أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

7878 - كيف رأى سيدنا موسى في السماء السادسة؟

19-02-2017 263 مشاهدة
 السؤال :
هل صحيح بأن سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَرَّ ليلة الإسراء عند الكثيب الأحمر فوجد سيدنا موسى عليه السلام في قبره يصلي؟ فإذا كان صحيحاً فكيف رآه في السماء السادسة؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 7878
 2017-02-19

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ جَاءَ في صَحِيحِ الإمام مسلم رَحِمَهُ اللهُ تعالى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَيْتُ ـ وَفِي رِوَايَةِ هَدَّابٍ: مَرَرْتُ ـ عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ».

وَجَاءَ فِيهِ كَذَلِكَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبَاً بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، فَلَمَّا جَاوَزْتُهُ بَكَى.

فَنُودِيَ: مَا يُبْكِيكَ؟

قَالَ: رَبِّ، هَذَا غُلَامٌ بَعَثْتَهُ بَعْدِي يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِهِ الْجَنَّةَ أَكْثَرُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي».

هَذَانِ الحَدِيثَانِ الشَّرِيفَانِ يَتَعَلَّقَانِ بِأُمُورٍ غَيْبِيَّةٍ نَطَقَ بِهَا الصَّادِقُ المَصْدُوقُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يَسَعُنَا إِلَّا الإِيمَانَ وَالتَّصْدِيقَ بِهَا؛ وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ رَآهُ عِنْدَ الكَثِيبِ الأَحْمَرِ قَائِمَاً يُصَلِّي في قَبْرِهِ، ثُمَّ رَآهُ في السَّمَاءِ السَّادِسَةِ؟ لِأَنَّ هَذِهِ مِنَ الأُمُورِ الخَارِقَةِ للعَادَةِ، وِهِيَ مِنَ المُعْجِزَاتِ.

وفي المُعْجِزَاتِ لَا يُقَالُ: كَيْفَ؟ لِأَنَّهَا خَارِقَةٌ للعَادَةِ، وَفَوْقَ المَأْلُوفِ، لِذَا لَا تَسَلْ: كَيْفَ نَبَعَ المَاءُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ الشَّرِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ وَلَا تَسَلْ: كَيْفَ سَبَّحَت الحَصَى في كَفِّهِ الشَّرِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ وَلَا تَسَلْ: كَيْفَ حَنَّ الجِذْعُ إِلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ وَلَا تَسَلْ: كَيْفَ صَارَتِ النَّارُ بَرْدَاً وَسَلَامَاً على سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؟

وبناء على ذلك:

فَعَالَمُ البَرْزَخِ وَعَالَمُ الغَيْبِ لَا يَخْضَعُ للمَقُولَاتِ الَمعهُودَةِ، وَلَا لِـمَنْطِقِ العَادَةِ، لِأَنَّهُ مِنْ وَرَاءِ العَادَةِ وَالَمعهُودِ، وَلَقَدْ تَحَدَّثَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ المُؤْمِنِ في قَبْرِهِ.

روى أبو داود عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ قَدْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابَاً إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ؛ فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا؛ وَيُفْتَحُ لَهُ فِيهَا مَدَّ بَـصَرِهِ». إِذَا كَانَ هَذَا لِعَبْدٍ وَاحِدٍ؛ فَكَيْفَ يُمَدُّ للبَقِيَّةِ؟

فَلَا تَسَلْ: كَيْفَ؟ لِأَنَّ اللهَ تعالى قَادِرٌ على كُلِّ شَيْءٍ.

فَالإِسْرَاءُ وَالمِعْرَاجُ كُلُّهُ كَانَ مُعْجِزَةً لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ الحَدَثَ خَارِجٌ عَنِ المَأْلُوفِ وَالُمعتَادِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ نُخْضِعَهُ للمَقَايِيسِ البَشَرِيَّةِ؛ فَقَدْ مَرَّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الكَثِيبِ الأَحْمَرِ في قَبْرِهِ، وَاسْتَقْبَلَهُ مَعَ الأَنْبِيَاءِ في المَسْجِدِ الأَقْصَى، وَرَآهُ في السَّمَاءِ السَّادِسَةِ؛ فَأَيْنَ تَكْمُنُ الغَرَابَةُ، وَالقِصَّةُ كُلُّهَا خَارِقَةٌ للعَادَةِ؟

أَحَدُنَا عِنْدَمَا يَنَامُ يَرَى نَفْسَهُ أَنَّهُ ذَهَبَ وَعَادَ، وَقَامَ بِأَعْمَالٍ لَو أَرَادَ أَنْ يُخْضِعَهَا لِمَوَازِينِ العادة فَإِِنَّ العادة لَا تَقبَلُهَا؛ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا أَحَدَ يُنْكِرُ هَذَا، لِأَنَّ عَالَمَ النَّوْمِ عَالَمٌ مُسْتَقِلٌّ بِحَدِّ ذَاتِهِ، وَكَذَلِكَ عَالَمُ البَرْزَخِ عَالَمٌ مُسْتَقِلٌّ بِحَدِّ ذَاتِهِ، وَعَالَمُ الغَيْبِ عَالَمٌ مُسْتَقِلٌّ بِحَدِّ ذَاتِهِ؛ لِذَا فَلَا يَسَعُنَا إِلَّا تَصْدِيقَ الصَّادِقِ المَصْدُوقِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دُونَ إِخْضَاعِ ذَلِكَ لِمَقَايِيسِ العَقْلِ المَحْدُودِ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
263 مشاهدة