أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

8676 - الحور العين لمن؟

07-02-2018 8401 مشاهدة
 السؤال :
الحور العين في الجنة لمن؟ هل هنَّ للرجال دون النساء؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8676
 2018-02-07

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: يَا أَيُّهَا السَّائِلُ، إِنْ كُنْتَ مِنَ الرِّجَالِ أَو مِنَ النِّسَاءِ، سَلِ اللهَ تعالى أَوَّلَاً أَنْ يَجْعَلَنَا اللهُ تعالى مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، لِأَنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾.

وَإِذَا أَكْرَمَكَ اللهُ تعالى بِدُخُولِ الجَنَّةِ التي هِيَ دَارُ رِضَاهُ وَكَرَامَتِهِ فَهَذَا يَكْفِيكَ، لِأَنَّ أَعْظَمَ نَعِيمٍ في الجَنَّةِ هُوَ رِضَا اللهِ تَبَارَكَ وتعالى عَنْ هَذَا العَبْدِ الذي أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِدُخُولِ دَارِ كَرَامَتِهِ؛ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِهَا.

ثانياً: رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ وَصَفَ الحُورَ العِينَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾. هَذَا الخِطَابُ لِمَنْ يَكُونُ بَعْدَ الآيَتَيْنِ الكَرِيمَتَيْنِ، للرِّجَالِ أَمْ للنِّسَاءِ، أَمْ للرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؟

وَجَاءَ في صَحِيحِ الإمام البخاري وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا، وَلَا يَمْتَخِطُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمُ (جَمْعُ مَجْمَرَةٍ، وَهِيَ المَبْخَرَةُ) الأَلُوَّةُ (العُودُ الهِنْدِيُّ الذي يُتَبَخَّرُ بِهِ) وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا (مَا دَاخِلَ العَظْمِ مِنَ السَّاقِ) مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الحُسْنِ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللهَ بُكْرَةً وَعَشِيَّاً».

قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ». مَاذَا يُفِيدُ؟ هَلِ الحُورُ العِينُ للرِّجَالِ، أَمْ للرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؟

وروى الترمذي عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا، إِلَّا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الحُورِ العِينِ: لَا تُؤْذِيهِ، قَاتَلَكِ اللهُ، فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكَ دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا».

فَالحُورُ العِينُ لِمَنْ؟ للرِّجَالِ، أَمْ للرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؟

وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللهِ: ﴿حُورٌ عِينٌ﴾.

قَالَ: «حُورٌ: بِيضٌ، عِينٌ: ضِخَامُ الْعُيُونِ شُقْرُ الْجَرْدَاءِ بِمَنْزِلَةِ جَنَاحِ النُّسُورِ».

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: ﴿كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ﴾.

قَالَ: «صَفَاؤُهُنَّ صَفَاءُ الدُّرِّ فِي الْأَصْدَافِ الَّتِي لَمْ تَمَسَّهُ الْأَيْدِي».

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: ﴿فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ﴾.

قَالَ: «خَيْرَاتُ الْأَخْلَاقِ، حِسَانُ الْوُجُوهِ».

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: ﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ﴾.

قَالَ: «رِقَّتُهُنَّ كَرِقَّةِ الْجِلْدِ الَّذِي رَأَيْتِ فِي دَاخِلِ الْبَيْضَةِ مِمَّا يَلِي الْقِشْرَ وَهُوَ الْعُرْفِيُّ».

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: ﴿عُرُبَاً أَتْرَابَاً﴾.

قَالَ: «هُنَّ اللَّوَاتِي قُبِضْنَ فِي دَارِ الدُّنْيَا عَجَائِزَ رَمْضَاءَ شَمْطَاءَ خَلَقَهُنَّ اللهُ بَعْدَ الْكِبَرِ، فَجَعَلَهُنَّ عَذَارَى عُرُبَاً مُتَعَشَّقَاتٍ مُحَبَّبَاتٍ، أَتْرَابَاً عَلَى مِيلَادٍ وَاحِدٍ».

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ أَمِ الْحُورُ الْعِينُ؟.

قَالَ: «بَلْ نِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ كَفَضْلِ الظِّهَارَةِ عَلَى الْبِطَانَةِ».

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَبِمَ ذَاكَ؟

قَالَ: «بِصَلَاتِهِنَّ وَصِيَامِهِنَّ وَعِبَادَتِهِنَّ اللهَ، أَلْبَسَ اللهُ وُجُوهَهُنَّ النُّورَ، وَأَجْسَادَهُنَّ الْحَرِير،َ بِيضَ الْأَلْوَانِ، خُضْرَ الثِّيَابِ، صَفْرَاءَ الْحُلِيِّ، مَجَامِرُهُنَّ الدُّرُّ، وَأَمْشَاطُهُنَّ الذَّهَبُ، يَقُلْنَ: أَلَا نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُوتُ أَبَدَاً، أَلَا وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْؤُسُ أَبَدَاً، أَلَا وَنَحْنُ المُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنُ أَبَدَاً، أَلَا وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ أَبَدَاً، طُوبَى لِمَنْ كُنَّا لَهُ وَكَانَ لَنَا».

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، المَرْأَةُ مِنَّا تَتَزَوَّجُ الزَّوْجَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ ثُمَّ تَمُوتُ فَتَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَدْخُلُونَ مَعَهَا مَنْ يَكُونُ زَوْجُهَا؟

قَالَ: «يَا أُمَّ سَلَمَةَ، إِنَّهَا تُخَيَّرُ فَتَخْتَارُ أَحْسَنَهُمْ خُلُقَاً، فَتَقُولُ: أَيْ رَبِّ، إِنَّ هَذَا كَانَ أَحْسَنَهُمْ مَعِي خُلُقَا فِي دَارِ الدُّنْيَا فَزَوِّجْنِيهِ، يَا أُمَّ سَلَمَةَ، ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ». مَاذَا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ؟

ثالثاً: هُنَاكَ مَنْ يُنَفِّرُ المَرْأَةَ، ويَقُولُ لَهَا: لَقَدْ ظَلَمَكِ شَرْعُ اللهِ تعالى، فَلَقَدْ خَصَّ اللهُ تعالى الرِّجَالَ بِنِعْمَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَكِ نِعْمَةٌ مِثْلُهَا، كَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَن يَسْتَمِيلُوا بِذَلِكَ المَرْأَةَ لِيُحَرِّضُوهَا عَلَى الإِسْلَامِ.

نَسِيَ هَؤُلَاءِ الطَّبِيعَةَ التي فَطَرَ اللهُ تعالى النِّسَاءَ عَلَيْهَا، فَالمَرْأَةُ الشَّرِيفَةُ الكَرِيمَةُ هِيَ التي لَا تَقْبَلُ وَلَا تُحِبُّ أَنْ يَتَعَدَّدَ عَلَيْهَا الرِّجَالُ، وَهَذَا مِنْ كَرَامَتِهَا وَسُمُوِّهَا وَعِزِّهَا وَعِفَّتِهَا، وَنَسِيَ هَؤُلَاءِ أَنَّ فِطْرَةَ الرَّجُلِ غَيْرُ فِطْرَةِ المَرْأَةِ.

وبناء على ذلك:

فَالحُورُ العِينُ في الجَنَّةِ للرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَحَالُ المَرْأَةِ المُؤْمِنَةِ في الجَنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ حَالِ الحُورِ العِينِ، وَأَعْلَى دَرَجَةً مِنْهُنَّ، وَأَكْثَرُ جَمَالَاً، وَلَهَا في الجَنَّةِ مَا تَتَمَنَّاهُ وَزِيَادَةٌ، فَفِي الجَنَّةِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ.

وَعَلَى المَرْأَةِ أَنْ لَا تَنْسَى الفِطْرَةَ التي فَطَرَهَا اللهُ تعالى عَلَيْهَا، فَالمَرْأَةُ السَّوِيَّةُ هِيَ التي لَا تَتَطَلَّعُ إلى تَعَدُّدِ الرِّجَالِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَأْذَنِ اللهُ تعالى في تَعَدُّدِ الرِّجَالِ لَهَا في الدُّنْيَا، لِأَنَّ فِطْرَتَهَا السَّوِيَّةَ وَطَبِيعَتَهَا تَأبَى ذَلِكَ. ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾؟

وَمَنْ يَقُولُ: أَيْنَ عَدْلُ اللهِ تعالى بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ يَوْمَ القِيَامَةِ، مَا أَرَاهُ إِلَّا رَجُلَاً يَعْتَرِضُ عَلَى تَشْرِيعِ اللهِ تعالى في الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: أَيْنَ عَدْلُ اللهِ تعالى بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَأَذِنَ للرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنِ امْرَأَةٍ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ رَجُلٍ؟ وَبِدَايَةً وَنِهَايَةً لِيُفَكِّرِ الإِنْسَانُ في النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ اللهِ تعالى يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأَنْ يُكْرِمَهُ اللهُ تعالى بِدُخُولِ الجَنَّةِ ابْتِدَاءً لَا مَآلَاً. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
8401 مشاهدة