أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

5072 - منحت البيت لبناتها, واحتفظت بحق الانتفاع لها

21-04-2012 42679 مشاهدة
 السؤال :
منحت أمٌّ بيتها لبناتها، واشترطت عليهنَّ أمام شهود بأنَّ حقَّ الانتفاع من البيت لها حتى الممات، وماتت الأم، فهل يدخل البيت في تركتها، أم يكون لبناتها؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 5072
 2012-04-21

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: من شروط صِحَّةِ الِهبَةِ قبضُ الشيء الموهوب من قِبَلِ الموهوب له، فإذا لم يثبت القبض من قِبَلِ الموهوب له فلا تثبت الهِبَةُ، وذلك لما أخرج الإمام مالك في الموطأ: عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: (إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ كَانَ نَحَلَهَا جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالغَابَةِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، قَالَ: واللهِ يَا بُنَيَّةُ، مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْكِ، وَلا أَعَزُّ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي مِنْكِ، وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا، فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ كَانَ لَكِ، وَإِنَّمَا هُوَ اليَوْمَ مَالُ وَارِثٍ، وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ، فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ).

ثانياً: ذهب الفقهاء إلى أنه يُشترطُ في صِحَّةِ الوصيَّةِ أن لا يكون الموصى له وارثاً للموصي عند موت الموصي، إذا كان هناك وارثٌ آخر، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لاَ تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ الوَرَثَةُ) رواه الدارقطني عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما. لأنَّ في إيثارِ بعضِ الورثةِ من غير رِضا الآخرين ضرراً يؤدي إلى الشِّقاقِ والنِّزاعِ وقطعِ الرحمِ، وإثارةِ البغضاءِ والحسدِ بين الورثةِ.

ويُشترطُ في رِضا الورثةِ أن يكونَ بعد موت الموصي المُوَرِّث.

ثالثاً: يقول الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله تعالى في فتاويه تحت عنوان: (حكم اشتراط الاحتفاظ بمنفعة المبيع للبائع):

الخلاصة: 1ـ إن بيع الشخص شيئاً لأحد ورثته، واشتراط البائع منافع البيع لنفسه مدى حياته، لم تنصَّ عليه المجلة، ولم أقف فيه على نص للفقهاء من أحد المذاهب؛ وإنما نصَّ الفقهاء على ما إذا اشترط البائع منافع المبيع لنفسه مدة موقوتة معيَّنة، فاختلفت فيه الاجتهادات، فمنهم من حكم بصحة البيع مع هذا الشرط، ومنهم من حكم بفساده أو بطلانه.

2ـ إذا كانت المدة التي احتفظ البائع فيها لنفسه بمنافع المبيع هي مدى حياته لا مدة موقوتة، فتكتسب طبيعة العقد معنى الوصية، لأنَّ أثر البيع عندئذ مضاف إلى ما بعد الموت، فيصلح ذريعة للاحتيال على الحكم الشرعي الذي يمنع الوصية للوارث إلا بإجازة باقي الورثة، وحينئذ تقتضي القواعد الفقهية الشرعية ـ وخاصة مبدأ سد الذرائع، وقاعدة القصود في العقود ـ أن يعتبر مثل هذا التصرُّف إلى الوارث في حكم الوصية المضافة لما بعد الموت، فيتوقف نفاذه على إجازة باقي الورثة بعد موت المتصرِّف. اهـ.

وبناء على ذلك:

 فما دامت الأمُّ اشترطت على بناتها بأنَّ حقَّ الانتفاع من البيت لها حتى الممات، ولم تقبض البنات البيت، فإن هذه المنحة تعتبر وصية، لأنَّ أثر هذه المنحة مضاف إلى ما بعد الموت.

وما دام الممنوح له هذا البيت ـ وهنَّ البنات ـ وارثاً، فإنَّ أمر هذه المنحة موقوف على إجازة الورثة، فإن أجازوه صحَّت المنحة، وإلا فيدخل البيت في جملة التركة، ويقتسمه الوارثون للأمِّ قسمةً شرعية. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
42679 مشاهدة