أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

6478 - دخول الجنة ليس عوضاً عن العمل, بل سبب لدخولها

19-08-2014 30960 مشاهدة
 السؤال :
لقد جاء في الحديث الشريف، أن رجلاً أطاع الله تعالى، وما عصاه قط، فأمر الله الملائكة أن يدخلوا هذا العبد الجنة برحمته، فقال العبد: رب بل بعملي، فقورن عمله مقابل النعم، فلم يؤد شكرها، فأمر الله به إلى النار، فقال العبد: رب برحمتك، فأدخل الجنة. والسؤال: إذا كان الأمر كذلك، فلماذا العمل؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 6478
 2014-08-19

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد جَاءَ في المُستَدرَكِ للإمامِ الحَاكِمِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «خَرَجَ مِنْ عِنْدِي خَلِيلِي آنِفاً جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، إِنَّ للهِ عَبْداً مِنْ عَبِيدِهِ عَبْدَ اللهَ تعالى خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ فِي الْبَحْرِ، عَرْضُهُ وَطُولُهُ ثَلَاثُونَ ذِرَاعاً فِي ثَلَاثِينَ ذِرَاعاً، والبَحرُ مُحِيطٌ بِهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ فَرْسَخٍ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَأَخْرَجَ اللهُ لَهُ عَيْنَا عَذْبَةً بِعَرْضِ الْأُصْبَعِ تَبُضُّ ـ تَقطُرُ وتَسِيلُ ـ بِمَاءٍ عَذْبٍ فَتُسْتَنْقَعُ فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ، وَشَجَرَةَ رُمَّانٍ تُخْرِجُ كُلَّ لَيْلَةٍ رُمَّانَةً فَتُغَذِّيَهُ، فَإِذَا أَمْسَى نَزَلَ فَأَصَابَ مِنَ الْوَضُوءِ وَأَخَذَ تِلْكَ الرُّمَّانَةَ فَأَكَلَهَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى صَلَاتِهِ فَتَمَنَّى مِنْ رَبِّهِ عِنْدَ وَقْتِ الْأَجَلِ أَنْ يَقْبِضَهُ سَاجِداً وَأَنْ لَا يَجْعَلَ لِلْأَرْضِ وَلَا لِشَيْءٍ يُفْسِدُهُ عَلَيْهِ سَبِيلاً حَتَّى يَبْعَثَهُ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَفَعَلَ، فَنَحْنُ نَمُرُّ عَلَيْهِ إِذَا هَبَطْنَا وَإِذَا عَرَجْنَا فَنَجِدُهُ فِي الْعِلْمِ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ: أَدْخِلُوا عَبْدِيَ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي.

فَيَقُولُ: رَبِّ بِعَمَلِي.

فَيَقُولُ: أَدْخِلُوا عَبْدِيَ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي.

فَيَقُولُ: بَلْ بِعَمَلِي.

فَيَقُولُ: أَدْخِلُوا عَبْدِيَ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي.

فَيَقُولُ: بَلْ بِعَمَلِي.

فَيَقُولُ اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَايِسُوا عَبدِي بِنِعْمَتِي عَلَيْهِ وَبِعَمَلِهِ، فَتُوجَدُ نِعْمَةُ الْبَصَرِ قَدْ أَحَاطَتْ بِعِبَادَتِهِ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، وَبَقِيَتْ نِعْمَةُ الْجَسَدِ فَضْلاً عَلَيْهِ.

فَيَقُولُ: أَدْخِلُوا عَبْدِيَ النَّارَ.

قَالَ: فَيُجَرُّ إِلَى النَّارِ؛ فَيُنَادِي: رَبِّ بِرَحْمَتِكَ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ.

فَيَقُولُ: رُدُّوهُ، فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تَعَالَى فَيَقُولُ: يَا عَبْدي، مَنْ خَلَقَكَ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً؟

فَيَقُولُ: أَنْتَ يَا رَبِّ.

فَيَقُولُ لَهُ: أَكَانَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِكَ أَمْ بِرَحْمَتِي؟

فَيَقُولُ: بَلْ بِرَحْمَتِكَ.

فَيَقُولُ: مَنْ قَوَّاكَ لِعُبَادَةِ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ؟

فَيَقُولُ: أَنْتَ.

فَيَقُولُ: مَنْ أَنْزَلَكَ فِي جَبَلٍ وَسَطَ اللُّجَّةِ وَأَخْرَجَ لَكَ الْمَاءَ الْعَذْبَ مِنَ الْمَاءِ الْمَالِحِ، وَأَخْرَجَ لَكَ كُلَّ لَيْلَةٍ رُمَّانَةً، وَإِنَّمَا تَخْرُجُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً، وَسَأَلْتَنِي أَنْ أَقْبِضَكَ سَاجِداً فَفَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ؟

فَيَقُولُ: أَنْتَ يَا رَبِّ.

قَالَ: فَذَلِكَ بِرَحْمَتِي، فَبِرَحْمَتِي أُدْخِلْتَ الْجَنَّةَ، أَدْخِلُوا عَبْدِيَ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَنِعْمَ الْعَبْدُ كُنْتَ يَا عَبْدِي؛ فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ.

قَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّمَا الْأَشْيَاءُ بِرَحْمَةِ اللهِ يَا مُحَمَّدُ».

ثانياً: روى الإمام أحمد عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ».

قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «لَا، وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ برَحْمَةٍ وبِفَضْلٍ».

هذا الحَدِيثُ والذي قَبلُهُ يَدُلُّ على أنَّ دُخُولَ الجَنَّةِ لا يَكُونُ بِمُجَرَّدِ العَمَلِ، بل لولا رَحمَةُ اللهِ تعالى وفَضْلُهُ لما دَخَلَ الجَنَّةَ أَحَدٌ، لأنَّ الأَعمَالَ مَهمَا بَلَغَت لا تُقَاوِمُ نِعَمَ اللهِ تعالى التي أَنعَمَ بِهَا على عِبَادِهِ، فقد أَوجَدَهُم من عَدَمٍ، ورَزَقَهُمُ الطَّيِّبَاتِ، والنِّعَمَ الظَّاهِرَةَ والبَاطِنَةَ، وهَدَاهُم، وشَرَحَ صُدُورَهُم للإسلامِ، وحَبَّبَ إِلَى قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ، وأَعَانَهُم على فِعلِ الطَّاعَاتِ، وتَرْكِ المَعَاصِي والمُنكَرَاتِ.

وجَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ الْقَدَرِ، فَأَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَوْ أَنَّ اللهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ غَيْرَ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ لَهُمْ خَيْراً مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ كَانَ لَكَ جَبَلُ أُحُدٍ أَوْ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَباً أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ مَا قَبِلَهُ اللهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَأَنَّكَ إِنْ مِتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ».

فَدُخُولُ الجَنَّةِ لَيسَ عِوَضَاً عن العَمَلِ، ولا مُقَابَلَةً بِهِ، ولكنَّ الأَعمَالَ الصَّالِحَةَ سَبَبٌ لِدُخُولِ الجَنَّةِ، قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. إلى آخِرِ الآيَاتِ التي تَتَحَدَّثُ عن دُخُولِ الجَنَّةِ بِسَبَبِ العَمَلِ.

وبناء على ذلك:

1ـ الحَدِيثُ رَوَاهُ الإمامُ الحَاكِمُ في المُستَدرَكِ.

2ـ لا بُدَّ من العَمَلِ الصَّالِحِ لمن كَانَ يَرجُو اللهَ والدَّارَ الآخِرَةِ، قال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾.

فالعَمَلُ سَبَبٌ كما قال تعالى: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. فهذهِ البَاءُ بَاءُ السَّبَبِ، وأمَّا حَدِيثُ الإمامِ الحَاكِمِ، والحَدِيثُ الثَّانِي الصَّحِيحُ: «لَا يَدْخُلُ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ». فهيَ بَاءُ المُقَابَلَةِ، كما يُقَالُ: اشِتَرَيتُ هذا بِكَذَا.

أي: لَيسَ العَمَلُ عِوَضَاً وثَمَنَاً كَافِيَاً لِدُخُولِ الجَنَّةِ، بل لا بُدَّ مَعَ العَمَلِ الصَّالِحِ من عَفوِ اللهِ تعالى وفَضْلِهِ ورَحمَتِهِ.

اللَّهُمَّ أَدخِلنَا الجَنَّةَ بِرَحمَتِكَ يا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَوَفِّقنَا للعَمَلِ الصَّالِحِ الذي يُرضِيكَ عَنَّا. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
30960 مشاهدة