 1437: الفِعال أعظم من الأقوال

.

117ـ كلمة شهر ذي القعدة 1437: الفِعال أعظم من الأقوال

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: النَّاسُ يَشْهَدُونَ انْفِصَالَاً بَيْنَ القَوْلِ وَالعَمَلِ، بَيْنَ الدَّعْوَى وَالحَقِيقَةِ، وَالمِثَالِ وَالوَاقِعِ، وَالمِثَالُ دَائِمَاً كَانَ فَوْقَ الوَاقِعِ، وَالدَّعْوَى أَكْبَرُ مِنَ الحَقِيقَةِ، وَالقَوْلُ أَعْظَمُ مِنَ الفِعْلِ.

وَهَذِهِ الظَّاهِرَةُ مَعْلُومَةٌ عِنْدَ النَّاسِ، غَيْرَ أَنَّهَا تَكَادُ تَكُونُ مَفْقُودَةً في أَتْبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المُخْلِصِينَ المُخْلَصِينَ، وَهِيَ على النَّقِيضِ تَمَامَاً في حَيَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

حَيْثُ تَجِدُ تَمَامَاً في حَيَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَاقِعَهُ أَعْظَمَ مِنْ كُلِّ تَصَوُّرٍ نَظَرِيٍّ، فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَمَا إلى أَعْظَمِ قِمَّةٍ في السُّمُوِّ، وَمَثَّلَ بِسُلُوكِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الدَّعْوَةَ التي يَدْعُو النَّاسَ إِلَيْهَا، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الأَدِلَّةِ على صِدْقِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إِذِ الالْتِزَامُ بِالسُّمُوِّ لا تُطِيقُهُ النَّفْسُ إِذَا لَمْ تَتَزَكَّ، وَالإِنْسَانُ يَعْرِفُ هَذَا مِنْ خِلَالِ الوَاقِعِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: انْظُرُوا في حَيَاةِ المُنَافِقِينَ الذينَ قَلَّدُوا المُسْلِمِينَ في ظَاهِرِهِمْ، لَا تَجِدُونَ لَهُمْ حَالَةً وَاحِدَةً بِالتَّطْبِيقِ، إِذَا كَانُوا في خَلَوَاتِهِمْ كَانُوا على حَالٍ، وَإِذَا كَانُوا في جَلَوَاتِهِمْ كَانُوا على حَالٍ آخَرَ مُنَاقِضٍ للحَالَةِ الأُولَى، ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ أَتْبَاعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَسِّدَ أَحَدُنَا قَوْلَهُ عَمَلَاً، وَدَعْوَاهُ حَقِيقَةً، وَمِثَالَهُ وَاقِعَاً، فَكُلُّ مُسْلِمٍ على ثَغْرٍ مِنْ ثُغُورِ الإِسْلَامِ، اللهَ اللهَ أَنْ يُؤْتَى الإِسْلَامُ مِنْ قِبَلِهِ.

يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَلْتَزِمَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرَاً﴾.

يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَلْتَزِمَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهُ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

الفِعَالُ أَعْظَمُ مِنَ الأَقْوَالِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: انْظُرُوا في حَيَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ جَعَلَ الوَاقِعَ فَوْقَ المِثَالِ، وَالفِعَالَ أَعْظَمَ مِنَ الأَقْوَالِ، وَالحَقِيقَةَ أَعْظَمَ مِنَ الدَّعْوَى.

قَالَ مَوَلَانَا جَلَّ في عُلَاهُ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ : ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْـمُحْسِنِينَ﴾. وَقَالَ لَهُ تعالى: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾.

جَسَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَقِيقَةً وَعَمَلَاً وَوَاقِعَاً، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةُ أُحُدٍ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَجُرِحَ في شَفَتِهِ السُّفْلَى، وَشُجَّ في جَبْهَتِهِ الشَّرِيفَةِ حَتَّى سَالَ مِنْهُ الدَّمُ، جَعَلَ يُنَشِّفُهُ لِئَلَّا يَنْزِلَ على الأَرْضِ، وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ على الأَرْضِ لَنَزَلَ عَلَيْهِمُ العَذَابُ مِنَ السَّمَاءِ».

فَشَقَّ ذَلِكَ على الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، وَقَالُوا: لَوْ دَعَوْتَ اللهَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْنِي طَعَّانَاً وَلَا لَعَّانَاً، وَلَكِنْ بَعَثَنِي دَاعِيَةَ وَرَحْمَةٍ، اللهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» رواه البيهقي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدٍ.

فَكَانَ عَفْوُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِدَافِعٍ مِنْ خُلُقِ الرَّحْمَةِ، الذي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَمْلِكَ القُلُوبَ، وَيَسْتَوْلِيَ عَلَيْهَا بِالمَحَبَّةِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَلَّغَنَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْـمُبِينُ﴾.

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَسَّدَ هَذَا التَّشْرِيعَ بِسُلُوكِهِ، فَأَظْهَرَ الحَقِيقَةَ، فَمَلَأَ عُقُولَ النَّاسِ المُنْصِفِينَ إِقْنَاعَاً بِمَنْهَجِهِ الذي أَتَى بِهِ مِنْ رَبِّهِ جَلَّ جَلَالُهُ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: كَمْ هُمُ اليَوْمَ الذينَ يَجْمَعُونَ في ذَوَاتِهِمُ الصِّفَاتِ المُتَنَاقِضَةَ دُونَ تَأَثُّمٍ وَحَرَجٍ، سَائِرِينَ إلى رَبِّهِمْ في ضَلَعٍ وَعِوَجٍ، انْفِصَامٌ بَيْنَ العَقِيدَةِ وَالقِيَمِ، وَالعِبَادَاتِ وَالأَخْلَاقِ، وَالشَّعَائِرِ وَالمَشَاعِرِ، وَجَاءَ في الأَثَرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: إنَّ النَّاسَ أَحْسَنُوا الْقَوْلَ كُلُّهُمْ، فَمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ فِعْلَهُ فَذَلِكَ الَّذِي أَصَابَ حَظَّهُ، وَمَنْ خَالَفَ قَوْلُهُ فِعْلَهُ فَإِنَّمَا يُوَبِّخُ نَفْسَهُ.

لَقَدْ أَبْهَرَتْنَا الأَقْوَالُ وَسَبَتْنَا، أَقْوَالٌ مُبَهْرَجَةٌ، وَمَا هِيَ في الحَقِيقَةِ إلا الهَباءُ تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ، القَوْلُ بَلِيغٌ، وَالحَدِيثُ آسِرٌ، وَالفِعْلُ خِدَاجٌ مُشَوَّهٌ، يُظْهِرُ باللِّسَانِ الأُخُوَّةَ، وَيُبْطِنُ بِالفِعَالِ العَدَاوَةَ الصَّرِيحَةَ، وَقَدْ كَشَفَ اللهُ تعالى هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾. القَوْلُ مَا لَمْ يَكُنْ بِالفِعْلِ مُقْتَرِنَاً فَإِنَّهُ عَرَضٌ في حَيِّزِ العَدَمِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِحُسْنِ القَوْلِ وَالعَمَلِ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 1/ ذو القعدة /1437هـ، الموافق: 4/آب / 2015م

 2016-08-03
 2451
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

09-04-2024 70 مشاهدة
212ـ كيف تستقبل العيد أنت؟

هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد

 09-04-2024
 
 70
13-03-2024 239 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 239
09-02-2024 496 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 496
13-01-2024 296 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 296
14-12-2023 430 مشاهدة
208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد

 14-12-2023
 
 430
16-11-2023 531 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 531

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412405044
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :