أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

9076 - تقسيط دين الميت

13-08-2018 2256 مشاهدة
 السؤال :
 2018-08-13
مات والدي رَحِمَهُ اللهُ تعالى، وترك ديوناً، فهل يجوز أن نسدد ديونه بالتقسيط، إذا رضي الدائنون؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9076
 2018-08-13

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَحُقُوقُ العِبَادِ أَمْرُهَا عَظِيمٌ، وَخَطَرُهَا كَبِيرٌ، وَتُؤْذِي المَدِينَ حَتَّى في قَبْرِهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» رواه الترمذي والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَللحَدِيثِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ، وَحَنَّطْنَاهُ، وَكَفَّنَّاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: تُصَلِّي عَلَيْهِ؟

فَخَطَا خُطَىً، ثُمَّ قَالَ: «أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟».

قُلْنَا: دِينَارَانِ، فَانْصَرَفَ، فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ، فَأَتَيْنَاهُ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: الدِّينَارَانِ عَلَيَّ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حَقُّ الْغَرِيمِ، وَبَرِئَ مِنْهُمَا المَيِّتُ؟».

قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ.

ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ: «مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟».

فَقَالَ: إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ.

قَالَ: فَعَادَ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: لَقَدْ قَضَيْتُهُمَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ».

لِذَا نَصَّ الفُقَهَاءُ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الوَرَثَةِ أَنْ يُبَادِرُوا بِقَضَاءِ دَيْنِ مُوَرِّثِهِمْ في أَقْرَبِ وَقْتٍ مُمْكِنٍ، حَتَّى يَبْرُدَ جِلْدُ المَدِينِ في قَبْرِهِ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ المَيْتُ تَرَكَ مَالَاً، فَلِمَاذَا التَّأْخِيرُ في سَدَادِ دُيُونِهِ؟ وَلِمَاذَا تَقْسِيطُ الدَّيْنِ الذي عَلَيْهِ مَا دَامَ المَالُ مَوْجُودَاً؟

أَمَّا إِذَا كَانَ المَالُ غَيْرَ مَوْجُودٍ، أَو يَتَعَذَّرُ سَدَادُ الدَّيْنِ عَنْهُ لِظُرُوفٍ قَاهِرَةٍ، فَلَا حَرَجَ في تَقْسِيطِ الدُّيُونِ، مَعَ الحِرْصِ عَلَى تَعْجِيلِ قَضَائِهَا.

وبناء على ذلك:

فَإِذَا كَانَ وَالِدُكَ قَدْ تَرَكَ مَالَاً فَعَجِّلْ في سَدَادِ دُيُونِهِ، وَلَا تُقَسِّطْهَا أَقْسَاطَاً، وَلَو بِرِضَا الدَّائِنِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ».

فَالقَبْرُ يُحْمَى عَلَى المَدِينِ حَتَّى يُسَدَّدَ الدَّيْنُ الذي عَلَيْهِ، وَلَا يَكْفِي ضَمَانُ الدَّيْنِ عَنِ المَدِينِ للدَّائِنِ، إِلَّا بِقَضَاءِ الدَّيْنِ الذي عَلَيْهِ.

وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَتْرُكْ مَالَاً، وَأَرَدْتَ أَنْ تُسَدِّدَ عَنْهُ الدَّيْنَ بِالأَقْسَاطِ، فَهَذَا مِنَ البِرِّ بِوَالِدِكَ، لِأَنَّهُ شَرْعَاً لَا يَجِبُ عَلَيْكَ، وَلَكِنْ مِنَ البِرِّ أَنْ تَقْضِيَ عَنْهُ دُيُونَهُ.

وَكَذَلِكَ إِنْ تَرَكَ وَالِدُكَ مَالَاً، وَهُنَاكَ عَقَبَاتٌ في سَدَادِ الدَّيْنِ، فَلَا حَرَجَ مِنْ سَدَادِهَا بِالأَقْسَاطِ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
2256 مشاهدة