7ـ أمره    بالنظافة

7ـ أمره    بالنظافة

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

7ـ أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بالنظافة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالنَّظَافَةِ وَيَحُثُّ عَلَيْهَا، وَيُحَذِّرُ مِنَ الوَسَاخَةِ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ.

أولاً: بَيَانُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مِنْ مَبَادِئِ الإِسْلَامِ النَّظَافَةَ، روى الترمذي عَنْ سَعْدٍ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ (أَيْ: مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقَائِصِ وَمُقَدَّسٌ عَنِ الآفَاتِ وَالعُيُوبِ).

يُحِبُّ الطِّيبَ (أَيْ: الحَلَالَ الذي عُلِمَ أَصْلُهُ وَجَرَيَانُهُ عَلَى الوَجْهِ الـشَّرْعِيِّ العَارِي عَنْ ضُرُوبِ الحِيَلِ وَشَوائِبِ الشَّبَهِ. اهـ/من فيض القدير).

نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ (قَالَ العَلَّامَةُ الخَفَاجِيُّ: وَإِطْلَاقُ النَّظِيفِ عَلَى اللهِ تعالى في الحَدِيثِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تعالى، كَمَا قِيلَ وَقْعٌ للمُشَاكَلَةِ، وَالمُتَقَدِّمُونَ يُسَمُّونَهَا ازْدِوَاجَاً أَيْضَاً، فَلَا وَجْهَ للاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ بِمَعْنَى القُّدُّوسِ. اهـ. مُلَخَّصَاً).

كَرِيمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الجُودَ (كَثِيرُ الجُودِ وَالعَطَاءِ) فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ».

وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَاكُوا، وَتَنَظَّفُوا، وَأَوْتِرُوا، فَإِنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» رواه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ والطَّبَرَانِيُّ.

وروى الخَطِيبُ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الإِسْلَامَ نَظِيفٌ، فَتَنَظَّفُوا، فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا نَظِيفٌ».

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعَاً: «تَنَظَّفُوا بِكُلِّ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّ اللهَ تعالى بَنَى الإِسْلَامَ عَلَى النَّظَافَةِ، وَلَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلَّا كُلُّ نَظِيفٍ» /عَزَاهُ الخَفَاجِيُّ في شَرْحِ الشِّفَاءِ إلى الرَّافِعِيِّ في تَارِيخِ قَزْوِينَ؛ وَقَالَ: وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الحَدِيثَ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ تَجْبُرُ ضَعْفَهُ، عُلِمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الضَّعْفِ إلى مَرْتَبَةِ الحَسَنِ، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ مُوَافِقٌ للشَّرْعِ. اهـ. ورواه النسائي وابن حبان.

ثانياً: حَثُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَظَافَةِ البَدَنِ بِشَتَّى وَسَائِلِ النَّظَافَةِ؛ فَمِنْ ذَلِكَ: أَمْرُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالغُسْلِ وَتَحْذِيرُهُ مِنْ تَرْكِ ذَلِكَ، روى النسائي عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ غُسْلُ يَوْمٍ، وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ».

وَمِنْ ذَلِكَ: حَثُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَعَهُّدِ أَطْرَافِ البَدَنِ بِالنَّظَافَةِ، وَإِزَالَةِ الأَوْسَاخِ عَنْهَا، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الفِطْرَةِ الدِّينِيَّةِ التي جَاءَتْ بِهَا جَمِيعُ الرِّسَالَاتِ الإِلَهِيَّةِ.

روى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ (أَيْ: مِنَ الفِطْرَةِ الدِّينِيَّةِ التي فَطَرَ اللهُ تعالى العِبَادَ عَلَيْهَا، قَالَ تعالى: ﴿فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾. وَهِيَ: مِنَ الأُمُورِ التي جَاءَتْ بِهَا جَمِيعُ الرُّسُلِ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهَا جَمِيعُ الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ).

قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ المَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ (عَقْدُ الأَصَابِعِ في ظَهْرِ الكَفِّ، وَالرَّوَاجِبُ: عَقْدُهَا مِنْ بَطْنِهَا) وَنَتْفُ الْإِبِطِ (أَيْ: نَتْفُ شَعْرِ الإِبِطِ وَلَا بَأْسَ بِحَلْقِهِ) وَحَلْقُ الْعَانَةِ.

وَانْتِقَاصُ المَاءِ (يَعْنِي الِاسْتِنْجَاءَ؛ قَالَ الشَّيْخُ عَلِي القَارِي في شَرْحِ الشِّفَاءِ: انْتِقَاصُ المَاءِ هُوَ الاسْتِنْجَاءُ، وَهُوَ بِالفَاءِ وَالمُهْمَلَةِ أَو المُعْجَمَةِ، وَالمَذْكُورُ في اللُّغَةِ أَنَّهُ بِالقَافِ وَالمُهْمَلَةِ، وَأَمَّا بِالفَاءِ فَنَضْحُهُ عَلَى الذَّكَرِ. اهـ)».

وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِهْمَالِ ذَلِكَ مُدَّةً طَوِيلَةً، روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الْإِبِطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً.

يَعْنِي أَنَّهُ إِذَا دَعَتِ الحَاجَةُ إلى التَّرْكِ أَو لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الغُسْلِ وَالقَصِّ وَالتَّقْلِيمِ في كُلِّ أُسْبوعٍ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ آثِمٌ، كَمَا نَصَّ الفُقَهَاءُ عَلَى ذَلِكَ.

وَيُسْتَحَبُّ دَفْنُ الأَظْفَارِ وَالشَّعْرِ، لِمَا روى الحَكِيمُ الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كانَ يأمُرُ بِدَفْنِ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ مِنَ الإِنْسَانِ: الشَّعْرِ، وَالظُّفْرِ، وَالدَّمِ، وَالْحِيْضَةِ، وَالسِّنِّ، وَالقَلْفَةِ، وَالمَشِيمَةِ؛ وَقَدْ رَوَى بَعْضَ ذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضَاً، كَمَا في الفَتْحِ الكَبِيرِ.

ثالثاً: حَثُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّنَظُّفِ مِنْ آثَارِ الطَّعَامِ وَالـشَّرَابِ، روى الحَكِيمُ الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «قُصُّوا أَظَافِيرَكُمْ، وَادْفِنُوا قُلَامَاتِكُمْ، وَنَقُّوا بَرَاجِمَكُمْ، وَنَظِّفُوا لِثَّاتِكُمْ مِنَ الطَّعَامِ، وَاسْتَاكُوا، وَلَا تَدْخُلُوا عَلَيَّ قُحْرَاً بُخْرَاً» كَذَا في الجَامِعِ الصَّغِيرِ.

وَفَسَّرَ المَنَاوِيُّ في شَرْحِهِ الكَبِيرِ: قُحْرَاً: مُصْفَرَّةً مِنْ شِدَّةِ الخَلُوفِ، وَبُخْرَاً: مِنَ البَخَرِ بِفَتْحَتَيْنِ، وَهُوَ نَتِنُ الفَمِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا الرِّوَايَةُ، لَكِنْ قَالَ الحَكِيمُ: المَحْفُوظُ عِنْدِي قَحْلَاً فَلْجَاً وَلَا أَعْرِفُ القُحْرَ. اهـ.

وروى الترمذي عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ، وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ».

وَالمُرَادُ هُنَا الوُضُوءُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ غَسْلُ اليَدَيْنِ، لَا الوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ غَسْلُ الأَعْضَاءِ المَفْرُوضَةِ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامٌ، فَقَالُوا: أَلَا نَأْتِيكَ بِوَضُوءٍ؟

قَالَ: «إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالوُضُوءِ إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلَاةِ».

رَابِعَاً: حَثُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَظَافَةِ الثِّيَابِ، كما روى الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ كَرَامَةِ المُؤْمِنِ عَلَى اللهِ نَقَاءَ ثَوْبِهِ، وَرِضَاهُ بِالْيَسِيرِ» (أَيْ: مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا).

وروى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلَاً وَسِخَةً ثِيَابُهُ فَقَالَ: «أَمَا وَجَدَ هَذَا شَيْئَاً يُنَقِّي بِهِ ثِيَابَهُ».

وَفِي هَذَا يُوَبِّخُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَسَاخَةِ الثِّيَابِ، وَلَمْ يُخَاطِبْ ذَلِكَ الرَّجُلَ بِخَاصَّتِهِ لِئَلَّا يَكْسِرَ خَاطِرَهُ بِمُقَابَلَتِهِ بِمَا يَكْرَهُ، وَلِيُبَيِّنَ أَنَّ الحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ، بَلْ تَوْبِيخُهُ مُوَجَّهٌ لِكُلِّ مَنْ تَرَكَ ثِيَابَهُ وَسِخَةً.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ تَعْرِيضِ الثِّيَابِ للوَسَخِ، فَعَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّتِي تُحَدِّثُ عَنْ عَمِّهَا قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي في المَدِينَةِ إِذَا إِنْسَانٌ خَلْفِي يَقُولُ: ارْفَعْ إِزَارَكَ، فَإِنَّهُ أَنْقَى (مِنَ النَّقَاءِ، وَهُوَ النَّظَافَةُ، كَمَا أَنَّ رِوَايَةَ: أَتْقَى تَدُلُّ عَلَى التَّنَزُّهِ عَنِ الأَوْسَاخِ لِمَا أَنَّ في ذَلِكَ تَقْوَى اللهِ تعالى للبُعْدِ عَنِ الخُيَلَاءِ وَالكِبْرِ. اهـ شرح الزرقاني) ـ وَفِي رِوَايَةٍ: أَتْقَى ـ وَأَبْقَى.

فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا هِيَ بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ (تَأْنِيثُ أَمْلَحَ، وَالمَلْحَةُ: بَيَاضٌ يُخَالِطُهُ سَوَادٌ، عَلَى مَا في الصِّحَاحِ؛ قِيلَ: المَلْحَاءُ هِيَ التي فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَيَاضٍ ـ وَالمُرَادُ أَنَّهُ ثَوْبٌ لَا يُلْبَسُ في المَجَالِسِ وَالمَحَافِلِ، إِنَّمَا هُوَ ثَوْبُ مِهْنَةٍ لَا ثَوْبُ زِينَةٍ. اهـ كما في شُرُوحِ الشَّمَائِلِ).

فَقَالَ: «أَمَا لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ؟!»

فَنَظَرْتُ فَإِذَا إِزَارُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى نِصْفِ سَاقَيْهِ (وَفِي هَذَا إِرْشَادُ اللَّابِسِ إلى الرِّفْقِ بِمَا يَلْبَسُهُ، وَحِفْظُهُ وَتَعَهُّدُهُ، لِأَنَّ إِهْمَالَهُ تَضْيِيعٌ وَإِتْلَافٌ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ في الشَّمَائِلِ بِهَذَا اللَّفْظِ.

خامساً: حَثُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَنْظِيفِ البُيُوتِ وَالأَفْنِيَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ في الحَدِيثِ: «فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سادساً: حَثُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَنْظِيفِ الجَوَامِعِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنَ القُرُبَاتِ وَكِبَارِ الحَسَنَاتِ، روى أبو داود والترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ المَسْجِدِ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي، فَلَمْ أَرَ ذَنْبَاً أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا».

وفي صَحِيحِ الإِمَامِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَامَةَ تَكُونُ فِي المَسْجِدِ، لَا تُدْفَنُ».

فَتَنْظِيفُ المَسْجِدِ حَتَّى مِنَ القَذَاةِ ـ وَهِيَ: أَصْغَرُ مِنَ الأَذَى ـ فِيهِ أَجْرٌ كَبِيرٌ، وَتَرْكُ النُّخَامَةِ وَالأَوْسَاخِ في المَسْجِدِ فِيهِ وِزْرٌ كَبِيرٌ.

وَإِذَا كَانَ المُؤْمِنُ مَأْمُورَاً أَنْ يُزِيلَ النُّخَامَةَ مِنَ المَسْجِدِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا إِذَا رَآهَا، فَكَيْفَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَنَخَّمَ فِيهِ أَو يُوَسِّخَ المَسْجِدَ؟! فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ ذَنْبَاً؛ فَعَلَى المُسْلِمِينَ أَنْ يَتَنَظَّفُوا وَيُنَظِّفُوا مَسَاجِدَهُمْ، حَذَرَاً مِنَ الوِزْرِ وَطَمَعَاً في الأَجْرِ.

كَمَا أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَثَّ عَلَى تَبْخِيرِ المَسَاجِدِ وَتَنْظِيفِهَا وصيانتها، فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ المَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ. قَالَ المُنْذِرِيُّ: وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتَّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَه.

وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَّخِذَ المَسَاجِدَ فِي دِيَارِنَا، وَأَمَرَنَا أَنْ نُنَظِّفَهَا.

فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِنَظَافَةِ المَسَاجِدِ العَامَّةِ، وَالمَسَاجِدِ الخَاصَّةِ التي تُبْنَى في الدَّارِ لِيُصَلِّيَ فِيهَا الإِنْسَانُ نَوَافِلَهُ وَقِيَامَهُ، وَيُعْبَدَ رَبُّهُ فِيهَا، وَهِيَ مِنَ السُّنَّةِ المَطْلُوبَةِ؛ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الفُقَهَاءُ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 25/جمادى الأولى /1439هـ، الموافق: 22/ كانون الثاني/ 2018م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  من كتاب سيدنا محمد رسول الله   

20-03-2021 2650 مشاهدة
203ـ تمسح الملائكة بالقبر الشريف

رَوَى الدَّارَمِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ كَعْبَاً ـ أَيْ: كَعْبَ الأَحْبَارِ ـ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَذَكَرُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ كَعْبٌ: مَا مِنْ يَوْمٍ يَطْلُعُ ... المزيد

 20-03-2021
 
 2650
12-03-2021 1471 مشاهدة
202ـ إفاضة القبر الشريف بالأسرار والأنوار

بَابُ مَا أَكْرَمَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ. ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قُحِطَ أَهْلُ المَدِينَةِ قَحْطَاً شَدِيدَاً، ... المزيد

 12-03-2021
 
 1471
19-02-2021 996 مشاهدة
201ـ بكاء الصحابة لتذكرهم عهوده صلى الله عليه وسلم

عَادَ خَبَّابَاً نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَبْشِرْ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تَرِدُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحَوْضَ! ... المزيد

 19-02-2021
 
 996
20-11-2020 4144 مشاهدة
200ـ بكاء الصحابة عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (2)

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ... المزيد

 20-11-2020
 
 4144
13-11-2020 1896 مشاهدة
199ـ بكاء الصحابة عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم

رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ رَضِيَ اللهُ ... المزيد

 13-11-2020
 
 1896
06-11-2020 980 مشاهدة
198ـ محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم (5)

بُكَاءُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِأَلَمِ فِرَاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبُكَاؤُهُمْ لِتَذَكُّرِ مَجَالِسِهِ، وَبُكَاؤُهُمْ عِنْدَ ذِكْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ... المزيد

 06-11-2020
 
 980

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412049499
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :